الوطن

الإنزال الفرنسي للجزائر الخلفيات والأبعاد

الإليزيه يجس نبض الساسة الجزائريين تجاه رئاسيات 2014 بأجندات غير سياسية

 

 

خلقت النقاشات الدائرة في أعلى هرم السلطة، فيما بينها والتي بدأت تستعمل القوى السياسية المتواجدة في الساحة الوطنية اليوم، والتي خرجت عن إطارها المغلق والسري إلى العلن بشكل أو بآخر، إلى تضاعف حالة القلق والترقب ليس على المستوى الوطني فقط بل على المستوى الدولي أيضا خاصة فيما يتعلق بالدول الأجنبية التي تمتلك مصالح وثيقة مع الجزائر في مجالات متعددة أهمها المجال السياسي، الاقتصادي وحتى التاريخي، خوفا على هذه المصالح من جهة ومحاولة منها لقراءة التغيرات التي ستحدث في الشارع الجزائري بعد رئاسيات 2014 من جهة ثانية، وتتواجد الحكومة الفرنسية في طليعة تلك الدول التي تترقب عن كثب وبشكل مباشر ما يحدث في الجزائر اليوم قبل موعد الرئاسيات، حيث شرع القائمون على الاليزيه والدوائر الاخرى في الإيعاز لشركائهم السياسيين في فرنسا وفي الجزائر إلى تقديم صورة دقيقة عن الوضع العام الذي تعيشه الجزائر وهو ما أظهره الحراك الذي يقوم به مبعوثون من الحكومة الفرنسية إلى أرض الوطن طوال الأشهر القليلة الماضية وسيستمر إلى حين إجراء هذا الموعد الانتخابي الهام.

 

هذا الحراك الذي تقوم به الحكومة الفرنسية، لا ينحصر في سعيها لحماية مصالحها في الجزائر فقط، بالرغم من أن هذه المصالح قد شهدت تطورا وحجما خلال السنوات العشرة الأخيرة، بل هو ناتج أيضا عن يقين بأن نتائج رئاسيات 2014 التي ستجرى في الجزائر ربيع السنة المقبلة، سيكون لها أبعاد على جميع الأصعدة لسنوات أخرى لن تقل على 15 سنة القادمة، وهو الأمر الذي دفع بها إلى المشاركة في النقاش الذي يحاك اليوم في الجزائر على مستوى السلطة من جهة والفاعلين في المجال السياسي خاصة ما يتعلق بالأحزاب القوية من جهة أخرى، كما أن فرنسا قد أظهرت من خلال هذا الحراك أنها لن تكتفي بلعب أدوار صغيرة في هذا الموعد حيث يؤكد سياسيون على اطلاع بهذا الملف أن فرنسا اليوم لن تكتفي بلعب دور المراقب عن بعد وإنما تريد أن تلعب دورا أكبر لإدراكها أن ما سينتج عن هذه الرئاسيات سيؤثر في المحيط العام في الجزائر لسنوات لن تقل عن 15 سنة.

ومن هذا المنطلق، يحاول القائمون على الإليزيه منذ أشهر عديدة بعث مسؤوليهم إلى الجزائر يحملون أجندات مختلفة لا علاقة لها بالجانب السياسي، لكن التطرق إلى هذا الموضوع بالنظر الى التوقيت يكاد يكون من المسلمات، في سعي الحكومة الفرنسية إلى جس نبض وقياس درجة حرارة السلطة الجزائرية تجاه هذا الموعد الانتخابي، وهو ما ظهرت معالمه عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الفرنسي السابق ومبعوث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المكلف بملف العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والجزائر، حيث تشير تقارير مستقاة من محيط الحكومة إلى أن نقاشات معمقة بخصوص هذا الموعد الانتخابي تطرق إليها مبعوث الرئيس الفرنسي إلى الجزائر جان بيار رافاران، مع أطراف في الحكومة بصفتهم أطرافا من السلطة من جهة وبصفتهم رؤساء لأحزاب سياسية من جهة أخرى، فيما رفضت هذه الأطراف إعطاء تفاصيل حول هذه الشخصيات.

وعلى الرغم من أن رافاران، يحاول في كل مرّة يتواجد فيها بالجزائر التأكيد على أن زيارته تتعلق فقط بالجوانب الاقتصادية التي هو مكلف بها منذ توليه لهذه المهام في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، إلا أن تصريحاته المشفرة التي أدلى بها في زيارته الأخيرة للجزائر خلقت نقاشات واسعة لدى السياسيين الذين ينتمون إلى تيار ما يعرف بالمعارضة، حيث أشارت هذه الأطراف إلى أن الزيارة التي جاءت برافاران إلى الجزائر هي رسالة من الاليزيه إلى السلطة الجزائرية لتمهيد أبواب الحوار المعمق معها حول جزائر ما بعد الرئاسيات، من منطلق أن فرنسا تحاول أن لا تتأثر مصالحها بهذا التغيير الذي سيحدث خاصة تلك المصالح التي تتعلق بمنطقة الساحل التي تعد الجزائر أكبر حامي واقعي من خطر الإرهاب الدولي، حيث تحاول كبريات الدول الغربية على أن تواصل الجزائر مساعيها وخططها في الحدّ من هذه الظاهرة التي تؤرق العالم خاصة في منطقة الساحل.

وقد أدت هذه المعطيات، التي تحدث في أعلى هرم السلطة، والقراءات المتعددة لها، والتي تزامنت مع الإنزال الفرنسي للجزائر، من خلال زيارة رافاران والزيارة المرتقبة للوزير الأول الفرنسي جون مارك أيرو نهاية السنة الجارية، إلى التأكيد على أن ما يحدث في الجزائر لن تكون الحكومة الفرنسية في منأى عنه، بل ويشير البعض إلى أن فرنسا تلعب كامل أوراقها في خريطة الطريق التي أعدت للرئاسيات القادمة وأن الخارطة تمت بمباركة من القائمين على الاليزيه من جهة والمخابرات الفرنسية من جهة ثانية، ويقرأ البعض ان ما يحدث للمؤسسة العسكرية هو في حد ذاته تصفية حسابات تاريخية من جهة وانتقام من مواقف حديثة من خلال رفض الجزائر التورط المباشر في الحرب الأخيرة على الارهاب بمالي. ويشير آخرون إلى ان قرار استعمال الأجواء الجزائرية لم يكن قرار قيادة الأركان بل قرار مؤسسة الرئاسة مما يدفع بمقاربة دعم فرنسا لتقوية الرئاسة على الجيش، كما يشير مراقبون إلى ان الطريقة التي سيرت بها أحداث تقنتورين كانت ضربة أخرى "للتعاون والثقة بين الجيش وفرنسا" هذا من جهة ومن جهة أخرى تشير قراءات إلى ان فرنسا منزعجة من انتهاء دفعات الجيش الفرنسي داخل الجيش الوطني الشعبي مما يدفعها الى تقوية المدنيين التي تعتبرها مجالها الحيوي بالنظر الى الاختراقات الكبيرة التي تعرفها مختلف التيارات في المجتمع المدني.

وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي، عبد القادر شرار، إنه وبالرغم من وجود ملفات تناقش بطريقة سرية وتتعلق في غالب الأحيان بالجانب السياسي والحراك الذي تعيشه الدول التي ترتبط ارتباطا وثيقا على مستوى المصالح والعلاقات القديمة فيما بينها وبين فرنسا، إلا أن توقيت زيارة جون بيار رافاران مبعوث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر في هذا الوقت الذي تتحضر فيه الجزائر لتغيير في السلطة سواء بسلطة جديدة أو بتجديد في السلطة القديمة، يؤكد على أن فرنسا حريصة على الدفع بالعلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين إلى أقصى حدودها اليوم بغض النظر عن الظروف السياسية التي تعيشها الجزائر التي تتأهب اليوم للمعترك الرئاسي، وما سيتمخض عنه من نتائج، واعتبر المتحدث أن رافاران معروف بكونه مكلفا منذ عهد الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بالجانب الاقتصادي وهو المتحاور الرئيسي في الملفات الاقتصادية بين فرنسا والجزائر والتي تأخذ حيزا كبيرا من التعاون بين البلدين لكن هذا لا يجعله في منأى عن الخوض في المجال السياسي والقضايا السياسية البارزة التي تشغل السلطة الحاكمة في فرنسا أشهرا قليلة قبل موعد الرئاسيات الجزائرية التي تحاول فرنسا أن لا تتأثر مصالحا بالتغيير الذي قد يحدث.

هذا ودافع شرار، على كون الطبيعة الدبلوماسية التي يحوز عليها أي مسؤول أو مبعوث، تجعله يخوض نقاشات هامشية واسعة مع أطراف في السلطة وأخرى من رجال السياسة ضمن برنامج زيارته ووفق أجندته التي حملت طابعا آخر غير الطابع السياسي، ودائما ما تكون هذه النقاشات سرية وتجرى على نطاق ضيق جدا.

كما لم يستبعد شرار أن يكون رافاران، قد سعى إلى جسّ نبض وحرارة السلطة تجاه رئاسيات 2014، وهو أمر طبيعي جدا في العلاقات الفرنسية والدول الأجنبية التي تربط بينهم مصالح هامة ومتعددة.

وهذا ما لا يتفق مع ما يحدث في الإقليم والذي عرفت فيه الاستراتيجية الفرنسية تحولا استراتيجيا من خلال التدخل المباشر بل العسكري كما هو الحال في ليبيا.

 

من نفس القسم الوطن