دولي
تساهل حكومة نتنياهو يضعف حملة وقف اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين
يهدد بتجدد العنف في الضفة الغربية والقدس الشرقية
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 فيفري 2014
في مارس الماضي أطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة للحد من جرائم من الممكن أن تعتبر في بلاد أخرى أذى بغيضا لكنه محتمل مثل كتابة الشعارات العنصرية وتمزيق إطارات السيارات وإتلاف البساتين وإشعال الحرائق على نطاق محدود. لكن هذا التخريب بدأ يأخذ بعدا مختلفا تماما عندما يرتكبه متطرفون يهود بحق ممتلكات فلسطينية بما يهدد بتجدد العنف في الضفة الغربية والقدس الشرقية ويعرقل محادثات السلام التي تجري بوساطة أمريكية ويهز صورة اسرائيل في الخارج. وقد شبه مسؤولون اسرائيليون من بينهم موشي يعلون وزير الدفاع هذه الحوادث بالارهاب. ويطلق على هذه الاعتداءات "جباية الثمن" في إشارة إلى إرغام الحكومة على دفع "ثمن" القيود التي تفرضها على النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.
ومع ذلك ورغم القبض على العشرات فلم تصدر أحكام بالإدانة سوى بحق قلة محدودة بينما تستمر أعمال التخريب بصفة شبه أسبوعية. واستهدف المخربون أيضا كنائس ونشطاء من دعاة السلام بل والجيش الاسرائيلي. وقال شموئيل جيربي كبير المحققين في وحدة الشرطة الاسرائيلية المسؤولة عن عمليات "جباية الثمن" لرويترز في مقابلة "في كل حادث نذهب لأقصى اتهامات ممكنة لكننا في النهاية نواجه فراغا في النظام القضائي." ويقول بعض مسؤولي الأمن والخبراء المستقلين إنه إذا فشلت الحملة فالمشكلة هي أن النظام القضائي يتعامل مع المتهمين بجرائم "جباية الثمن" باللين والهوادة. ففي حكومة نتنياهو يوجد من ينادي بضرورة استعمال اللين. وهذا مؤشر آخر على دقة موقف نتنياهو فيما يتعلق بالمستوطنات التي تعتبرها أغلب القوى العالمية مخالفة للقانون لإقامتها على أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. ويرى كثير من الاسرائيليين أن المستوطنين رواد يدركون حقا أساسيا لليهود في أرض مقدسة كما أن نتنياهو يريد إبقاء أغلب الجيوب اليهودية في الأراضي الفلسطينية في إطار أي اتفاق للسلام يتم التوصل إليه رغم أنه سلم بضرورة التخلي عن بعضها.
ووحدة الشرطة الاسرائيلية الخاصة بعمليات "جباية الثمن" ليست شكلية. فهي تتألف من 60 ضابطا يدعمهم جهاز الاستخبارات الداخلية الاسرائيلي شين بيت ومخبرون مجندون وعمليات تنصت على اتصالات هاتفية كما أنهم يقومون بعمليات مفاجئة متخفين في المستوطنات التي لا يرحب ساكنوها بالسلطات الاسرائيلية. وقال قائد الوحدة أودي ليفي إن ضباطه يجتمعون شهريا بنظرائهم من الفلسطينيين الذين يقومون بفرض نطاق على مسرح أي جريمة من جرائم "جباية الثمن". وأضاف أن فرق الفحص الجنائي الاسرائيلية تصل خلال ساعات "بشرط ضمان أمنهم". وفي نوفمبر الفارط انقضت القوة على اثنين من المراهقين المتهمين بالتخطيط لتدنيس كنيسة في القدس وإحراج اسرائيل عشية زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند. وتعيد هذه الاساليب للأذهان الأساليب المستخدمة ضد المتشددين الفلسطينيين ويقول جهاز شين بيت إن هذا مطلوب لأن مرتكبي الاعتداءات عادة ما يضربون ضربتهم تحت جنح الظلام ويتحركون في مجموعات صغيرة. لكن على النقيض من السجن الجماعي لأعداد كبيرة من المشتبه بهم من الفلسطينيين فلم يصدر حكم بالسجن لفترة طويلة سوى على يهودي واحد وبلغت مدة سجنه عاما وذلك لتمزيق اطارات سيارة عربي وكتابة تهديد بالقتل على جدار منزل ناشط اسرائيلي مناهض للمستوطنات. ويقول مسؤولون بوزارة العدل إن تشبيه مخربي "جباية الثمن" بالمتشددين غير مناسب لانهم لا يستهدفون إلحاق أذى بدني بالاخرين. وقال يهودا شيفر نائب المدعي العام لرويترز "هذه ليست من أعمال القتل أو الشروع في القتل أو الاعتداء الجسيم... الارهاب الفلسطيني يتميز بقدر أكبر كثيرا من العنف وليس مجرد كتابة شعارات على الجدران." ولهذا السبب توجه للمخربين في العادة اتهامات أخف مثل إلحاق الضرر بالممتلكات. لكن مسؤولين آخرين يقولون إن من الممكن بكل سهولة أن تخرج حوادث "جباية الثمن" عن السيطرة.
ويقول مسؤول في شين بيت "ماذا إذا ذهبوا وأشعلوا النار في مسجد ذات ليلة واتضح أن هناك من ينام بالداخل؟" وتقول الشرطة إن مرتكبي الاعتداءات بضع عشرات فقط كثيرون منهم معروفون بالاسم. وتقول أيضا إن عددا كبيرا منهم ربما في حدود 50 في المئة من الأحداث وإن بعضهم في سن الثانية عشرة. وقال شيفر "من الصعب جدا ايجاد قاض يوافق على احتجاز أحداث صغار السن لاستجوابهم وهذا يجعل التحقيق صعبا." ويقول ضابط قديم إن جهاز شين بيت نفسه يتحاشى استخدام الأحداث كمخبرين أو استجوابهم ولو لفترة وجيزة في غياب الوالدين. لكن هناك مؤشرات على بعض التحولات.
ففي الشهر الجاري وجهت اتهامات لثلاثة مستوطنين بإشعال النار في سيارات وكتابة شعارات سياسية على جدار في قرية فلسطينية. وأمكن توجيه هذه الاتهامات بفضل عوامل منها اعتراف أحد المتهمين أثناء استجوابه على أيدي ضباط شين بيت على مدى تسعة أيام حرم خلالها من الاتصال بمحاميه - أي مثلي المدة المعتادة التي يقضي بها القانون - وذلك بالاستفادة من اجراءات خاصة وافقت عليها وزارة الدفاع العام الماضي. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحتجز فيها جهاز شين بيت اسرائيليا ويمنع عنه الاتصال في إحدى قضايا "جباية الثمن". ووصف الجهاز التخريب الذي ارتكبه ثلاثة من المستوطنين بأنه "هجوم ارهابي". ووجه أوري أرييل عضو مجلس الوزراء عن حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف المشاركة في حكومة نتنياهو انتقادات لاذعة لجهاز شين بيت. وقال إن حرمان المستوطن من الاتصال بمحام يعيد للأذهان "نظم الحكم السوداء في العصور الوسطى." وأصبح فشل الحملة على هذه الاعتداءات موضوع التماس قدمته للمحكمة العليا الرابطة الدولية للمحامين والحقوقيين اليهود التي تقول إنه يجب ألا تغض الدولة الطرف عن التحريض الذي يمكن أن يغذي اعتداءات "جباية الثمن". وسلمت أريت كوهن رئيسة الرابطة المسؤولة السابقة بوزارة العدل بأن السلطات تتخذ موقفا أكثر تشددا لكن المعتدين لا يعاملون حتى الان بالحزم الذي يستحقونه نظرا لما يمثلونه من تهديد للامن الوطني.
وأضافت "أي من أعمالهم قد يؤدي إلى تفجر الموقف فالعلاقات هشة بين اسرائيل والأجنحة المختلفة للإسلام والمسيحية." وقالت إن الرابطة تدافع عن اليهود الذين يعانون من معاداة السامية في الخارج "وعندما تحدث مثل هذه الامور للأقليات الدينية في اسرائيل فهذا لا يفيد قضيتنا."
محمد- د