دولي

تحرير فلسطين، الغائب الدائم

القلم الفلسطيني :

 

صحيح أن فلسطين لم تكن تنتظر أو تتوقع قراراً عربياً في القمة الأخيرة يتبنى تحريرها، ولا أن تحتل رأس أجندة النقاش والتداول فيها، لكنها كانت تتطلع لأضعف الإيمان، وهو اتخاذ قرار برفع الحصار عن غزة وإلزام السيسي بتنفيذه، خصوصاً وأن القمة جرت في مصر، أي ليس بعيداً عن معبر رفح المغلق بقرار من نظام الانقلاب، إضافة إلى انتهاجه كل ما من شأنه أن يحكم الخناق على قطاع غزة ويؤخّر إعماره ويديم مأساته، ليس ابتداء بالتحريض الإعلامي والسياسي اليومي على غزة ومقاومتها، وليس انتهاء بتدمير جميع الأنفاق وإنشاء منطقة عازلة على حدودها بعد تدمير جزء من رفح المصرية وتهجير ساكنيها وصحيح أنه لا ينبغي لوم النظام الرسمي العربي على خذلانه فلسطين بينما نرى محمود عباس يتحدث عن كل شيء في القمة إلا تحرير فلسطين، ويهذي بأمنياته حول تحرك عربي لإقصاء حماس من المشهد، لكنه يجبن عن مجرد الدعوة لرفع الحصار عن غزة أو دعم مقاومة الاحتلال في فلسطين. ولكن من قال إن عباس يمثّل قضية فلسطين وينطق بلسان حال أهلها أو الشريحة الغالبة من شعبها؟ ومن قال إن الرجل يُحسن تمثيل فلسطين كقضية أرض محتلة وشعب مهجّر فيما هو منغمس في البحث عن أسباب مدّ سلطته بعمر إضافي، ولو على حساب طمس وتغييب عناصرها الأهم وثوابتها الأساسية؟ يتراجع هم التحرير فلسطينيا، كما يتراجع عربيا، ويبدو أنه سيلزمنا وقت إضافي قبل أن نعي حجم مصيبتنا في تلك القيادة التي احتكرت الوصاية على الهم الفلسطيني، وقزمته حتى صوّرت للعالم أن مشكلة فلسطين تتلخّص في نزاع داخلي والحاجة لدعم مالي والرغبة في إخضاع الإقليم (المتمرّد) المسمى غزة، وهو الساحة الوحيدة حالياً التي تمتلك أدوات المقاومة، بَيْد أنها مقاومة صعبة في ظل واقع غزة الجغرافي، وحصارها صهيونياً وعربيا، والتحريض عليها من قبل قيادة السلطة، كونها غرّدت خارج سرب مقتضيات أوسلو وما تلاها ولكن مع كل هذا، كان يسع قادة الدول العربية المحورية، وعلى رأسها السعودية أن تبادر لنقلة نوعية فيما يخص القضية الفلسطينية، ودون أن تظهر منحازةً لطرف فلسطيني دون آخر، ففي ظلّ تبعية نظام السيسي لها وحاجته لدعمها فإنه يمكنها إلزامه برفع الحصار عن غزة، أو تخفيفه على الأقل، وكان يمكنها التلويح بخيار دعم مقاومة المحتل الصهيوني، أو سحب المبادرة العربية بعد فقدانها صلاحيتها. أما التمترس خلف الخطاب الجامد إياه، والاكتفاء بترحيل الملف الفلسطيني بعد تزيينه ببعض المجاملات الكلامية فهو لن يحمل عموم الأمة على التأمل خيراً في العهد السعودي الجديد، أو الاطمئنان إلى أن تغيّراً حقيقياً سيجري عليه لصالح الأمة، ولصالح ابتعاده عن دائرة الهيمنة أو الوصاية الأمريكية لا ينكر أحد حجم ما تواجهه الأمة من تحديات ومآسٍ في عدة ساحات، وأنّ هذا كان من أسباب خفوت ألق القضية الفلسطينية وتراجع الاكتراث العربي بها، لكن علينا أن نتذكّر أيضاً أن الحال لم يكن مختلفاً حين كانت القضية الفلسطينية وحدها محور الاهتمام العربي، فهذا الاهتمام لم يتجاوز دائرة التضامن الكلامي، أو الدعم المالي المحدود، أما المواقف المتقدمة المنتظرة ممن يسعى لأن يكون محلّ إجماع داخل الأمة فهي لم تحصل أبدا، وليس متوقعاً حصولها ما دام النظام الرسمي العربي يدور في خانة مصالحه وتثبيت سلطانه، ويرى ما دون ذلك تفاصيل هامشية لا بأس بإماتتها أو ترحيلها .


لمى خاطر

من نفس القسم دولي