دولي
بعيدا عن المفاوضات.. معركة كبيرة صامتة داخل البيت الفتحاوي
عباس يصر على التقاعد والبرغوثي الأقوى لخلافته
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 أفريل 2014
بعيدا عن الأضواء الإعلامية المسلطة بشكل كامل على ملف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية وتعثرها، بفعل انغلاق آفاق تسوية حل الدولتين تدور داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” رحى معركة كبيرة صامتة لإعادة صياغة الحركة تنظيميا وسياسيا وكفاحيا، بما يتلاءم ومرحلة فلسطينية جديدة ستحدد معالمها مخرجات أزمتي المفاوضات مع "إسرائيل" والتعطل المزمن لقطار المصالحة الداخلية مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وثمة في أروقة صناعة القرار الداخلي لحركة “فتح” من لم يعد يؤمن بنظرية الانتظار كسيد للموقف، خاصة في ظل اقتراب موعد عقد المؤتمر السابع للحركة منتصف شهر أوت المقبل. وعلى ضوء قرار يبدو لغاية الآن أن لا عودة عنه اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتقاعد الشامل وهو على بعد عدة أشهر من بلوغ الثمانين عاما وبعد أن بات على قناعة مطلقة بضرورة فتح الباب أمام برامج سياسية أخرى لقيادة دفة النضال الوطني الفلسطيني بعد أن اصطدمت رؤيته المرة تلو الأخرى بالحٌكم الإسرائيلي المتعمق نحو اليمين. ومن استمع لخطاب عباس الأخير أمام المجلس الثوري قبل بضعة أسابيع وإعلانه انه لن يختم حياته بتوقيع اتفاق ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، يدرك انه اقرب لخطبة وداع إن التزم بها كون ما يمكن الحصول عليه بالمفاوضات من حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية اقل بكثير من الحد الأدنى الذي يقبل به أي فلسطيني.
وكان عباس قد صرح أكثر من مرة علنا برغبته بالتقاعد كان أخرها خلال اجتماع المجلس الثوري قبل نحو شهر، لكنه استجاب مؤخرا لمطالب من قادة حركته بالتعامل مع مطلبه بالتقاعد كقضية داخلية لحركة “فتح” مع السعي لترتيب أوضاع الحركة تمهيدا لهذا الاستحقاق القادم. وعدا عن كونه رئيسا لدولة فلسطين فأن عباس يشغل أيضا موقعين مهمين وهما رئاسته للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأيضا رئاسته للجنة المركزية لحركة “فتح”. ولا يبدو أن حركة “فتح” ستلجأ هذه المرة إلى إحلال قائد جديد مكان عباس ليشغل المواقع الثلاث كما فعلت بعد استشهاد الزعيم ياسر عرفات وإنما سيكون هناك توجها لتقسيم كعكة المواقع القيادية الثلاث, وهنا يبرز اسم عضو مركزية “فتح” الأسير مروان البرغوثي بقوة لموقع رئاسة دولة فلسطين خاصة وأن فوزه بالانتخابات -إن حدثت- محقق فشعبيته في الضفة الغربية وقطاع غزة كاسحة بل أن معظم استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت أن نحو ثلث من قالوا أنهم يؤيدون حركتي “حماس″ و“الجهاد الإسلامي” أفادوا ردا على سؤال أخر أنهم إن شاركوا في انتخابات الرئاسة وكان البرغوثي مرشحا فيها فسيصوتون له.
وعدا عن ذلك فإن وجود البرغوثي على رأس دولة فلسطين سيضع دول العالم وإسرائيل في زاوية تفرض عليها التفاوض مع رئيس أسير إن لم يفرج عنه قبل الانتخابات المقبلة فيما سيؤدي ذلك إلى إعادة إحياء الملف المهمل لما يزيد عن خمسة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال. ويسجل هنا أن الوسيط الأميركي في المفاوضات الفلسطينية-الأمريكية مارتن انديك وصف البرغوثي أمام الوفد الإسرائيلي المفاوض قبل أيام بأنه ” ليس راديكاليا ومن مؤيدي حل الدولتين وسيعلن ذلك عبر بيان إن طٌلب منه”.
ولم يفصح انديك إن كان هناك اتصال قد جرى مع البرغوثي بهذا الشأن لكن ذٌكر أن عضو الكنيست العربي احمد الطيبي نقل مواقف البرغوثي الذي التقاه قبل أيام لأنديك. وليس معلوما من سيشغل موقعي رئاسة منظمة التحرير وحركة فتح في حال تمسك عباس بقراره بالتنحي والتقاعد وسيٌترك ذلك لما ستفرزه نتائج مؤتمر حركة “فتح” السابع لكن عٌلم أن عباس عهد بترتيبات المؤتمر لرجله القوي رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ولعضو اللجنة المركزية الدكتور جمال المحيسن. وهناك شبه إجماع داخل قيادة حركة “فتح” على وضع حد أقصى يمنع أعضاء المركزية من الاستمرار بمواقعهم لأكثر من دورتين متتاليتين ما يعني أن قادة تاريخيين للحركة سيجدون أنفسهم حكما خارج مركزية فتح وبينهم الدكتور نبيل شعث, عباس زكي وسليم الزعنون “أبو الأديب”.
ومن الخارجين المؤكدين من عضوية مركزية “فتح” العضو حسين الشيخ ضمن إجماع حركي بسبب قضايا متعددة وبقيت معلقة وتركت أثرا سلبيا كبيرا عليه ضمن قاعدة حركة فتح المعروفة بمحافظتها. ومن بين الداخلين المؤكدين للجنة المركزية رئيس جهاز لمخابرات ماجد فرج ومحافظة رام الله والبيرة الدكتورة ليلى غنام ورئيس جهاز الخدمة المدنية موسى أبو زيد. وتطرح للمركزية بقوة أسماء أعضاء من المجلس الثوري لحركة فتح وبينهم منظرها بكر أبو بكر وأيضا المنظم احمد غنيم “أبو ضمير” وهو ممن عملوا على ملف استنهاض الحركة في أقاليمها خارج فلسطين. وخلافا لتوازنات سادت في مؤتمر الحركة السادس حيث افرز تحالف إقليم لبنان, غزة مع التيار المركزي معظم القيادات الحالية فإن صورة التحالفات مختلفة تماما فلم يعد العامل الجغرافي هو الأساس القطعي لتشكل الكتل الانتخابية داخل “فتح” فهناك أسس جديدة أفرزتها تطورات الوضع السياسي والحركي الداخلي فكتلة غزة بعد مغادرة محمد دحلان للمركزية باتت كتل ترتبط بأجندات سياسية وبمراكز قرار تنظيمي مختلفة, أما كتلة تيار المركز المحسوبة تاريخيا على أي قيادة للحركة فخروج رؤوسها إن أقر تحديد عضوية المركزية بدورتين سيفتتها فيما تعاني باقي الأقاليم القوية كالخليل ونابلس من صراعات داخلية بين قادتها.
ويقابل صراعات الكتل الانتخابية الرئيسية للمركز تماسك للأطراف وتحديدا لأقاليم “فتح” في أوروبا وأمريكا المشاركة بقوة مبنية على برامج استنهاض الحركة ومقاطعة اسرائيل والمطالبة برفع مظلوميتها التاريخية بسبب انعدام تمثيلها في الهيئات القيادية ومن ذلك مثلا أن حركة “فتح” في أقاليم الولايات المتحدة غير ممثلة حتى على مستوى المجلس الثوري رغم أنها تنشط بين نحو نصف مليون فلسطيني يقيمون هناك ورغم أن لها أنصار ووجوه تاريخية لها ثقلها بينهم دكتور القانون الدولي غسان بركات حامل ملف مقاطعة "اسرائيل" والناشط علاء الشلبي مسئول ملف الشبيبة الفلسطينية. ويتضح مما أفرزته انتخابات الأقاليم لعضوية مؤتمر “فتح” أن نحو نصفهم لم يسبق لهم المشاركة في مؤتمرات فتح وبالتالي فإن توجهاتهم التصويتية وميولهم الانتخابية غير معلومة وربما تقود إلى قلب طاولة توقعات كانت تصيب في المؤتمرات السابقة ما يفتح الباب أمام مفاجئات غير متوقعة على صعيد التشكيلة القيادية القادمة ل “فتح” ولمنظمة التحرير التي تسيطر عليها بما سينعكس على مستقبل الصراع في المنطقة.
محمد. د