دولي

ومكروا مكرًا كبّارًا

القلم الفلسطيني:

تاريخيًّا سجلت نماذج عديدة لمن أتقنوا فن المكر والدهاء، وقلب وتزييف الحقائق وفبركتها، على شاكلة "ومكروا مكرًا كبارًا"، "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال"، وكانت النتيجة على الدوام "ولا تعجل عليهم"، وتبعها "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"، لتترسخ في النهاية حقيقة أبدية، وهي: "إن بطش ربك لشديد"، "ومن أصدق من الله حديثًا" ضرب من الجنون وعدم العقلانية، والسير نحو الجحيم والهاوية بسرعة أن يتحول الصراع مع الاحتلال والاستعمار إلى صراع بين العرب أنفسهم، وصراع بين قوى سياسية معينة وقوى أخرى، وتكون اللغة المتعارفة بينهم هي لغة الدم، وتشويه المقاومة، بدل لغة الحوار والتفاهم مخطئ من يظن أن الصراع بين الحق والباطل سيتوقف يومًا ما، وأكثر خطأ من يظن يومًا أن من يملئون السجون ويطاردون ويعذبون ويقتلون وينفون إلى منافي الأرض؛ هم على باطل؛ ومن يقتل ويفتح المزيد من السجون ويفقر شعبه، ويستبد بحكمه وقراره؛ هو على حق لا تكمن المشكلة فيما يقوله كل طرف ويدعيه، وما يجمعه ويملكه من حجج وبراهين تثبت صحة ما يقوله وتؤيد مواقفه، بل تكمن المشكلة في القواعد، والأسس، والمفاهيم التي رسخت عليها البشرية عبر آلاف السنين من الصراع؛ لحل مشاكلها المستعصية، خاصة في الحكم والسياسة، وهي بالعموم ما تعارفت عليه الأمم والشعوب لتخطي حالة القهر والاستبداد والدكتاتورية، والظلم بشتى أنواعه هل يعقل أن يكون من يدفع الظلم عن نفسه وشعبه ويحب الحياة والناس، ويقول الحق على الدوام؛ هو إرهابي؟!، ومن يقتل شعبًا ويواصل احتلاله ويصادر أراضيه ويسجن آلافًا من شعب مسالم بريء؛ هو حضاري وإنساني؟ ما بني وأسس على باطل فهو باطل، والاحتلال باطل وما نتج عنه فهو باطل، وكل من ناصر الاحتلال وحارب من يحارب الاحتلال هو بالنتيجة المنطقية على باطل، أليس هكذا تفهم الأمور ويقاس عليها؟ في غفلة من التاريخ، أو لحظة عابرة تستطيع جهة ما بقوة فبركة الإعلام المضلل أن تقلب الحق إلى باطل، وتحجب رؤية وقول الحقيقة، ولكن كما يقولون حبل الكذب قصير، وستخسر الجهة التي فبركت الأكاذيب سريعًا؛ لأن إنجازها وهمي كاذب، وليس له رصيد على الواقع، وهي تخالف منطق الأشياء في الحقيقة لا يدوم أصلًا إلا ما رسخ في القلوب والعقول، تعززه الإنجازات على أرض الواقع، فكل الكلام والإعلام وسحر أعين الناس لن تجدي نفعًا، وسيتبخر سريعًا؛ لأنه بكل بساطة لا يوجد له إنجاز على أرض الواقع شماتة "نتنياهو" في الوضع العربي كبيرة جدًّا، ولكنها شماتة مؤقتة؛ تتوقف وتنتهي متى انتهت هذه الموجة العاتية التي تعبر المنطقة العربية، فلابد لأي حدث أن يكون له نهاية، مهما كان صعبًا وشاقًّا ما يوجع القلب والعقل معًا هو نجاح "نتنياهو" _ومعه الغرب_ بتفريق المسلمين إلى طوائف، وتيارات متناحرة، فكلنا عرب ومسلمون، ولا يجوز أن نتفرق، فالفرقة تبقي يد الاحتلال هي الطولى، لتصول وتجول كما تشاء في المحصلة لن يزول الاحتلال ويكنس إلى مزابل التاريخ، ما دام الوضع الداخلي مشتتًا، وفيه من الصراعات الداخلية التي تستنزف الطاقات وتهدرها مجانًا، ولذلك وجب تقوية وترتيب البيت الداخلي، والالتقاء على كلمة سواء، وبرنامج وطني موحد، وهذا لا يكون آجلًا بل عاجلًا؛ كون الزمن لا ينتظر أحدًا، ولا يرجع إلى الخلف.


خالد معالي


من نفس القسم دولي