دولي

الجوائز التي تبحث عن شذوذ الإبداع

القلم الفلسطيني:

 

ربما كان الإبداع في بعض الأحيان نقمة على صاحبه، لاسيما أنه يتجلّى في لحظة المفارقة بين أمرين منسجمين في النسق، يخرج منهما نسق جديد مختلف، إذ ربما كان الإنتاج الجديد خارجاً من طفرة نازحة استقبلتها البيئة المحيطة بالإعجاب والقبول، أو كان هذا الإنتاج ثورة على نفس مكتومة مكبوتة لا تستطيع التعبير عن حقائق النفسية المحبوسة في قوقعتها فيشعر كل أحد باهتزازات هذه النفسية وجاذبيتها التي تتسلل إليه بسهولة وأسوأ أمراض المبدعين هو شعورهم بتميّزهم عن المجتمع وخصوصيتهم وأنهم يستحقون الانضمام إلى مجتمعات أخرى أرقى وأقرب إليه كما يظنون ... من الحالات التي انفجرت قريباً على هذه الصورة كاتب شيوعي قديم كان يحظى برعاية الدولة الشيوعية الشاملة في ألبانيا، ويمتاز عنهم بفتح الأبواب على مصراعيها له، وارتفعت شعبيته وتطاولت بسقوط العديد من المبدعين حوله بالقتل أو السجن أو تغييب العقل بالتعذيب، وكان واحداً ممن يصنع القوانين ويصوغها لتحويل المبدعين إلى آلات الروائي الألباني من الأبوين المسلمين " إسماعيل كادريه " كان هذه الظاهرة التي انقلبت على نفسها، وهو أمر شائع لدى الرفاق الشيوعيين واليساريين الذين ينقلون البندقية كما يسمونها من كتف إلى كتف آخرى، حيث تحول كثيرون منهم إلى التيار الرأسمالي بعد سقوط الشيوعية المدوّي أوائل التسعينات وأسوأ ما حصل لهذا الروائي المنقلب على نفسه هو ابتهاجه بحصوله على جائزة في مجال الحرية التي لم يكن من أنصارها يوماً، ومن دولة لا تعرف لحقوق الإنسان معنى وهي أكثر الدول ظلماً من خلال أشد أنواع الظلم وهو الظلم الجماعي باحتلال أرض وشعب آخر حاز هذا الكاتب على جائزة أورشليم لحرية الفرد في المجتمع، وقدمها له رئيس الكيان الصهيوني وعمدة مدينة القدس المحتلة الإرهابي المتطرف " نير بركات"، وهي جائزة دعائية لا تنتمي لموضوعها بالمرة، فلا هي دولة حرية للفرد أو المجتمع بل هي دولة عسكرية تمنح ميزاتها لجنودها المقاتلين وتمطر المحتلين بأسوأ أنواع الشرور، ولا الشخص الذي منحته الجائزة ينتمي إلى الحرية والديمقراطية هذه الجوائز تمهّد لإدخال بعض العناصر الشاذة في إبداعها إلى ميدان نوبل لإعادة تصدير الصورة الصهيونية الجميلة، وإقناع المغيّبين عن الحقيقة بسلعة استهلاكية غير صالحة للاستعمال البشري تدعَى ديمقراطية إسرائيل إن هذه الجوائز مثال صارخ على الاختراق الثقافي الذي تعمل فيه دولة الكيان في مجتمعاتنا ومجتمعات العالم لتحويلها إلى حظيرة التطبيع الثقافي الذي يتعامل مع المحتل كما يتعامل مع الضحايا سواء بسواء التندي والغضب والاستنكار لا يكفي في هذا المقام بل علينا أن نتوجه صوب جوائز دولية راقية تحمل اسم القدس وتحظى بشرف دعم المقاومة والتبشير بها وحماية طابعها الإنساني النبيل في مواجهة أعداء الحرية.

د. أسامة الأشقر 


من نفس القسم دولي