دولي
الآن فهم الدكتور غازي حمد لماذا وكيف ضاعت فلسطين؟؟
القلم الفلسطيني:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 ديسمبر 2014
ساري عرابي
تشكل المقالة الموسومة بـ "الان فهمت... لماذا/وكيف أضاع الفلسطينيون فلسطين !!" للدكتور غازي حمد، الشخصية السياسية والإعلامية المحسوبة على حركة حماس؛ نموذجًا ممتازًا على طبيعة النقد السائد والموجه للحركة الوطنية عمومًا، ولحركة "حماس" خصوصًا، لا من جهة تشابه مفردات وموضوعات النقد، ولكن من جهة تشابه الطابع الذي يخلو من الإمساك بالمشكلات الحقيقية، وينصرف إلى عوارض تلك المشكلات، أو إلى تكثيف النقد لقضايا جزئية أو متوهمة بما يعكس مزاج الكاتب واهتماماته أكثر مما يعكس إدراكًا لجوهر المشكلات وبالرغم من إقرار الدكتور غازي حمد بأن فهمه لـ "لماذا وكيف ضاعت فلسطين" جاء متأخرًا؛ فإن مشكلة نقده لا تكمن في أنه جاء متأخرًا في عرض إجابات معروفة لأي فلسطيني درس شيئًا من تاريخ قضيته وحركتها الوطنية، فالانقسام وغياب الإجماع الوطني كان سمة سائدة في النضال الفلسطيني منذ بدايات الانتداب البريطاني على فلسطين، ومن ناحية أخرى فإن اتهام فصائل العمل الوطني بالافتقار إلى الرؤية الإستراتيجية لا يخلو من الصواب، ولكن المشكلة في عدم وضع السؤال "لماذا" في مكانه الصحيح ومن ثم الغياب التام للسؤال "كيف" ودون صياغة الأسئلة بالشكل الصحيح فإن الدكتور غازي حمد يصطف داخل حالة مألوفة فلسطينيًا يستوي فيها وسط من المثقفين مع صنف من الجمهور مع طائفة من الفصائل الفلسطينية؛ وهي تلك الحالة الهجائية التذمرية التي تضع الفصيلين الأساسيين (حماس وفتح) في سلة واحدة، وتوزع المسؤولية عليهما بالتساوي، ثم تعفي نفسها من تقديم إجابات ذات معنى لمعالجة هذا الواقع الذي أسرفت في ذمه وذم المسؤولين عنه بحسب افتراضاتها، أو على الأقل تعفي نفسها من البحث في الجذور وتحديد المسؤوليات بصورة أكثر دقة وأمانة ومسؤولية فليست المشكلة في تقديم النقد من موقع السياسي، ولكن في أن ما يمكن قبوله من المثقف، حتى لو كان معلولاً أو هذرًا بلا معنى، لا يمكن قبوله من السياسي القائم على حل المشكلات، ولا يشفع لهذا القصور ما يبدو في النقد من حرارة الصدق والإخلاص والشعور بالقهر حيال الواقع الفلسطيني هنا ثمة قضية أساسية لا بد من الانطلاق منها للتخلص من المثاليات المجردة من الواقعية، ومن أجل تعامل واقعي مع الحالة الفلسطينية، إذ لو سلمنا بأن المشكلة الفلسطينية الراهنة سببها انقسام الحركة الوطنية ما بين فتح وحماس، أو ما بين خيار التسوية وخيار المقاومة، فإن هذا الانقسام كان حاضرًا دائمًا في النضال الفلسطيني منذ بداياته المبكرة جدًا، وكان حاضرًا وعميقًا أيضًا في الكثير من الثورات وحركات التحرر والنضال ضد الاستعمار، وكانت أسبابه دائمًا أكثر تعقيدًا وتركيبًا من كل محاولات التوصيف التي تلمس سطحه ولا تلج إلى عمقه، كما كان أصعب من كل الأماني الصادقة في التخلص منه وتحقيق حالة وحدة نضالية في مواجهة الاستعمار هذه الحقيقة تدفعنا أولاً إلى استحضار العامل الموضوعي والأساسي دائمًا، وهو الاحتلال بالظروف الدولية والإقليمية التي أوجدته وأمنت استمراره، حتى لا ننشغل بالعوارض الناجمة عنه، لأن هذا العامل الموضوعي بالضرورة أقوى من عواملنا الذاتية وسيبقى كذلك إلى حين، ومن ثم فلا بد من قراءة العوامل الذاتية في ضوء العامل الموضوعي، حتى لا نخلق حالة فصام بين ما نتحمل مسؤوليته نحن وما يتعلق أساسًا بالعامل الموضوعي، وحتى لا نأخذ ما يتعلق بنا معزولاً عن السياق النضالي العام بكل عوامله، وفي هذه الحالة فإن الانقسام قد يكون طبيعيًا جدًا، وقد يكون الممكن الوحيد في لحظة ما، حتى لو كان مؤلماً وشاقًا على النفس بعد ذلك لا بد من تحديد المسؤوليات بصورة صحيحة، فمن الذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى عن الانقسام وغياب الإجماع الوطني؟! وهنا يأتي سؤال "لماذا" في مكانه الصحيح، بمعنى: "لماذا حصل الانقسام الراهن في الحالة الفلسطينية؟! حين البحث للإجابة على هذا السؤال سوف نجد أن الانقسام بدأ يشق طريقه داخل الحركة الوطنية، وقبل تأسيس حماس بأكثر من عقد من الزمان، منذ أن بدأت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير تدفع نحو خيار التسوية، حتى تكرس هذا الانقسام مع اتفاق أوسلو وليس في يوم 14 جوان 2007، بينما كانت أحداث 14 حزيران نتيجة لاتفاق أوسلو، ولمحاولات حماس التعامل الواقعي مع حقيقة وجود السلطة الفلسطينية ولم يكن الأمر متعلقًا بخيار سياسي فقط، ولكن ثمة مجموعة واسعة من عوامل التاريخ والمصالح والارتباطات وقدرات الاحتلال المباشرة والتداخلات الدولية والإقليمية، جعلت قدرة حركة فتح على احتمال فوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة الفلسطينية منعدمة، وهو ما أفضى إلى أحداث ١٤ حزيران واستمرار تبعاتها وآثارها إلى اليوم المشكلة أن الدكتور غازي حمد في تعبيراته الصادقة عن مشاعره الغاضبة تجاه هذا الواقع لم يحدد المسؤوليات بشكل صحيح، كما أنه لم يقدم الإجابات التي تنسجم مع غضبه هذا، بل إن ما قدمه يكرس الانقسام ولا ينهيه، إذ أنه عاب على حماس أنها لا تنتفع من قوة فتح السياسية، كما أنه عاب على فتح أنها لا تنتفع من قوة حماس العسكرية المقاومة، وبكلمة أخرى فإن حل الانقسام وبناء رؤية إستراتيجية صحيحة، بحسب وجهة نظر الدكتور غازي حمد، يكون في أن تنتفع كل من الحركتين الرئيسيتين من عناصر القوة التي تتمتع بها الحركة الأخرى هذا الحل يتطلب أولاً تعريفه وتصديقه، لأنه من الممكن لنا أن نجادل في أن قدرات فتح السياسية لا تعني بالضرورة قوة سياسية، بدليل مآلات مسار التسوية بعد أكثر من عشرين عامًا على اتفاق أوسلو، وهو المسار الذي أخذ حظه واسعًا من الزمان كانت فيه قيادة فتح والمنظمة قادرة على فرض أجندتها فلسطينيًا بلا عقبات، وقد بقيت تحكم منفردة كلاً من الضفة وغزة مدة 14 عامًا متواصلة، بينما ومنذ العام 1969 وفتح تقود منظمة التحرير، ولكن لو سلمناaa أن المشكلة كانت دائمًا وأبدًا في عجز الحركتين عن تبادل الانتفاع بعناصر قوتهما، فإن السؤال الصحيح بعد ذلك "كيف؟" كيف يمكن لكل من الحركتين أن تتبادل مع الأخرى عناصر قوتها، خاصة وأن قيادة حركة فتح واضحة وصريحة في رفضها لأي سلاح آخر سوى سلاح السلطة الرسمي؟! وبكلمة أخرى فإنها ترفض تمامًا سلاح المقاومة والذي يشكّل قوة حماس، كما أنها تعيق الحركة الجماهيرية في الضفة وتشتغل على منع توسّعها في شكل مقاومة شعبية واسعة، ومن ثم كيف يمكن لفتح أن تنتفع بما ترفضه؟ إن دعوة الدكتور غازي حمد لكل من الحركتين بالانتفاع المتبادل من عناصر قوتهما هي دعوة مثالية على الأقل في اللحظة الراهنة، ولكن تطبيقها العملي لا يمكن أن يتم إلا بتكريس الانقسام، ما دامت فتح تعمل على إسقاط سلاح حماس لا على الانتفاع منه، وما دامت قد ضيعت كل المحاولات التي بذلتها حماس للاتفاق على برنامج سياسي ونضالي يمثل الحد الأدنى المشترك وطنيًا، ولا أحسب أن طوباوية الدكتور غازي ستصل إلى الدرجة التي يطالب فيها حماس بالتخلي عن سلاحها من أجل تحصيل إجماع وطني بناء على برنامج فتح لا بناء على الانتفاع المتبادل من عناصر قوة الحركتين وعلى هذا، وبناء على تحديد المسؤولية عن الانقسام واستمراره، فإن سؤال "كيف" يوجه للدكتور غازي حمد، ما دام يعتقد أن ما ضيع فلسطين هو الانقسام الفلسطيني إلى جانب غياب الرؤية الإستراتيجية، بمعنى: كيف نقنع حركة فتح بالانتفاع من قوة حماس العسكرية؟! ولأن الإجابة على هذا السؤال مستحيلة ما دامت متعلقة بالإرادة أكثر مما هي متعلقة بالأفكار، أي بإرادة فتح أولاً وأخيرًا، فإننا مطالبون جميعًا بالتفكير من أجل بناء رؤية إستراتيجية تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار بدلاً من الاستمرار في إعادة تدوير الهجاء المكرر والأفكار المستحيلة.