دولي

لجام الفلتان الأمني ورهانه

القلم الفلسطيني:

 

مضت حادثة اختطاف المجاهد ناجح عاصي في الضفة الغربية وكأن شيئاً لم يكن، وقبلها محاولة اختطاف القيادي نادر صوافطة، وقبلهما عمليات إطلاق نار عديدة على مصالح ومنازل كوادر حماس في الضفة، واعتداءات مباشرة على بعضهم وعلى شخصيات وطنية معارضة لنهج السلطة ومنتقدة لسياساتها وفيما تحاول دولة فتح الأمنية في الضفة أن تقدّم نفسها في صورة النظام الملتزم بالقانون، من خلال شرعنتها جميع انتهاكاتها بحق رموز وكوادر المقاومة، والادعاء بأنها تراعي القانون ولا تفتئت عليه، فإنها ترخي لجام الانفلات الأمني حينما تريد وحيث يكون مطلوباً إشاعة أجواء الخوف والترهيب في الضفة، أو إذا شعرت بأن هناك تغيراً ميدانيا يلوح في الأفق أو يوشك على الحصول وعدا عن حقيقة أن مشروع التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال يقتضي أن يظل سيف ملاحقة رموز حماس مشرعا، فإن حركة فتح في ظلّ أزمتها الحالية، وظهور بوادر تشظيها بين تياري دحلان وعباس (خصوصاً في غزة) فإن سلطتها في الضفة تحاول تصدير أزمتها الداخلية هذه باتجاه حماس، ومحاولة جمع الشتات الفتحاوي من جديد على قاعدة العداء لحماس، فتطلق العنان لبعض عصاباتها للاختطاف والعربدة على أمل إعادة ضبط المشاعر الفتحاوية في الاتجاه المطلوب، أي ضد حماس وكوادرها تعرف حركة فتح جيداً أنها سجّلت وستسجل فشلاً ذريعاً في حربها ضد حماس، فيما الأخيرة تتصدر لائحة العداء الصهيونية وتشكّل رأس حربة مقاومته سواء في غزة أم الضفة، وتعرف أن الحقائق التي تستقر في وعي عامة الناس بفعل مواقف حماس وتضحياتها واستمرار جهادها يصعب تزييفها أو حرفها باتجاه المعارك الجانبية التي تحاول فتح افتعالها، ولكن يبدو أنها لم تعرف بعد أنه لا يسعها أن تضع الأوضاع في كل من غزة والضفة في كفتي ميزان متقابلتين، لأن الواقع مختلف تماماً في كل من الساحتين، مثلما أن واقع فتح الأمني في الضفة قد قلّص إلى الحدّ الأدنى أدوارها الوطنية وحوّلها إلى ذراع تنظيمي ملحق بالسلطة وبقوتها الأمنية، وهي القوة المعنية بإدامة الهدوء والجمود وبمنع أي تحرك جدّي ضد الاحتلال ولذلك؛ على الحركة أن تدرك أن تسويغ العربدة واستهداف رموز المقاومة سيضعف موقفها ويقدح في موقعها هي، دون أن يمسّ بحماس أو يفقدها التركيز في مسارها، فحتى حماس الضفة التي تعاني من استنزاف دائم مزدوج فإنها عملياً التيار الأكثر استعصاءً على الاستئصال، لأن وجودها وحيويتها لا يعتمدان على مظاهر قوة مرئية وملموسة، بل على نجاحها في استثمار طاقتها في مواجهة الاحتلال، وهو العنصر الذي تتغافل حركة فتح عن وجوده وهي تذكي أوار حربها ضد حماس، بل لا ترى بأساً في الاستفادة من إفرازات جهوده في إضعاف خصمها، وهو أمر وإن كان يمنح حركة فتح تفوّقاً ظاهرياً إلا أنه يجعل كيانها على حافة هاوية دائمة، لأن الارتباط العضوي بالعدو لا يؤسس إلا كيانات من ورق، تنتفخ وتكبر بسرعة، لكن أقل هزة يمكن أن تعيدها لوزنها الطبيعي الرهان على الفلتان الأمني يشبه الرهان على التنسيق الأمني، فكلاهما يحتاجان جهداً كبيراً لكنهما لا يأتيان بنتيجة، بل يفرزان حالة سلبية أول من يكتوي بنارها المراهنون عليها، حتى وإن تنعموا قليلاً بأثمانها الآنية. 


لمى خاطر

من نفس القسم دولي