الوطن

اليوم يوم الشعب

صناديق شفافة ومراقبة دولية وغموض في المشاركة الشعبية

تكون السلطة الجزائرية قد أخرجت كل ما في جعبتها لثني الأغلبية الصامتة من المواطنين عن إبعاد فكرة مقاطعة التصويت ولو بـ"تسجيل الحضور" بمراكز الاقتراع هذا اليوم العاشر من ماي، "اليوم الموعود للتغيير"، في ظل ترويجها لخطاب سياسي وإعلامي وحتى ديني يدعو إلى المشاركة بقوة في الانتخابات التشريعية حتى لا يكون العزوف "سيد الموقف".

والمشهد السياسي العام للبلاد طيلة واحد وعشرين يوما من عمر الحملة الانتخابية يقدم بشكل واضح موقف المواطن من التوجه إلى صناديق الاقتراع مع بروز أنماط المتنافسين على مقاعد مبنى زيغود يوسف في صور تقترب من الحالة "الدونكشتوية" تتحدث عن قضايا "خارج النص" وداخل قاعات فارغة إلا من بضعة أنصار جيء بهم بشق الأنفس، هذا دون العودة إلى أولائك المترشحين الذين أخفق عدد منهم في تسيير قطاعاتهم الوزارية محاولين استمالة المواطن إلى التسليم ببرامجهم الانتخابية، أما آخرون فاكتشفوا وجود "مناطق مأهولة بالسكان" في القرى ومداشر الجزائر العميقة، وهو ما جعل تفسيرات المراقبين للشأن الجزائري حول هاجس السلطة من مقاطعة الانتخابات التشريعية تتقاطع في مقاربة ملخصها أن تجاهل غالبية الجزائريين للحملة الانتخابية مؤشر لضعف المشاركة في انتخابات هذا اليوم، وتسارع الحكومة من جهتها لتجنب تحقيق مثل هذا السيناريو المخيف في نظرها بالترويج عبر وسائل الإعلام والرسائل القصيرة وتصريحات المسؤولين فضلا عن الفنانين ونجوم الرياضة، حيث يحاول كل من موقعه إقناع الجزائريين والجزائريات بأهمية المشاركة في الاستحقاق الانتخابي.
سيناريو المقاطعة المطروح منذ فتور الحملة
وفي هذا الإطار الباحث إسماعيل حريتي يقول إن الأحزاب التي تنافست طيلة واحد وعشرين يوما لم تقدم برامج انتخابية بديلة، في وقت بدأت تدعو إلى أهمية المشاركة في التشريعيات وتتحدث عن الانعكاسات السلبية للمقاطعة، وإذ يعتقد أن ضعف البرامج السياسية كان السبب في عزوف المواطنين عن متابعة الحملة، فإنه فسر نظرة المواطن إلى الخطاب السياسي "المكرس" حسبه قناعة لدى أغلبية المواطنين مفادها أن الانتخابات المقبلة لن تغير الأوضاع، لذلك فهي لا تهمهم خاصة فئة الشباب. وشدد المصدر ذاته أن المقاطعة هي بمثابة ربيع عربي على الطريقة الجزائرية.
أما رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان المحامي فاروق قسنطيني فقد بنى مخاوفه من ضعف المشاركة الانتخابية انطلاقا من فتور الحملة الانتخابية التي قال بشأنها إنها "لا ترقى إلى المستوى المطلوب"، متفقا على كون ضعف الخطاب السياسي وعدم قدرة الأحزاب السياسية على تعبئة وإقناع المواطنين أحد مسببات العزوف، ليوضح أكثر أن المواطن الجزائري لا تستهويه تجمعات الأحزاب السياسية، بل وكأن الحملة الانتخابية لا تعنيه تماما، وشدد بالمناسبة على أن كثرة الأحزاب السياسية لا يعتبر حلا، فظهور قادة سياسيين يتحدثون بلغة وأفكار مختلفة، وتدخلاتهم في وسائل الإعلام ليست في المستوى المطلوب، ولا تحمل خصائص ترغّب وتشجّع الجزائريين على التوجه إلى صناديق الاقتراع.
من جانبه الدكتور محمد برقوق رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية أشار إلى أن "مسألة فتور الحملة الانتخابية لا تتعلق بقضية الضمانات الممنوحة لنزاهة الاقتراع بقدر ما تتعلق بالنضج الديمقراطي للقوائم الحزبية"، مشددا في الوقت ذاته على أهمية هذا الموعد بالنظر إلى الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية ودول الساحل".
الفتوى تدخل على الخط
الحكومة من جهتها تبدي خوفا كبيرا من احتمال عزوف الملايين عن التوجه إلى صندوق الاقتراع، في وقت أخفقت الأحزاب التي تخوض الحملة، في استقطاب الاهتمام الشعبي ما يدعو السلطة إلى استعمال أوراق أخرى قد تفلح في إقناع الناخبين بالمشاركة في الانتخابات، حيث قال وزير الشؤون الدينية والأوقاف، أبو عبد الله غلام الله، لعشرات الأئمة جمعهم الأسبوع الماضي بـ"دار الإمام" بالعاصمة، إنهم مطالبون في خطب الجمعة بحثّ المصلين على الانتخاب. وقال لهم بالتحديد: "لا بد من تحسيس المواطنين بأهمية التوجه إلى مكاتب الانتخاب لأداء واجبهم، لكن دون توجيههم للتصويت على لائحة مرشحين معيّنة". كما كان الشيخ أبو بكر جابر الجزائري المدرس بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، قد دعا مطلع الشهر إلى "المشاركة المكثفة في الانتخابات من أجل صنع مستقبل زاهر وتفويت الفرصة على المتربصين بالجزائر". وقال في رسالة إلى الجزائريين: "يا شابات وشباب الجزائر يجب عليكم أن تفوتوا الفرصة على المتربصين بجزائرنا وأن يكون ربيعكم (الجزائر فقط)، وأن تحذروا من الذين يسعون لنشر الفتنة في أوساطكم، وأن تلتفوا حول قائدكم المجاهد عبد العزيز بوتفليقة رجل المصالحة". وهي الفتاوى والدعوات ذات الصبغة الدينية التي تحاول جر المجاهرين من الطبقة الاجتماعية بمقاطعة الموعد الانتخابي.
المجاهرون بالعزوف
واستمرت احتجاجات مختلف أسلاك الوظيف العمومي من أطباء وأساتذة وعمال عقود ما قبل التشغيل وقطاع العدالة واضطرابات أخرى في مناطق متفرقة من البلاد وحضرت معها الشعارات المهددة بمقاطعة هذا اليوم بشكل جلي، فحاملو الشهادات الجامعية من البطالين وأصحاب الصيغ التعاقدية وعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية الذين اعتصموا قبل 72 ساعة من تاريخ التشريعيات لم يخفوا نية المقاطعة ورفعوا شعارات داعية لذلك ومنددة بسياسة التشغيل الهشة وتقاذفهم ما بين المصالح والإدارات، ومن بين ما تم ترديده، شعارات على شاكلة "لا اقتراع لا انتخاب.. العزوف والمقاطعة يا شباب"، "حق العمل أولى من واجب الانتخاب" وغيرها، علما أن أعداد الموظفين بعقود ما قبل التشغيل تتجاوز 600 ألف عامل.

من نفس القسم الوطن