دولي

وفاء الأحرار... وغدر الاحتلال

القلم الفلسطيني:

كان أمراً متوقعاً ومنسجماً مع طبيعة الاحتلال أن يلجأ لإعادة اعتقال عدد من الأسرى المحررين في عملية (وفاء الأحرار)، وخصوصاً من تم تحريرهم إلى الضفة الغربية ويبدو من السذاجة توقّع أن يفي الاحتلال باستحقاقات الصفقة أو يراعي بنودها التي تلزمه بعدم اعتقالهم وإعادة الأحكام السابقة لهم، فنقض الاتفاق هو السلوك المعبر تماماً عن خصائص الاحتلال في الغدر ونكث العهود والمخاتلة، إذ حتى لو تم الاتفاق برعاية جميع دول العالم أو أقوى حكوماته فسيفعل الاحتلال الأمر ذاته، وسبق أن أعاد اعتقال محررين أفرج عنهم في صفقات سابقة، أو اغتال بعضهم، والحال هنا، أن استغلال ما جرى للتشكيك في الصفقة ينطوي على مغالطة كبيرة، أو يستبطن جهلاً بجوهر الإشكالية مع الاحتلال، الذي ما زال هناك من يتخيّل أنه كان سيحترم الصفقة لو أنها تمت برعاية دولة أخرى أو لو اجتهدت المقاومة في فرض شروط مضاعفة عليه الاحتلال يدير ظهره للاتفاقات ولا يبالي بالتنصل منها لأنه يستند إلى قوّته بالدرجة الأولى، خصوصاً حين نتحدث عن ساحة مثل الضفة يسيطر عليها الاحتلال بالكامل، دون رادع يجبره على التفكير بعواقب أفعاله، والوصول لمرحلة إجبار الاحتلال على الالتزام بأي اتفاق يتطلب أن تصل المقاومة إلى مرحلة قريبة من الندية على صعيد القوة العسكرية، وهو حال ما زال غير متوفر في فلسطين، أو أن تُعلن تخلّيها عن نهجها المقاوم حتى لا يفكّر الاحتلال بإعادة اعتقال أسراها المحررين، أي أن الخيارين غير واقعيين، لكن هناك من يسقط من اعتباره مسألة وجود الاحتلال ووجود المقاومة وهو يقيّم اتفاقاً ويفترض فيه أن يبقى مصاناً دون خروقات من قبل الاحتلال، فنجده يسارع بإلقاء اللوم على المقاومة وليس الاحتلال في هذه المسألة مفترضاً أنه كان بإمكانها إلزامه باحترام الصفقة، وهو طرح فيه من الخيال والتنظير المريح الكثير، خصوصاً للمتطلع للمشهد عن بعد، ظانّاً أنه كان بالإمكان تحصيل صفقة أفضل، دون أن يكون على اطلاع على تفاصيل التفاوض، وعلى خصوصية هذه الصفقة التي تعدّ الأولى المنجزة داخل الأرض الفلسطينية، المقاومة، وتحديداً حركة حماس ألزمت نفسها بالوفاء للأسرى وبالعمل على تحريرهم رغم ما تطلّبه ذلك من تضحيات مذهلة في جميع محاولاتها السابقة أسر جنود أو مستوطنين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، والتي كان آخرها (بعد الصفقة) أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل، ثم ما جرى على جبهة غزة خلال الحرب، والتوقّعات بوجود أسرى صهاينة لدى كتائب القسام. كل هذه العمليات نفّذتها الحركة وهي تحمل في عنقها دين الوفاء للأسرى، وكانت ترى أن الأمر يستحقّ كل التضحيات المبذولة لأجل تحريرهم، وهي تضحيات قلّ أن يبصرها من لم يساهم في دفع ضريبتها، ولذلك نجده يسارع للتشكيك في الصفقة ونتائجها، ويستغلّ انتهاك الاحتلال إياها للتشنيع على المقاومة والتقليل من أهمية إنجازها في (وفاء الأحرار) ليس هناك حلّ سحري كفيل بإرغام الاحتلال على احترام هذه الصفقة وما سيأتي بعدها، ففلسطين ما تزال تحت الاحتلال، والمقاومة فيها ليست دولة لتفرض اشتراطات عالية السقف وتتمكن من ثني المحتل عن الإخلال بها، فالاحتلال الصهيوني قائم على غطرسة القوّة وعلى نقض كل المواثيق والعهود في سبيل تحصيل أمنه.. لكن كل هذا لا يقدح في فرادة صفقة (وفاء الأحرار) ولا في إنجازاتها المتمثلة بكسر لاءات المحتل وإجباره على تحرير المئات من أسرى المؤبدات، مقابل جندي احتفظت به حماس خمس سنوات داخل بقعة صغيرة ومحاصرة، وهي تستعدّ كما يبدو لإتمام صفقة ثانية، بعد فتح صندوق أسرارها الذي ما زال لغزاً كبيرا، لكنّ آمال آلاف الأسرى تتحلّق حوله، وهي واعية بطبيعة هذا المحتل، وواثقة بعهد المقاومة. 


من نفس القسم دولي