دولي

حراك الشباب في الداخل المحتل يقود يوم الغضب

مظاهرات بغزة ورام الله

 

توِّج المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل يوم أمس السبت نشاطاته الاحتجاجية ضد مخطط حكومة الاحتلال المعروف بـ «مخطط برافر» لاقتلاع أكثر من 40 ألف من عرب النقب من نصف الأراضي التي تبقت لهم بعد المصادرة، بتظاهرات في أنحاء البلاد، خصوصاً في النقب وحيفا، على أن تجري نشاطات مماثلة يقوم بها الفلسطينيون في القدس ورام الله وغزة، بالإضافة إلى تظاهرات تضامن في ست عواصم عربية و19 عاصمة ومدينة أوروبية. ويقود التظاهرات في الداخل «الحراك الشبابي» الذي ظهر على الساحة منذ عامين، وتكاد تطغى فعالياته على نشاطات الأحزاب والحركات السياسية و «لجنة المتابعة للجماهير العربية»، ليس في هذه القضية فحسب، وإنما في قضايا وطنية أخرى مثل قضية الأسرى ومحاكمة متهمي شفاعمرو بقتل الإرهابي ناتان زاده.

وظهر «الحراك الشبابي» في الداخل مع بدء الثورة في مصر قبل عامين، وبدأ نشاطه بوقفات تضامنية مع الشعب المصري، وسرعان ما تشكل إطاراً «لدعم ثورات الشعوب»، كما أعلن المبادرون. ولاحقاً، أصبح الحراك المحرك الأساس للنشاطات السياسية والاحتجاجية في الجامعات، مستغلاً وهن «لجنة المتابعة العليا» نتيجة الصراعات بين مركباتها الرئيسة التي تكاد تشل عملها، ما دفع بعدد من الأحزاب إلى الانصهار لاحقاً داخل هذا الحراك في أي نشاط قطري. وعن فكرة تشكيل الحراك، يقول أحد المبادرين، الطالب الجامعي في القانون رسول سعدى أن بذور تشكيله برزت بعد انهيار منظومة «لجان الطلبة الجامعيين العرب» في الجامعات الإسرائيلية بسبب الخلافات بين الأحزاب الوطنية والإسلامية، فحلّ محلها «الشباب المستقلون» الذين أخذوا على عاتقهم تنظيم نشاطات احتجاجية ضد سياسة المؤسسة الأكاديمية أو في قضايا وطنية عامة. ويضيف سعدى أن تقصير الأحزاب العربية في قضايا عينية، وعجز لجنة المتابعة التي تعيش في حلقة مفرغة في السنوات الأخيرة، عن تنظيم فعاليات وحدوية كانا من أبرز الأسباب لنشوء الحراك، «فضلاً عن الوعي السياسي المتشكل عند الشباب بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح أكثر وعياً وأكثر جرأة في طرح قضاياه».

وكان «الحراك الشبابي» أعلن في 15 جويلية الماضي يوم إضراب في البلدات العربية احتجاجاً على «مخطط برافر» بعد أن أيقن أن «المتابعة» عاجزة عن اتخاذ القرار. وفقط بعد إعلان «الحراك»، انضمت «المتابعة» والأحزاب لقرار الإضراب.

ويقود الحراك شباب من أنصار الأحزاب الوطنية، لكنهم ليسوا متفرغين حزبيين، وهذا ما يمنحهم مساحة أفضل في العمل السياسي من دون التعرض إلى مساءلة داخل التنظيم الحزبي. كذلك، رأى قادة «الحراك» أن عدم انتمائهم الرسمي إلى أي من الأحزاب كان السبب وراء التفاف الشباب من الانتماءات الحزبية المختلفة حولهم في قضايا وطنية تهمهم جميعاً، خصوصاً أن نشاط «الحراك» لا يتعارض مع الثوابت الأساسية المتفق عليها بين الأحزاب. ويعطي سعدى مثالاً على هامش التحرك لدى «الحراك»، وهو غير موجود برأيه في الأحزاب، إذ يشير إلى قرار «الحراك» يوم الأول من أوت الماضي إغلاق مفترقات الطرق (احتجاجاً على مخطط برافر)، «وهو قرار لم تعارضه الأحزاب، لكن قادة الصف الأول فيها وفي لجنة المتابعة لم يحضروا»، ليضيف أنه خلافاً للأحزاب، فإن الحراك الشبابي ليس جزءاً من «اللعبة الديموقراطية» في إسرائيل. ولتأكيد هذا الموقف، يضيف أن «الحراك» يطرح في الفترة الأخيرة موضوع «العصيان المدني» ببعدِه السياسي، ويقول: «نعتقد أننا كمجتمع فلسطيني داخل إسرائيل نمارس العصيان المدني من دون أن نصفه بذلك. البناء غير المرخص هو عصيان مدني، لكن ينقصه البعد السياسي، بمعنى أن البناء الاضطراري لعدم منحنا تراخيص يعني أننا واجهنا مشكلة سياسية بحل سياسي ... نحن نعتقد بوجوب ممارسة عصيان مدني في دولة تسير نحو نظام الفصل العنصري الأبارتايد والفاشية».

 

وهل هناك «خطوط حمر» لنشاط «الحراك»؟ يقول سعدى إن الخط العريض لنشاط «الحراك» يقوم على نضال فكري توعوي، وعلى المقاومة الشعبية السلمية، مستفيدين من نضالات مماثلة في تاريخ العالم. ويضيف أن جيل الشباب في المجتمع الفلسطيني الداخلي، وبعد «أحداث أكتوبر 2000» التي انتفض فيها فلسطينيو الداخل واستشهد 13 منهم برصاص الشرطة الإسرائيلية، بلور هويته الفلسطينية، «شباب اليوم منفتح على ما يحصل في كل العالم، ويستفيد من تجربة غيره. أبناء العشرينات عاشوا الحرب على لبنان 2006 والحرب على قطاع غزة عام 2009. الطالب العربي في الجامعة الإسرائيلية يأتي إليها بشعور أنه مساوٍ لزميله اليهودي، لكنه سرعان ما يصطدم، سواء في المحاضرات أو من تعامل المؤسسة الأكاديمية، بالتمييز ضده، فيصبح طالباً سياسياً غصباً عنه (رغماً عنه)، وهكذا يبلور هويته القومية». ويضيف سعدى: «عندما بدأنا نشاطنا ضده، كان أمامنا تحديان: تحدي القانون على أرض الواقع، أي أن يكون بدو النقب أكثر تشبثاً بأرضهم، كما يحصل اليوم في قرى العراقيب وأم حيران وبير هداج التي يرفض أهلها حتى التفاوض على التعويض، والثاني إعادة العلاقة بين النقب من جهة والجليل والمثلث من جهة أخرى بعد انقطاع طويل. هذان إنجازان مهمان». ويضيف أن «التحدي الأكبر» سيكون يوم التنفيذ الفعلي للمخطط، «حينها ستكون مواجهة أكيدة، ربما مماثلة لما حصل يوم الأرض عام 1976». ويختم حديثه قائلاً: «الأهم أنه لم تعد هناك قضية محلية. قضية متهمي شفاعمرو هي قضية الجماهير العربية، كذلك قضية النقب وقضايا اللد ويافا. كلها قضايا تجمع كل الفلسطينيين. هذا هو الإنجاز الكبير، ونحن نؤسس لمرحلة جديدة في الخطاب السياسي، أن نتعامل مع أنفسنا كفلسطينيين في إسرائيل وليس كعرب إسرائيل ثم نتعامل مع المؤسسة الإسرائيلية على هذا الأساس».

عادل-أ

من نفس القسم دولي