دولي
غزة.. وهي تعلمنا فن صناعة الحياة
القلم الفلسطيني:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 جانفي 2015
حينما يحاصركِ اعداؤكِ فسوف تجدين ألف طريقة وطريقة للتخلص من حصارهم أقلها ان تنفجري في وجوه محاصريكِ، وعندما تنوين الانفجار سوف يشارك انفجاركِ طفل يرنو إلى المستقبل يبغي الحياة الكريمة المشرفة كما كل أطفال الكون يعلمه الحصار الظالم كيف يحل معادلات السياسة المعقدة، وامرأة عجوز ناهزت السبعين او الثمانين ترنو أن تجد كفنا تتكفن به وقبرا يؤويها واخا يدفنها ويدعو لها بعد الممات، لكن بكرامة الرجال والابطال تعلم أحفادها كيف ترسم بدمها المثخن ألماً خارطة القدس والأقصى متألقة في سماء الارواح المتأهبة لمغادرة أجسادٍ طواها الحصار، وسوف ينفجر معكِ شيخ ناهز التسعين ما زال يحمل فأسه ويكدح في أرضه التي سقاها على مدار قرن بعرقه وما بخل عليها لحظة بدمه لكن الشهادة تأخرت عنه حتى يختم بها حياته مسكاً وما أجمله من ختام، يعلم أبناءه وأحفاده كيف يعجنون التراب المقدس بعرقهم ودمهم ليخبزوا منه أسواراً تحمي القدس والأقصى من كيد الغادرين وتآمر المتآمرين، وانفجاركِ هو انفجار شاب أحب الحياة اضعافا مضاعفة فوجدها في خلودٍ ابديِ حينما يتقدم الصفوف فيلقى الله مبكرا غير هياب للمنايا يرسم بدمه الوردي أجمل خارطة لأجمل لوحة لأجمل وطن عرفته الدنيا ويود لو عاش ألف حياة انفجاركِ يا غزة هو انفجار طفل لم يتجاوز السادسة من عمره قتلوا كل اسرته وهدموا بيته بطائرة أمريكية ونفط عربي ولم يبق له الا الله... ومن لم يبق له الا الله فهو حسبه ولولا أنه كذلك ما قبض الله كل أهله يعلم أقرانه في مدارس الزهور الليلكية ان الحياة أرخص كثيرا من أرض قد لامستها يوماً أقدام الانبياء وهو الذي يقبلها في اليوم مرات ومرات عسى ان تنال شفتاه بقايا عطر من قدم أحدهم انفجاركِ يا غزة هو انفجار عروس تنتظر لحظة فرحها لتبني بيتا جديدا تنجب فيه مرابطين يحرسون ثغور الأقصى في وقت تخاذل فيه صغار بل أصاغر القوم وظنوا أنفسهم الأكابر فصغروا في عينيها فأنجبت خمسة توائم ليحرسوا من بعدها الوطن ومضت إلى الله شهيدة بينما تضع توائمها وهي تشكو إلى الله ظلم إخوة وجيران يحاصرونها كي تموت فماتت ولعنات دعائها وصراخ توائمها ليس بينه وبين الله حجاب فصرخت وروحها تصعد نحو بارئها وتوائمها يقولون آمين، اللهم بدد ملكهم وشتت شملهم وفرق جمعهم وأرِ توائمي فيهم يوما أسودا، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية ولا تجعلهم يشمون رائحة الجنة كما أنه انفجار مريض بمرض عضال لم يبق فيه ما يقوى به على ممارسة حياته، وقف على معابر الحصار يوصدونها بوجهه بكل صلف وظلم وتكبر وعجرفة، فيرفع عينيه نحو السماء فيرى أبوابها مفتوحة ويصرخ من أعماق روحه وسويداء قلبه، حسبي الله ونعم الوكيل، فتخرج روحه إلى السماء مع صرخته فتكسر كل حصارهم وتستقر هنالك حيث أبدية المستقر انفجاركِ يا غزة انفجار طالب أكمل من دراسته عامين في الجزائر بلد الشهداء وما درى أنه سيلحق بهم وبكل شهداء وطنه الكبير الذين قضوا ظلما وقتلا قضاها أياما وأسابيع على المعابر كي يسمح له محاصروه أن يلتحق بجامعته في جزائر الشهادة المعبقة بدمائهم، لكن يكون له شرف الشهادة مع أول غارات عدوان صهيوني غادر فكان على رأس ألفين من الشهداء تفتح لهم الفراديس العلا أبوابها فيدخلونها فرحين مستبشرين، كما أنه انفجار مقاوم يذوب حزنا وألما على أسلحة يأكلها الصدأ بأيدي جند الأعراب هنا وهناك وما ظلم الجند أنفسهم ولكن حكامهم لهم ولشعوبهم ظالمون ختاماً يا غزة انفجاركِ هو انفجار موظف وعامل وأجير حرمهم "كبيرهم" أجرة يومهم أعواما وأعواما وما درى ان دعوة طفل قد اخترقت "القبة الحديدية" نحو عرش الرحمن وتعلقت به فقال لها رب العزة: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، غزة لا تحزني فليس بعد الحصار إلا النصر، فإن النصر من عند الله، وإن النصر هو الحياة.