الوطن

«فيسبوك» يفضح تعثّر التنمية المحلية في الجزائر

مواطنون يلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لطرح انشغالاتهم

 

يجد بعض الشباب في موقع "فيسبوك" وغيره من الشبكات الاجتماعية منبرًا لنقل هموم وانشغالات مناطقهم، بشكل يجعل منه "وسيلة إعلام جوارية" تعرّي الواقع وتكشف في كثير من الأحيان تعثّر التنمية المحلية في العديد من مناطق الوطن.

 

إلى جانب وسائل الإعلام "التقليدية"، من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون، والتي تخصّص مساحات واسعة للخبر المحلي الذي يُعنى برصد أخبار البلديات والمناطق المعزولة وواقع التنمية المحلية فيها ونقل انشغالات السكّان في "الجزائر العميقة"، باتت المدوّنات والشبكات الاجتماعية، أو ما يُصطلح على تسميتها بـ"الإعلام الجديد"، منبرًا آخر يرصد تلك الأخبار وينقل تلك الهموم والانشغالات. موقع "فيسبوك" الذي يعدّ الأكثر استخدامًا وانتشارًا بين مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر (تشير أرقام الموقع إلى أكثر من أربعة ملايين مستخدم نهاية 2012)، أصبح الوسيلة المفضّلة لكثير من المواطنين لإيصال أصواتهم ونقل صورة حقيقية عمّا يعيشونه، دون مساحيق تجميل، وبعيدًا عن مقصّ الرقيب.

 

الجزائر الافتراضية

يُظهر بحث سريع عبر موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في العالم، أن السلطات المحليّة في الجزائر لا تولي اهتماما يُذكر للتواجد فيه والتواصل مع المواطن. يُضاف ذلك إلى الغياب التام للمواقع الإلكترونية الرسمية الخاصّة بالبلديات، والتي يُمكن أن تكون، من جهة، مرجعية في تقديم المعلومة الرسمية المتعلّقة بالبلدية المعنية، ومن جهة أخرى منبرًا للتفاعل بين المواطن والمسؤول، بعيدًا عن الأطر البيروقراطية التقليدية. هذا الغيابٌ يتناغم بشكل تام مع الحضور الضئيل للإدارة والمؤسّسات الرسمية للشبكة العنكبوتية، والتي تكتفي بتواجد شكلي عبر مواقع رديئة التصميم وفارغة المحتوى في الغالب. يكشف ذلك الفجوة الموجودة بين الواقع وبين الخطاب الرسمي الذي يحدّث، منذ سنوات، عن التوجّه نحو "الحكومة الإلكترونية"، وأيضًأ الفجوة التي بين الإدارة الجزائرية ونظيراتها في العالم التي دشّنت عصر ما يسمّى بـ"الحكومة الذكية".

بمقابل هذا الغياب "الرسمي"، نلمس تواجدًا افتراضيا للعديد من البلديات والمناطق على امتداد الجزائر بمبادرات فردية. الكثير من الشباب بادروا لإنشاء صفحات على موقع "فيسبوك" تُعنى بالتعريف بالمناطق التي ينتمون إليها، حيث تمثّل تلك الصفحات ما يشبه "الكتالوغ" أو الدليل الذي يعرّف المتصفّح بالمنطقة، وبتاريخها الثوري والثقافي والرياضي وبأبرز الشخصيات التي وُلدت فيها، وكثيرًا ما تعتمد على الوسائط المتعدّدة وتتيح مواد إعلامية مدعومة بالخرائط والصور والفيديوهات. كما أنها تؤدّي في كثير من الأحيان دور وسيلة إعلامية جوارية بإمكان الزائر أن يتعرّف من خلالها على أبرز الأحداث اليومية والمشاكل التي تعاني منها المنطقة.

في صفحة "نايث يعلى" على "فيسبوك"، بإمكان الزائر أن يتعرّف على هذه المنطقة الواقعة بشمال ولاية سطيف من خلال المعلومات التي ينشرها مديرو الصفحة، والتي تلقى تجاوبًا وتفاعلاً من معجبيها الذين يشكّل السواد الأعظم منهم سكّانها أو أبناءها الذين يسكنون في ولايات أخرى كالعاصمة. نقرأ على الصفحة: "نايث يعلى منطقة مهمة تاريخيا و استراتيجيا. ظهرت البلدية سنة 1946، وقد كان يديرها رئيس يسمى آنذاك (القايد)، وأول رئيس لها في عهد الاستقلال هو إبراهيم حناش من قرية (إيث سومار). تبلغ مساحتها 61,37 كلم2، ويقدر عدد سكانها حوالي 4000 نسمة يتوزعون على 26 قرية، بعدما كان هذا العدد حوالي 48000 نسمة سنة 1958 و حوالي 12000 في عام 1991، وقد عرف هذا العدد الهائل من السكان نزوحا ريفيا كبيرًا نحو مدن أخرى وخاصة باتجاه العاصمة، ومن أهم أسباب هذا النزوح نقص الوسائل والهياكل الاقتصادية وغياب مخطط تنموي محلي".

كما نقرأ على الصفحة معلومات تتعلّق بمساهمة المنطقة في ثورة التحرير الوطنية، واستعراضًا لأسماء عدد من الشهداء ولأهم المعارك التي حدثت فيها.

ولا يشكّل نموذج قرية "نايث يعلى" استثناء، فالكثير من البلديات والمناطق عبر الوطن باتت حاضرة من خلال صفحات "فيسبوك"، التي استقطبت اهتمام الشباب بالنظر إلى سهولة ومجانية استعمالها من جهة، وميزة التواصل والتفاعلية التي تتيحها من جهة أخرى. بإمكان المتصفّح أن يعثر على عشرات الصفحات الخاصّة بمناطق مختلفة، ففي العاصمة مثلاً، توجد صفحات خاصّة بكل البلديات تقريبًا، وصفحات أخرى خاصّة ببعض الأحياء الكبيرة والمعروفة. وتلك الصفحات –كما أشرنا في السابق- ليست واجهات رسمية، بل أُنشئت بمبادرات فردية من طرف الشباب، وهو ما يعكس، بحسب مختصّين، حسّا مدنيا وممارسة للمواطنة لدى هؤلاء الشباب الذين صنعوا إعلامهم الجواري الخاص.

يذكر الشاب (نعيم.ع) من بلدية برج منايل بولاية بومرداس كيف أن صورة على موقع "فيسبوك" ساهمت في تغيير بسيط لواقع معاش في المنطقة، حيث تضافرت جهود عدد من المواطنين من أجل إصلاح الطريق التي أظهرت الصورة حالتها المزرية. مضيفًا أن رئيس البلدية تفاجأ من الصورة لأنه كان يعتقد أن الطريق قد أعيد تعبيدها.

 

الصورة تتحدّث

يتناقل شباب "فيسبوك" عشرات الصور التي تفضح تعثّر التنمية المحليّة وتكشف الوجه الآخر للعديد من المناطق النائية عبر الوطن، بشكل يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يؤكّد "قطار التنمية" يسير في السكّة الصحيحة وبالسرعة المطلوبة. الكثير من الصور تُظهر الحالة المزرية التي تعيشها قرى ومداشر ظلّت لسنوات خارج مجال التنمية، وظلّ مواطنوها مفتقدين لأبسط المرافق والمستلزمات الضرورية كالغاز والكهرباء والماء والنقل.

تُظهر إحدى الصور مجموعة من التلاميذ مكدّسين داخل شاحنة لنقلهم إلى المدرسة مع تعليق ساخر: "ويتحدّثون عن النقل المدرسي"، بينما تُظهر صورة أخرى تلاميذ يضطرون لعبور جسر مؤلّف من ألواح خشبية في طريقهم إلى المدرسة، بسبب أعمال الحفر. لا يُعرف تحديدًا مكان الصورتين، لكن الكثيرين يعتقدون أنها تقدّم مثالين لمشاهد تتكرّر في مناطق مختلفة.

خلال الصيف الماضي، تداول نشطاء الفيسبوك صورة نشرتها صفحة "واد السبت" تُظهر مواطني القرية الواقعة بشمال سطيف وهم مصطفين في طابور طويل من أجل الحصول على الماء. ويقول (ح. ب) المشرف على الصفحة إن الصورة كانت تلقائية ومعبّرة عن الواقع الذي يتكرّر في قريته طيلة أيّام السنة، وخاصّة في فصل الصيف. لكنه يضيف متأسّفًا أن "الصورة التي تناقلها مئات المستخدمين وأثّرت في الزوّار الذين تعاطفوا مع سكّان القرية وصبّوا جام غضبهم على السلطات المحليّة، لم تؤثّر على المسؤولين المحليين، بدليل أن المشكلة مستمرّة حتّى الآن".

وليست قرية واد السبت استثناء في معاناتها مع مشكلة التزوّد بالمياه الشروب، غذ أظهرت صور أخرى مواطنين في قرى معزولة وهم يستخدمون الدواب من أجل الحصول على الماء. صورة أثارت الكثير من التعليقات، وقال البعض إنه كان يعتقد أن مثل هذه المشاهد اختفت في جزائر 2013.

 

بديل مناسب؟

يعتقد الخبير في تكنولوجيات الإعلام والإتصال، الدكتور يونس قرّار، أن بإمكان مواقع التواصل الاجتماعي و"فيسبوك" تحديدًا أن يكون همزة وصل وأداة ربط سريع بين المواطن والمسؤول المحلي الذي ليس بإمكانه عمليا الالتقاء بكل مواطني بلديته وزيارة كلّ قراها ومداشرها، مضيفًا أن بغمكانه أن يشكّل بديلاً عن اللقاءات المباشرة وأن يجعل المسؤول مطّلعا بشكل مباشر على حقيقة ما يحدث في البلدية.

لكن قرّار يشير إلى أن استخدام "فيسبوك" من قبل المسؤولين المحليين لا يختلف كثيرًا عن استخدامه من قبل الإدارة والمؤسسات الرسمية بشكل عام في الجزائر، والتي يقول إنها مازالت غائبة عن المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية.

ويضيف المتحدّث أن الشبكات الاجتماعية تمثّل وسيطًا جيّدًا ينبغي الإستفادة منه، من أجل الدفع بالتنمية المحلية، قائلاً إن على رئيس البلدية أو الدائرة أن يحرص على التواجد من خلالها، سواء بصفة شخصية أو بصفة إدارية، من خلال صفحات يتولّى إدارتها صحفيون ومهندسون، من أجل التفاعل والمشاركة في طرح المشاكل والحلول التي ليست حكرًا على جهة بعينها "بإمكان رئيس البلدية أن يقدّم صورة جميلة عن بلديته، وأن يتحدّث عن إنجازاته ومشاريعه المستقبلية، وأيضًا عن المشاكل التي تواجهه في إنجاز ما يصبو إليه، وأن يطلب اقتراحات وحلولاً من المواطنين الذين سيتفاعلون بآرائهم وانتقاداتهم واقتراحاتهم".

ويعتقد قرّار أن "فيسبوك" أدّى في كثير من الأحيان دور الإعلام الجواري وساهم في تعرية حقائق تعاني منها الكثير من المناطق، بأدلّة ملموسة تناقض الخطاب الرسمي، كالصورة والفيديو، ولم يبق سوى الاستفادة من ذلك، وجعله أداة بنّاءة لخدمة التنمية المحلية.

فيصل شيباني

من نفس القسم الوطن