دولي

العملية العسكرية ضد غزة تقوض فرص التطبيع بين تركيا وإسرائيل

عرفت فتورا واضحا منذ وصول العدالة والتنمية للحكم

 

 

شهدت العلاقات التركية الاسرائيلية تراجعاً كبيراً في الأعوام الأخيرة بسبب الموقف العدواني الاسرائيلي البالغ تجاه الفلسطينيين؛ واستهدافها للمدنيين، واستخدامها القوة المفرطة بحقهم، رغم أن العلاقات بين الجانبين استمرت على نحو إيجابي عموما حتى عام 2005، مع وجود تذبذبات بالتوازي مع التطورات في الشرق الأوسط منذ تأسيس إسرائيل.

وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة منذ عدة أيام على غزة، والتي أودت بحياة حوالي 400 فلسطيني، فيما تجاوز عدد الجرحى الألفين، أكدت تركيا أنه لا يمكن مواصلة مرحلة إعادة العلاقات مع اسرائيل إلى طبيعتها، بعد أن كانت شهدت بعض التقدم عقب تقديم اسرائيل اعتذاراً رسمياً – العام الماضي- على خلفية اعتدائها على سفينة “مرمرة الزرقاء” التي كانت متوجهة لكسر الحصار المفروض على غزة، عام 2010، والذي أدى إلى مقتل 9 نشطاء أتراك، وكان الاعتداء بمثابة ضربة قاصمة للعلاقات بين البلدين.

وشدد رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” - مؤخراً في معرض تعليقه على العملية العسكرية ضد غزة – على أنه لا يستطيع النظر بإيجابية، حيال ما تقوم به اسرائيل، ما دام هو وحكومته في السلطة، لافتاً إلى أن تركيا وضعت 3 شروط عقب حادثة مرمرة؛ لعودة العلاقات إلى طبيعتها مع إسرائيل - تتمثل في الاعتذار، ودفع تعويضات لذوي الضحايا، ورفع الحصار عن الأراضي الفسلطينية - مؤكداً على أن تحسين العلاقات بات يبدو غير ممكن بعد اليوم، في ظل عدم تحقيق إسرائيل للشروط الثلاثة. وتعد تركيا أول بلد مسلم اعترف بدولة إسرائيل، التي أُعلنت عام 1948، حيث جاء الاعتراف في غضون أقل من عام على تأسيسها، في ظل وقوف تركيا في المعسكر الغربي، والميول العلمانية المتشددة للدولة التركية، في ذلك الحين، وكانت العلاقات بين البلدين تعتبر جيدة، خاصة مع رغبة اسرائيل تأسسيس علاقات وطيدة مع الدول غير العربية في المنطقة عقب قيامها. وبرز أول تصدع في العلاقات مع دخول تركيا في “حلف بغداد” الذي ضم العراق وبريطانيا أيضا، في فترة صعود التيار القومي العربي، حيث اعتبرت إسرائيل انضمام أنقرة، انحيازا للعالم العربي ضدها، إلا أن طمئنة رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، لإسرائيل بخصوص عدم استخدام مواد معاهد الحلف، ضد اسرائيل، خفف من حدة التوتر بين الجانبين. وشهدت العلاقات انكسارا آخرا، بعد العدوان الثلاثي (البريطاني، الفرنسي، الاسرائيلي) على مصر، عام 1956، على خلفية تأميم قناة السويس، إثر رفض الولايات المتحدة طلبا مصريا للاقتراض. وقامت تركيا بسحب سفيرها من اسرائيل، تعبيرا عن دعمها لردود الفعل الدولية حيال العدوان الثلاثي، إلا أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تواصلت بصورة غير معلنة، رغم ذلك. كما أثر وقوف تركيا بجانب الدول العربية، بعد حرب 1967 التي جرت بين اسرائيل، ودول عربية، سلبا على العلاقات التركية الإسرائيلية، وتراجعت أكثر بعد إحراق المسجد الأقصى عام 1969. هذا واتسمت العلاقات بالبرودة في السبعينات بعد اعتراف أنقرة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وزيارة زعيمها “ياسر عرفات” إلى تركيا تلبية لدعوة رسمية من رئيس الوزراء التركي بولنت أجاويد. وتعمق الشرخ في العلاقات مع إعلان إسرائيل القدس عاصمة لها عام 1980.

وتضامنت تركيا مع تطلعات الشعب الفلسطيني نحو الاستقلال، ونددت بالرد الاسرائيلي الشديد على الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987، واعترفت بالدولة الفسلطينية التي أعلنها عرفات عام 1988. لتكون بذلك أول دولة تعترف بالدولة الفسلطينية، ولديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وبلغت العلاقات بين تركيا وإسرائيل ذروتها في التسعينات، بالتوازي مع الأجواء الإيجابية التي رافقت مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فضلا عن رغبة تركيا في إيجاد حليف لها في ظل اعتقادها بأن دولا من المنطقة على غرار العراق وإيران، تدعم منظمة “بي كا كا” الإرهابية، وكانت سوريا من أبرز الداعمين للمنظمة.

كما ساهمت رغبة أنقرة الاعتماد على اللوبي اليهودي، في مواجهة اللوبيات الأرمنية، والقبرصية الرومية، في تعزيز العلاقات، إذ قامت رئيسة الوزراء التركية “تانسو تشيلر” بزيارة إلى إسرائيل عام 1994، ووصفت العلاقة بين البلدين بـ “التعاون الاستراتيجي”. ومع مطلع الألفية الثالثة، تعافت تركيا من أزمتها الاقتصادية، ووصلت حكومة جديدة إلى السلطة – حزب العدالة والتنمية عام 2002- التي تبنت سياسة “صفر مشاكل” مع الجيران، وتطوير العلاقات مع محيطها. وشهدت العلاقات اعتباراً من التسعينات وحتى مطلع عام 2006 توقيع العشرات من الاتفاقيات بين الجانبين، شملت مجالات الدفاع، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتجارة والاقتصاد، والثقافة والسياحة والرياضة، إلى جانب العديد من الزيارات المتبادلة على مستوى رفيع. واتسمت العلاقات بالتوتر عقب تصريح أردوغان أن “اسرائيل تمارس إرهاب دولة” في معرض تعليقه على العمليات العسكرية الاسرائيلية التي أودت بحياة الشيخ “أحمد ياسين”، و”عبد العزيز الرنتيسي” ( من قادة حماس)، عام 2004، فضلا عن استهدافها للمدنيين. كما تراجعت العلاقات في ظل الهجوم الاسرائيلي على لبنان عام 2006، الذي جاء نتيجة تصاعد الهواجس الأمنية لاسرائيل، بعد تطبيق خطة انسحاب أحادية الجانب من غزة، عام 2005. وتصاعدت حدة التوتر بين أنقرة وتل أبيب، جراء عملية “الرصاص المسكوب” ضد قطاع غزة في ديسمبر عام 2008، التي خلفت 1403 قتلى، وسببت دمارا واسعا في القطاع، وجاءت بعد بضعة أيام من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى أنقرة، ولقائه بأردوغان، ما أثار غضب تركيا، فيما جدد رئيس الوزراء اتهامه لاسرائيل بممارسة إرهاب الدولة. وازداد امتعاض تركيا، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في جلسة لمجلس الأمن، بخصوص دعوة لوقف إطلاق النار، ومن ثم جاءت حادثة “وان مينت” في منتدى دافوس الاقتصادي، التي شهدت مشادة كلامية بين أردوغان والرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز.

وكما أسلفنا سابقا فإن الاعتداء الاسرائيلي، على سفينة مرمرة، وجه ضربة قاصمة للعلاقات بين البلدين، وفي محاولة لتحسين العلاقات مع أنقرة أجرى رئيس الوزراء الاسرائيلي اتصالا هاتفيا مع أردوغان وقدم اعتذارا عن الهجوم على مرمرة، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى اسرائيل، في 22 مارس عام 2013، لكن مع إصرار تركيا على رفع الحصار عن غزة، حاولت الحكومة الاسرائيلية التنصل من الاعتذار، زاعمة أن اتصال نتنياهو بأردوغان، كان نتيجة ضغط من أوباما. وشكلت العملية العسكرية الاسرائيلية ضد قطاع غزة مؤخراً، الحلقة الأخيرة في مسلسل التوتر بين أنقرة وتل أبيب، حيث شدد أردوغان على أن اسرائيل تواصل إرهاب الدولة، عبر العملية المتواصلة منذ 7 جويلية الحالي، والتي أودت بحياة أكثر حوالي 400 فلسطيني بينهم العشرات من النساء والاطفال.

محمد- د

من نفس القسم دولي