دولي

عملية الكنيس الأخيرة تبعث مخاوف إسرائيلية من حرب دينية

مع تساؤلات حيال إستراتيجية حكومة نتنياهو بالتعويل على القوة المفرطة

 

تبدي أوساط إسرائيلية رسمية وغير رسمية مخاوفها من تحول الصراع مع الفلسطينيين إلى صراع ديني جوهره مدينة القدس والمسجد الأقصى الذي يخشى أصحابه من مخططات لتقاسمه زمانيا ومكانيا على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل، وغداة وقوعها أججّت عملية الكنيس في القدس الجدل في إسرائيل حول مستقبلها وسط انتقادات وتساؤلات حيال إستراتيجية حكومة نتنياهو بالتعويل على القوة المفرطة، إدارة الصراع لا تسويته ومواصلة محاولات شيطنة الرئيس الفلسطيني عباس وتحميل حماس مسؤولية انتفاضة القدس. نتنياهو الذي كان تغلب بشكل مفاجئ على شيمون بيريز في المنافسة على رئاسة الحكومة عام 1996 بفضل شعاره الشعبوي بأن بيريز سيقسم القدس، يتهم اليوم من قبل أوساط المعارضة أن سياساته تؤدي وبعكس تصريحاته وتطلعاته إلى تقسيم القدس عمليا وجعلها مدينة موحدة على الورق فحسب في ظل محاصرة أحياء الشطر الشرقي منها بالحواجز الإسمنتية.

مخاوف وانتقادات

ومن أبرز هذه المخاوف والانتقادات الإسرائيلية التي كان منسوبها قد ارتفع خلال وغداة الحرب الفاشلة على غزة ما جاء على لسان رئيس المخابرات العامة (الشاباك) السابق يوفال ديسكين أنه يمكن وقف التدهور الأمني الحاصل من خلال التدابير الأمنية الصارمة سوية مع مبادرة ديبلوماسية تتحلى بالشجاعة. في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الجمعة يوضح ديسكين أن المشكلة الوحيدة التي تحول دون ذلك فقدان حكومة نتنياهو هذه الصفات. بخلاف عقيدة نتنياهو ووزير الأمن موشيه يعلون اللذين يؤمنان بالقوة المفرطة وبما يعرف بـ "كّي الوعي الفلسطيني بالنار" يعترف ديسكين بأن هذه الإستراتيجية قد أفلست أكثر من ذلك يرى ديسكين أن حكومة نتنياهو تتبنى توجهات المستوطنين المتهربة من التسوية وبذلك فهي تدفع نحو تحويل إسرائيل لدولة ثنائية القومية من النهر للبحر تشهد حالة احتراب دائم معتبرا ما تشهده القدس اليوم مجرد مناظر مقدمة للفيلم المرعب المقبل ويقول إن القدس عينة مما من شأنه أن يحدث في كافة البلاد. ويعتبر أن انتفاضة القدس هي نتيجة التطرف الانفعالي من قبل اليمين مع قلة تجربة في قضايا الأمن والشرق الأوسط محذرا من احتمال تحولها لمأزق يصعب الخروج منه ومن استمرار إلقاء التهم على الآخرين بدوافع سياسية ويضيف "بدون فهم الواقع وتشخيصه لا يمكن أن ننجح ديسكين الذي يواظب على التحذير من انفجار مقبل منذ نحو عامين يقرأ ما تشهده القدس كسلسلة أحداث من شأنها أن تفضي لمنزلق أملس"، مشددا على أن قتل المستوطنين الثلاثة والطفل أبو خضير وتفشي العنصرية في إسرائيل، الحرب على غزة، وانتفاضة القدس هي مظاهر أولية لـ فقدان السيطرة.

السيناريو المرعب

ويرسم ديسكين ملامح السيناريو المرعب من جهته والذي تخشاه أوساط اليسار في إسرائيل فيقول "إن اليمين فيها يقودها نحو دولة ثنائية القومية مختلطة السكان دون حدود ومليئة بكل مشاكل الصراع التي تتراكم وتتجلى في القدس" ويتابع "تزداد مخاطر انفجار برميل البارود لأننا نتيح لمشعلي النار من الشعبين التجول وهم يحملون عيدان ثقاب في منطقة أكثر قابلية للاشتعال في الشرق الأوسط- جبل الهيكل" ويعوم ديسكين في العمق ويشير إلى وجود عناصر خفية للصراع منها الواقع البائس اقتصاديا- اجتماعيا للفلسطينيين في القدس إضافة للجدران التي تقطع أوصال المدينة وتخلق جزرا سكانية تختلط فيها بطاقات الهوية الإسرائيلية والفلسطينية دون وجود سيادة لسلطة قانون معينة. ولذا يضم ديسكين صوته لرئيس الشاباك الحالي يورام كوهين وينفي صفة التحريض عن الرئيس عباس ويقول إن اشتعال القدس هو محصلة عوامل كثيرة لا علاقة لها بالسلطة الفلسطينية. ويتابع "صحيح أن عباس أخطأ برسالة التعزية لمطلق النار على يهودا غليك لكن جهاز الأمن الإسرائيلي يعي أن عباس وقادة السلطة الوطنية ليس فقط أنهم لا يحرضون على الإرهاب بل يعملون معظم الوقت ضده بهدف احتواء الأحداث في الضفة الغربية أما التنسيق الأمني معها منذ 2007 فهو الأفضل منذ توقيع أوسلو عام 1993".

غسيل دماغ

ويتهم ديسكين رؤساء الإئتلاف الحاكم بتفضيل الاعتبارات الشخصية والحزبية في ظل رائحة انتخابات عامة مبكرة على الاعتبارات القومية ما يدفعهم للتنافس في التحريض على الرئيس عباس من خلال مزاعم ديماغوغية وغسيل الدماغ ويضيف "أعرف الرئيس عباس حق المعرفة فهو مقتنع تماما أن الإرهاب يضر بالقضية الفلسطينية ولذا فهو يكافحه بعناد" كما يبدي وزير الأمن وقائد الجيش سابقا شاؤول موفاز(كاديما) مخاوف كبيرة من بداية تطور حرب دينية في القدس زاعما أن عملية الكنيس ليست فردانية بل تقف خلفها منظمات إرهابية نتيجة عدم حسم المواجهة في غزة ويرجح موفاز في حديث للإذاعة العامة يوم الجمعة أن تستصعب إسرائيل وقف ظاهرة الانتحاريين الجدد في القدس لعدم وجود تأييد لها في العالم بخلاف حالتها في الانتفاضة الثانية ويضيف "في حال لم نوقف التدهور نحن نتقدم نحو حريق هائل" وبخلاف وزير الشرطة يتسحاق أهرونوفيتش(يسرائيل بيتنا) الذي دعا لتصفية كل مخرب في الميدان يقول موفاز إن المطلوب هو السعي لمنع العملية من أصلها وبمساعدة الاستخبارات داعيا لاستبدال الشرطة بالجيش إذا كانت عاجزة عن هذه المهمة.

تفويت فرصة

وينضم موفاز لمنتقدي نتنياهو لأنه لا يقدم أي مبادرة لتسوية الصراع بل يعمل على تأجيج ناره كما يوجه انتقادات لمن يصفهم بمشعلي الحرائق من السياسيين الإسرائيليين الذين دخلوا ساحات الأقصى المكان الأكثر قابلية للانفجار في العالم ويتماهى موفاز مع ديسكين بأن عباس لا يشجع على الإرهاب مستندا لما قاله رئيس الشاباك الحالي يورام كوهن قبل أيام في الكنيست وهكذا في الرأي العام، ففي تحليله اليوم قال كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" نحوم برنيع إن إسرائيل تواصل إضاعتها فرصة لتسوية الصراع منذ رحيل ياسر عرفات قبل عقد وبرنيع أيضا يعتقد أن نتنياهو في تعامله الراهن مع القدس ومع مجمل القضية الفلسطينية يأخذ بالحسبان الاعتبارات الشخصية والحزبية لأن عينه على الولاية الرابعة بعد انتخابات مبكرة باتت وشيكة تواجهه فيها مزاودات عليه من اليمين فيبادر للقول "ونجهل فوق جهل الجاهلينا" ويتفق معه البروفسور مناحم كلاين المحاضر في جامعة بار إيلان والمختص في شؤون الصراع والذي يقول في حديث للقناة الإسرائيلية العاشرة إن عمليات القدس تدلل على انهيار إستراتيجية نتنياهو في إدارة الصراع والمحافظة على الوضع الراهن والرهان على المزيد من القوة.

بلقنة القدس

وعلى غرار برنيع يوضح كلاين أن إجراءات الاحتلال في القدس خطيرة ومن شأنها أن تعود كيدا مرتدا لأنها عقاب جماعي يزيد من الغضب وتعجل "الحرب الأهلية" وعملية "البلقنة" في القدس وتبنى كلاين تصريحات عاموس عوز أبرز أدباء إسرائيل الذي حذّر قبل شهر أن فقدان تسوية يعني تحول إسرائيل لدولة ثنائية القومية سرعان ما تصبح دولة عربية وبخلاف دعوة نتنياهو لأحزاب المعارضة بالانضمام لحكومة وحدة وطنية تواجه سوية "المد الإرهابي الفلسطيني" يبدو أن عملية الكنيس شكلت مسمارا إضافيا في حكومته لأن المعارضة رفضت دعوته واعتبرتها مناورة ومحاولة للحصول على عجل نجاة يطيل عمر حكومته. وبالفعل رفضت أحزاب المعارضة فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية واعتبرتها مغامرة وصعودا لسفينة تميل للغرق كما قالت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش(العمل) لإذاعة "الجيش" وتابعت "نحن نبحث عن الأمن والأمل وحكومة نتنياهو لا تزودنا لا بهذا ولا بذاك" وتعكس أقوال يحيموفيتش هذه حالة الخوف من المجهول ومن حالة العجز في إسرائيل لمواجهة العمليات الاستشهادية الفردية في القدس والتي يرافقها ارتفاع منسوب التوتر داخل الخط الأخضر بعد إعدام الشاب خير الدين حمدان من كفركنا على يد دورية شرطة، بشكل يعيد للأذهان أجواء هبة القدس والأقصى في العام 2000.

العنصرية تيار مركزي

تفيد دلائل كثيرة أهمها استطلاعات الرأي أن العنصرية في إسرائيل لم تعد حالة هامشية أو حكرا على حزب متطرف بل هي في قلب التيار المركزي الصهيوني وأن عملية الكنيس وفقدان الإسرائيليين الشعور بالأمن واستبداد الخوف فيهم تزيد من كراهيتهم وعنصريتهم كما يؤكد الباحث بالشؤون الإسرائيلية د. مهند مصطفى، وأثار إيتمار شمعوني رئيس بلدية مدينة أشكلون(عسقلان) ضجة باتخاذه قرارا بمنع الفلسطينيين من العمل في مدينته أظهر استطلاع رأي القناة "العاشرة" أنه يحظى بدعم 58 بالمائة من الإسرائيليين بل خرج العشرات منهم في مظاهرة داعمة له مقابل مبنى البلدية وفي الاستطلاع عارض 32 بالمائة فقط من الإسرائيليين قرار شمعوني بشكل واضح.

تأجيج العنصرية

وهذه المعطيات برأي مصطفى دليل إضافي على ارتفاع منسوب الكراهية وازدياد احتمالات الانفجار مجددا مرجحا أن تكون الشرارة في القدس المحتلة. وربما يكشف اعتقال خلية فلسطينية كانت تخطط لاغتيال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان مدى قابلية انفجار "برميل البارود" في المقابل تسعى أوساط اليمين والمستوطنين لتخفيف هذه المخاوف من خلال الزعم أن الفلسطينيين طالما قاموا بمذابح ضد اليهود وقبل احتلال أراضي 67 بل قبل احتلال 48 كما يزعم وزير الإسكان المستوطن أوري أرئيل. داعيا لاستخدام المزيد من القوة ضد الفلسطينيين وتابع "هاجم الفلسطينيون اليهود في البلاد قبل احتلال 67 وقبل احتلال 48 لأنهم ببساطة راغبون بطردنا منها، والحل يكمن فقط بقوة الذراع" في حديث للقناة الثانية دعا أورئيل إسرائيل للانتقال من حالة الدفاع للهجوم بغية إلحاق الهزيمة بـ "الإرهاب" عبر حملة عسكرية في القدس وقراها على غرار حملة "الجدار الواقي" في 2002، ويعتبر أن عمليات القدس تدلل على ضرورة التخلص من أوهام السلام وفي الوقت نفسه اعتبر أن كل البلاد تتبع للشعب اليهودي فقط. 

علي.م / مصطفى. ن


من نفس القسم دولي