دولي

خمسون عاماً من العبث

القلم الفلسطيني:

 

 

لم تنطلق حركة فتح مساء 31/12 ولا 1/1/1965، فقد حالت ظروف موضوعية دون تنفيذ عملية تفجير نفق عيلبون لإعلان الانطلاقة. ولم تتمكن من التراجع عن البلاغ العسكري الأول الذي جاءت صيغته عامة ودون أية تفاصيل. بينما أورد البلاغ العسكري الثاني الصادر في 12/1/1965 الحديث عن العملية الأولى وعن الشهيد الأول والتي وقعت في 7/1. بدأت حركة فتح شهرتها بحادثة زائفة، رسمت معالم المسار الذي اختطته فتح لنفسها في التعامل مع القضية الفلسطينية ومع شعبها وجماهيرها تأسست فتح لتحرير فلسطين المحتلة عام 1948 لكنها اليوم تعترف بإسرائيل على هذه الأرض وتتعاون أمنياً معها من أجل حمايتها، وترفض كل عمل من شأنه زعزعة إسرائيل وشرعيتها راهنت فتح على التعاون مع النظام السوري، ثم بدلته بالنظام المصري، ثم بدلته بالنظام العربي كافة. فبعد أن رفضت تدخل الدول العربية في الشأن الفلسطيني، واعتبرت سيطرة الأردن ومصر على أراضي فلسطينية قبل عام 1967م بمثابة احتلال يجب تصفيته، غدت ترتمي في أحضانهما وتنشد الشرعية والمؤازرة من النظام العربي الذي طالما رمته بالرجعية رفضت فتح دعاوى النظام العربي بوصايته على القضية الفلسطينية في الوقت الذي ادعى فيه هذا النظام تمسكه بالقضية وعدم التفريط بمفرداتها، ونادت بفلسطنة القضية بدعوى أن ذلك أنفع للقضية وأنجى لها. ولم تلبث فتح أن انخرطت في مشاريع تصفية للقضية الفلسطينة متكئة على الادعاء بضعف القيادة الفلسطينية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية، وأصبحت على علاقة وطيدة بالنظام العربي تستمد منه قوتها وشرعية مسارها في الوقت الذي أظهر فيه هذا النظام استعداداً للتطبيع الكامل مع الاحتلال وطدت فتح علاقتها بحركات التحرر في العالم والتي انتمى معظمها للفكر الشيوعي، وأقامت تحالفاً مع الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية في العالم، بل وتطلعت لعلاقات متنامية مع اليسار الإسرائيلي وأقامت علاقات سرية ثم علنية معه جعل منها جسراً تعبره إسرائيل نحو الدول الإفريقية المتعاطفة مع فلسطين وأقامت علاقات واتصالات سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية قدمت خلالها خدمات أمنية معيبة وتنازلات سياسية خطيرة. بينما أغفلت فتح تمتين العلاقات مع العالم الإسلامي وشعوبه التي تتوق لفلسطين كأرض إسلامية مقدسة، ولم تتمكن من الاستفادة من الدول الإسلامية وشعوبها ومن الحركات الإسلامية التي مثلت ضمير الأمة، حتى غدت فتح – التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين – خصماً لهم ولذراعهم في فلسطين حركة حماس. وبدلاً من أن تنظِّر فتح لقدسية فلسطين وإسلاميتها، وإذ بها تدعو العرب والمسلمين لزيارة المسجد الأقصى حتى في ظل الاحتلال بدعوى الحفاظ عليه في الوقت الذي لا يتمكن معظم الفلسطينيين في الضفة وغزة من الوصول إليه، وتدعو لتبادل أراضي مع الاحتلال وبينما رفعت فتح شعار عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، قامت بالتخطيط للسيطرة على النظام في الأردن ودخلت في صراع دموي معه أودى بحياة حوالي ثلاثين ألفاً ما بين قتيل وجريح، تصالحت معه وباعته شعبها في الضفة الشرقية مقابل ان يعترف الأردن بتمثيل المنظمة للفلسطينيين في كل مكان عدا الأردن، وتحدثت عن كونفدرالية مع النظام الذي لطالما ناهضته. وفي لبنان قادت صراعاً دموياً آخر مع فريق ضد آخر على حساب الفلسطينيين واللبنانيين، حتى أقامت "جمهورية الفاكهاني" في بيروت، واستدرجت إسرائيل إلى الساحة اللبنانية عدة مرات انتهت باحتلاله لبيروت في عام 1982م، ثم لم تستطع الدفاع عن لبنان ولا حتى عن مخيمات اللاجئين فيه، فكانت حرب المخيمات ومجزرة صبرا وشاتيلا وكان الخروج المهين من لبنان إلى المجهول. وبدلاً من ترميم بعض العلاقات العربية إثر ذلك ذهبت للقطيعة مع النظام السوري بدعوى الفرار بالقرار الفلسطيني المستقل من الهيمنة العربية ورمت بهذا القرار في حجر النظام المصري المتصهين. وفي غمرة هذه المراهقات السياسية الدامية ذهبت قيادة فتح لإظهار التضامن مع النظام العراقي في عدوانه على الكويت، مضحية بدور ناصع أسدته الكويت لحركة فتح تحديداً، الأمر الذي أدى لنكبة جديدة للشعب الفلسطيني في كل دول الخليج حيث طُرد أكثر من ستمائة ألف فلسطيني وسُرِّح الآخرون من وظائفهم، واستثمرت قيادة فتح هذه المصيبة التي تسببت بها في الذهاب إلى مؤتمر مدريد بذريعة الظروف الصعبة التي غدا عليها حال الفلسطينيين وعندما هبَّ الشعب الفلسطيني منتفضاً في عام 1987 ذهبت فتح باتجاه آخر غير ما يريده الشعب من تحرر واستقلال حقيقي، فبادرت قيادتها لإطلاق سلام الشجعان وإعلان الاستقلال من المنفى، بما حملته تلك المبادرة من اعتراف بإسرائيل واستعداد لنبذ "الإرهاب"، الأمر الذي رسخته بوضوح في رسالة ياسر عرفات إلى رابين في سبتمبر 1993 حيث اعترف فيها بإسرائيل وحقها في العيش على ارض فلسطين بأمان، وأعلن تخليه فيها عن الإرهاب، الأمر الذي عنى دمغ نضال الفلسطينيين عبر عشرات السنين بأنه إرهاب آن أوان التخلي عنه. وقامت السلطة الفلسطينية بتطبيق مضمون هذه الرسالة فقمعت النضال الفلسطيني ولاحقت المقاومة وجرَّمتها، وألزمت نفسها بغير إرادة الشعب الفلسطيني مما صنع انقساماً ظاهرياً أرادته قيادة فتح لتتخفف من أعباء الوحدة الوطنية التي تستلزم الإصرار على الثوابت الفلسطينية، فتح التي نادت بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل، اختطفت هذا القرار لصالحها واستفردت به، فلم يعلم بمفاوضات أوسلو السرية سوى خمسة من قياداتها، واليوم تتوجه قيادة فتح إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار تدعي أنه لصالح الاستقلال الفلسطيني لكنها لم تستشر أحداً ولا معظم قيادات فتح فضلاً عن الفصائل والقوى المجتمعية. فكانت العبثية والفشل والكذب والضياع سمات ملازمة لحركة فتح على مدار خمسين عاماً من انطلاقتها. فهل من وقفة مراجعة؟


د.عصام عدوان

من نفس القسم دولي