دولي

عصفور فلسطين وحديقة مانديلا

القلم الفلسطيني

 

عند مطالعتى لمذكرات مانديلا التي نشرت في العام 1994 بعد خروجه من السجن، ومحاكمته الشهيرة في 'ريفونيا'، ثم نقله للسجن وتنقله حتى نقل إلى 'جزيرة روبن' التي قضى فيها الجزء الأكبر من الـ 27 عاما التي مكث فيها بالسجن ثم خروجه للحرية بعد انهيار النظام العنصري، لفت انتباهى بعض المحطات التى تؤكد على عظمة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وعلى ظروف الحياة القاسية والغير ممكنة في عزل السجون الاسرائيلية وأقسامها وعدم رحمة القائمين عليها. 

كتب صديق الشعب الفلسطينى في مذكراته عن تجاربه في الزراعة حيث وافقت إدارة السجن السماح له بزراعة قطعة صغيرة بما يريد من الطماطم والفلفل، واهتم بها وكانت تجاربه في الزراعة محلا للاحتفال والذكر في رسائله لزوجته ويني حيث يقول 'كانت المزرعة هي الشيء الوحيد الذي يمكن للسجين السيطرة عليه، أن تزرع حبة وتراقبها وهي تنمو وترعاها ثم تحصدها كان هذا يعطيك نوعا من الرضى وإن كان بسيطا'. ويقول ' لقد نظرت للحديقة باعتبارها رمزا او مجازا للكثير من ملامح حياتي. 

وقارنت بين سجن نظام الفصل العنصرى وبين قيادات الحركة الصهيوينة التى تدعو لاعدام الأسرى الفلسطينيين، ورميهم في البحر الميت، وتركهم طوال الحياة في الزنازين حتى يتعفنوا كونهم بالرؤية العنصرية يمثلوا حيوانات بشرية على حد تصريح لنائب في الكنيست الاسرائيلى، والتضييق عليهم بكل تفاصيل الحياة. 

 

وعدت بالذاكرة إلى الوراء لظروف الاعتقال في السجون الاسرائيلية، التى السجون التى تحرم الأسرى من كل معنى للحياة لأنها تريد قتل إرادة الحياة في قلب الأسرى الفلسطينيين، فلم نحلم مرة بحديقة مانديلا، أو شتلة الطماطم والفلفل، كنا نتمنى ممارسة شىء من هذا القبيل ولكننا لم نتوقعه لادراكنا طبيعة القائمين على السجن بل على هذا المشروع بأكمله. 

أستذكر عصفور الأسير الفلسطينى حسان الذى وقع لحظة مشيه في ساحة القسم في موسم تكاثر الطيور، العصفور لم يغط بريشة واحدة، خشى حسان على موته وأدرك أن لا مجال لحمله ووضعه في العش، وكان يتخوف من عقاب إدارة السجون له في حال كشفه وفق التعليمات المشددة التى تمنع تربية الطيور ولو كان بحجم عصفور رحمة به. 

كبر العصفور وتغطى بالريش وكان يخرج صباحا ويعود مساءاً في صندوق زينه له الأسير حسان، وكان يقف على أكتاف الأسرى ويغنى لهم، أحبهم أكثر من حريته، كان يتحرر ولكنه يعود لزنزانة حسان حتى دخلت القوة الاسرائيلية الخاصة التى كشفت جريمة حسان لانقاذه العصفور المهدد بالفناء وعاقبته بمنع الزيارة لمرة واحدة، ولكنها لم تستطع قتل إرادة الحياة وطار العصفور من فوهة الشباك. 

عشقت مذكرات مانديلا وعشقت نضالاته، وكل يوم تزداد قناعاتى بأن في فلسطين المئات من نيلسون مانديلا، وأن فلسطين على موعد مع الحرية، وأن ظروف سجون الاحتلال أقسى من ظروف سجون الابرتهايد. 


بقلم / الأسير المحرر رأفت حمدونة

من نفس القسم دولي