دولي

دماء بطعم العنصرية

القلم الفلسطيني:

 

لقد سمحت تركيبة فتح بانضمام عناصر متباينة، وتيارات فكرية مختلفة، وقد اعتبرت الحركة ذلك من مزاياها التي تفردت بها بين فصائل الثورة الفلسطينية. لكن هذا التنوع كانت له بعض السلبيات التي ظهرت على شكل تمردات أو محاولات للانشقاق بين الحين والآخر، لكنها جميعاً لم تصل إلى حد شل الحركة أو فرط عقدها أو التأثير في حجمها داخل منظمة التحرير وسوف نتعرض لبعض هذه الأزمات قبل الخوض في الانشقاق الأكبر الحاصل عام 1983 فمنذ انطلاقة حركة فتح مع مطلع 1965، سارعت قيادة جبهة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد جبريل وعلي بشناق، بالاتصال بها. واتفقت الحركتان على الاندماج، وتم تشكيل مجلس طوارئ في دمشق يضم قياديين من الجبهة وقياديين من فتح وشُكلت لجان عسكرية وإعلامية وتنظيمية. كما انضمت أيضاً "الجبهة الثورية لتحرير فلسطين" بزعامة يوسف عرابي ومحمد زهدي النشاشيبي إلى فتح إثر الانطلاقة وفق اتفاق جرى بين ياسر عرفات واللواء أحمد سويداني رئيس الأركان السوري آنذاك عُيِّن بموجبه يوسف عرابي مساعداً لياسر عرفات في قيادة العمل العسكري وأصبحت كوادره المقاتلة تشكل غالبية مقاتلي العاصفة وتولى قيادة المجموعات الفدائية لقوات العاصفة، نظراً لخبراته العسكرية والواقع أنه لم يكن اتفاقاً تعاونياً بقدر ما هو شرط سوري لقاء تزويد فتح بدعم لوجستي لاستمرار عملها العسكري انطلاقاً من سوريا. وضُم اثنان من قادة جبهة التحرير الفلسطينية إلى اللجنة المركزية العليا لفتح، وهما أحمد جبريل وعلي بشناق، وهكذا زاد عدد الموالين لسوريا داخل اللجنة المركزية العليا لفتح. ويبدو أن قيادة فتح في سوريا قررت العمل على التخلص من وجود أعضاء جبهة التحرير الفلسطينية والجبهة الثورية لتحرير فلسطين باعتبار ذلك نوع من الهيمنة السورية على فتح وفي سبيل ذلك شرعت في تعطيل عمل اللجان المشتركة ومجلس الطوارئ، وأُضيف إلى اللجنة المركزية في الكويت أربعة آخرون هم خالد الحسن وسليم الزعنون ومختار بعباع ومحمود فلاحة وذلك منذ منتصف عام 1965 ومع مماطلة وتسويف عناصر فتح في اللجان المشتركة في البت بقرارات اللجان لعدة أشهر، قررت ومع طلب الجبهة من اللجنة المركزية لفتح بالتحقيق الذي تم مرتين، دبّ خلاف في اللجنة المركزية في الكويت ودمشق، قررت على إثره إعفاء ياسر عرفات من مسؤولية القيادة العسكرية وإرساله إلى الجزائر، لكن اللجنة المركزية لم تتمكن من تنفيذ الأمر، ولم يستجب ياسر عرفات للقرار، فكان قرار سحب الثقة من عرفات وإحالته إلى التحقيق قد صدر مرتين في 29/4/1966 وفي 2/5/1966. وقرروا إعفاءه من مسئوليته وإسنادها إلى النقيب يوسف عرابي لكن يوسف عرابي قُتل في بيت ياسر عرفات في حي المزرعة بدمشق في 9/5/1966 في ظروف غامضة قامت السلطات السورية باعتقال كل قادة فتح في سوريا ومنهم: ياسر عرفات وخليل الوزير وأبو علي إياد وأبو صبري ومختار بعباع وزكريا عبد الرحيم وعبد الكريم العكلوك وعبد المجيد زغموط وكانوا أحد عشر متهماً وقيل ثلاثة عشر، وخرج بعضهم بعد بضعة أسابيع بينما استمر اعتقال ياسر عرفات 95 يوماً، وبعد أسبوع من الجلسات المحاكمة أصدرت حكمها في 29/11/1966 ببراءة العكلوك وزكريا عبد الرحيم لعدم ثبوت الأدلة وبالإعدام لعبد المجيد زغموط، الذي توفي في سجنه في عام 1999م، بعد 33 سنة. وقررت قيادة فتح تجميد أنشطة المفرج عنهم "كبادرة حسن نية إزاء السلطات السورية وتكفيراً عن الأخطاء التي ارتكبوها" اعتبر البعض أن الحادث من تدبير حركة فتح وأن الحركة تتبع وسائل تصفية الخصوم الوافدين على الحركة من خارجها الذين يحاولون الهيمنة عليها فقد أكدت نشرة الثورة المسلحة الصادرة عن حركة فتح في تشرين الثاني 1966 أن الحركة طهرت نفسها من الدخلاء في إشارة لتخلصها من يوسف عرابي وخروج العديد من عناصر وقيادات الجبهة الثورية لتحرير فلسطين، وخروج جبهة التحرير الفلسطينية بسبب تعليق الحركة لاندماج الجبهة فيها بعد مقتل عرابي وخروج جبهة التحرير الفلسطينية من فتح، استقال أعضاء من اللجنة المركزية العليا لفتح وهم: عادل عبد الكريم ياسين وعبد الله الدنان ومنير سويد ومحمود الخالدي وحسام الخطيب وأحمد جبريل وعلي بشناق ومختار بعباع أي أكثر من نصف الأعضاء. 


د.عصام عدوان

من نفس القسم دولي