دولي
موت شجرة
القلم الفلسطيني:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 12 جانفي 2015
شجرتان قديمتان، كانتا تتوسطان أحد الميادين المتواضعة لمدينة خانيونس، حيث تُعتبران عَلَماً يُعتدّ به في نظري ومن هم على شاكلتي على الأقل، فهُمَا وكما وقفتا شاهدتين على تاريخ المدينة على مدار الزمن، فقد شهِدنا مقتلُهما واحدة بعد الأخرى، وفي ظروف لم نكن نتوقعها بهذا الشكل وبهذه الطريقة، وما ضاعف الأسى، أن موتهما لم يكن من تلقاء نفسيهما، بل كان نتيجة فعل فاعل وعن عمدٍ وقصدٍ وسبق إصرار، وهو ما يتشابه مع أزماتنا السياسية التي شاهدنا خلالها، بأن حقوقاً تابعةً لنا، تضيع من بين أيدينا واحدةً واحدة، ثم نُعُدّ ذلك إنجازاُ جاء موت الأولى، بعد أن أطاح المنشار برأسها أرضاً، بناءً على أمرٍ من المجلس البلدي، الذي كان أصدر حكماً سريعاً وغير قابلٍ للطعن أو الاستئناف بقطعها من أصلها، ربما استناداً إلى قانون الطوارئ المعمول به ضد الأشجار بعامة على اختلافها، بناءً على كتاب كان قد قام برفعه أحد المواطنين يشكو، من أن الشجرة - برغم ابتعادها أكثر من عشرة أمتار- تحجب عن المارّة اللافتة الموضوعة على واجهة المحل، الذي افتتحه بصفة مشروع استثماري خاص بطحن الكفتة وطهو الكباب، كونه يمثّل أحد المشاريع الاقتصادية للمدينة، والذي يُرتجى منه توفير أكبر كميّة من العملات الصعبة إلى داخل جيوبها، وبرغم أنه كان الأنفع، أن يتم تقليمها بدلاً من قلعها، والتنبيه إلى استغلال ظلالها لجلسات الآكلين، أو لربط العجول دعايةً حيّة وحقيقية لتنمية الرواد والزائرين، لكن لا أحد انحدر به التفكير إلى ذلك الرأي ما زاد الأمر سوءاً، وبالتزامن مع إخفاق المشروع من تحقيق أهدافه المرجوّة، مثله كأيّ مشاريع أخرى مُشابهة، حيث لم يستطع مواصلة النهوض على رجليه شهراً أو شهرين، قام المجلس البلدي بتصفية شجرة معمّرة أخرى، تبلغ من العمر ما يقارب من مئه عام، بالتهمة ذاتها، وكأنها الشجرة الملعونة في القرآن، بدعوى أنها تحجب جزءًا من الأفق لخيال أحدهم، على الرغم من ابتعادها عن مكان سكنه أكثر من خمسين متراً وجاء موت الثانية، بعد صراع طويل مع المرض، وفي ظل نقص العلاج في المستشفيات وإضراب العاملين بها، وكأن لم تكن هناك سلطة قائمة، ولم تكن هناك حكومة، كان تم تدشينها لأجل القيام بما تقوم به الحكومات الأخرى، حيث بدت عليها علامات الضعف والهزال، وتساقطت أوراقها ورقة بعد أخرى، دون أن تجد منً يقدم لها يد العون أو يساهم بإبداء النصح أو تقديم العلاج، وبقيت هكذا حتى عصفت بها (هُدى) وجاءت برأسها أرضاً دفعة واحدة، وكانت مثّلت بموتها فرحاً لأولئك المتلهفين للفوز بشيء من الحطب لتدفئة أجسادهم من برد الشتاء، الذين لم يروا خلال مجيئها، شمساً ولا كهربةً ولا نفطاً، وكأن هناك من يحجبها عنهم، ولا يروقه أن يحوزوا شيئاً منها في دول أخرى لم يكن الأمر كذلك، التي هي أكثر حرصاً على الشجر والبشر سواءً بسواء، وعلى سبيل المثال، فقد ساد المهتمّين في المملكة الأردنية الحزن والألم، لأجل شجرة بلوط واحدة، قضت بمرضٍ عضال، برغم بذلهم كل إمكانية في سبيل مساعدتها على الاستمرار بالعيش ولِتَسُرّ الناظرين، واستغلّت بلدية محافظة أريحا، كل جهودها من أجل مساعدة شجرة الجميز العتيقة، لمواصلة الحياة في أعقاب تدهور صحتها، ومن ضمنها الاستنجاد بفريق روسي اختصاصي، لإجراء الفحوص والاختبارات اللازمة، في محاولة لإنقاذها ووقف تدهور حالتها، ولم يُغادر الفريق، حتى طرأ تحسن ملحوظ على حالتها، وبعد أن أوصى بغلق الشارع المحاذي لها، للحد من عملية تعرضها للملوثات المختلفة، التي كانت سبباً في الإضرار بصحّتها منذ الماضي البعيد، لم تحدث مشكلات كهذه، حتى في ظل من تم تعيينه رئيسًا للمجلس البلدي لاعتبارات عصبيّة، لكن هذا لا ينفي عدم وجود مشكلات أخرى أدّت إلى تراجع مكانة المدينة بشكلٍ عام، كونه شخصا هادئا وقليل الحيلة، وإن كان له العذر في شأن تأخّر المدينة، بسبب (حيتان وجبابرة) كانت تحول دون تمكينه من توفير النصيب، الذي يكفل رعايتها وتطورها، إضافةً إلى -وهو ما نريد تبيانه والتنبيه إليه- هو أن المجالس البلدية التالية المشكلة لهذه المدينة، وبرغم تطور الأوضاع بجملتها، باتت وكأن لا علم لها بما يسير عليه الآخرون في محافظات مجاورة، التي أصبحت مثالاً يحتذى، مع احترامنا لكميّة العرق والجهد والوقت المبذولة في الخدمة، ومع تعظيمنا لشأنها ومساعيها أيضاً ما ورد مثالاً، نودّ به التنبيه إلى جملة من المسائل الخاطئة التي درجت عليها تلك المجالس، وحتى في ظل وجود حجج ومبررات، التي أفضت إلى تعبيرات جسيمة عن امتعاضنا، سيما وهي تنبئُ بأن لا قيمة لشيء، أو إعطاءها القيمة الأدنى، وليست التي تنبغي، كما يُستدل من خلالها بأن هناك تهاونا وعدم مبالاة في الأمور، وحتى إذا ما كانت ليست بذات قيمة لدى البعض، بسبب أنها لدى آخرين ذات أهميّة أعلى، ومحظورُ في رأيهم، على القائمين والمهتمين مواصلة الأخطاء أو التضحية بالمدّخرات الوطنية وإن قلّت قيمتها، على مذبح المصلحة الذاتية، التي لا صلة لها بالمصلحة العامة، سيما وأن الضرر الذي يقع بفعل، لا يُقدر بثمن بإمكاننا من الآن فصاعداً، غضّ البصر، والسماح لِما فات، ولكن ليس بالوسع السكوت إذا ما تواصلت الخسائر، وبالمقابل إصلاح الأخطاء، التي لا تتم إلاّ بتقديم الجهود العقليّة على البدنيّة، سيما وأن الحالة التي نحن بصددها، لا تحتاج إلى عَرقٍ ووقت فقط، بل إلى من هو قادر على التعبير بالعقل أولاً، وهذا شأن كل مسؤول دونما صلة بتيّار أو عصبيّة مجتمعيّة.