محلي
مشاريع ضخمة للحفاظ على التنوع الإيكولوجي
تلمسان
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 16 سبتمبر 2013
تضم ولاية تلمسان عددا من المحميات الطبيعية منها المصنفة وطنيا وأخرى عالميا من بينها محمية "ضاية الفرد" التي تعتبر واحدة من أهم المحميات الطبيعية والمناطق الرطبة بالجزائر وواحدة من أصل أكثر من 40 محمية عبر الوطن تحظى باهتمام وحماية وفق تشريعات وقوانين وطنية وعالمية تضمن حمايتها مشروع انجاز محطة لتصفية المياه. محمية ضاية الفرد المتواجدة في إقليم دائرة العريشة تتربع على مساحة إجمالية معتبرة تقدر بما لا يقل عن 1275 هكتار موزعة على مساحات مائية وأخرى نباتية تم تصنيفها عالميا وبصفة رسمية منذ تسع سنوات وتحديدا في شهر ديسمبر من عام 2004 بعد أن تقدمت الجزائر بملف طلب تصنيفها لدى الهيئات الدولية تطبيقا لاتفاقية العالمية المصادق عليها عالميا في عام 1971 بعد المؤتمر العالمي الذي انعقد آنذاك بجمهورية إيران، ولم يكن ذلك ليتم لولا استيفائها للشروط الأساسية المنصوص عليها في قانون المنظمة وفي مقدمتها ثلاثة معايير هامة ويتعلق الأمر بضرورة أن تضم المحمية ما لا يقل عن 20 ألف طائر بين مستقر ومهاجر وأصناف عابرة منها، وأن تعادل الكثافة السكانية بالمنطقة 1 من المائة على الأقل وأن تكون المحمية فعلا منطقة رطبة وهي شروط توفرت بها، بعدها حظيت المحمية ببرنامج وصف من طرف مسؤولي القطاع بالهام من جهة وبالأولويات من جهة أخرى، وبعد عدة سنوات من الدراسة التقنية والفنية بعد ذلك، استفادت المنطقة الرطبة المسماة "ضاية الفرد" الواقعة أقصى جنوب ولاية تلمسان من برنامج تنموي ضخم بهدف الحفاظ عليها كمحمية طبيعية يتمثل في انجاز محطة لتصفية المياه، ويرمي المشروع الذي تقرر تجسيده في إطار البرامج
الجوارية للتنمية الريفية المندمجة إلى تطهير المياه المستعملة والتي تطرح بشكل مستمر ببحيرة المحمية والتي صارت مهددة بالتلوث نتيجة هذه الإفرازات. كما أن انجاز المحطة التي كلفت الخزينة العمومية مبالغا معتبرة جاء تجسيدها تكملة للعمليات التنموية المندمجة التي شهدتها هذه المنطقة الريفية الشبه صحراوية والواقعة في أكبر منطقة سهبية من تلمسان من أجل تثمين وترقية المنطقة الرطبة وتتمثل عمليات التنمية والتي تعتبر محافظة الغابات بتلمسان أهم شريك في تجسيده إلى جانب هيئات أخرى وجمعيات البيئة.
برنامج تشجير الأحواض المائية للحد من التصحر
ولا يقتصر المشروع على ذلك بل له برامج هامة موازية أخرى أيضا ومن بين أبرزها عمليات كبيرة من أجل تشجير مساحة هامة من الأحواض المتدفقة للبحيرة قصد حمايتها من زحف الرمال القادمة من الجنوب خاصة أنها توجد على مقربة من الحدود الإدارية مع ولاية النعامة لا سيما بعد أن عرفت المحمية شكلا من الاستغلال المفرط للموارد المائية لضاية الفرد خاصة من طرف الفلاحين الذين يلجؤون إلى استغلال هذه المواد المائية الطبيعية في مجال السقي لا سيما في المواسم الجافة ويهدف البرنامج أيضا إلى محاربة الحرث العشوائي الذي أصبح هاجسا يقلق المشرفين على القطاع.
ومن جهة أخرى برمجت محافظة الغابات بالتنسيق مع السلطات المحلية لفائدة سكان المنطقة مشاريع أخرى ترمي إلى تدعيم التشغيل الريفي عن طريق فتح ورشات لانجاز بعض الأشغال الغابية وتكثيف عملية غرس الأشجار المثمرة ومنها أشجار الزيتون والبلوط بشكل خاص بالنظر لمقاومتها للحرارة من جهة، وحتى الأشجار غير المثمرة المضادة للانجراف كالصنوبر والعرعار، كما يهدف أيضا إلى ضمان معدل الرطوبة وجلب الأمطار من جهة أخرى ناهيك عن توفير مناخ أفضل لحياة عديد الحيوانات البرية الأخرى وضمان توفر الموارد المائية التي تدعمها وتسمح لها الحفاظ على معدلها السنوي لا سيما خلال المواسم الماطرة التي تعرف فيها هذه البحيرة انتعاشا وتوسعا كبيرا بفضل فيضان الأودية التي تغذيها مثل واديي "بن طايشة" ووادي "البراي" والتي هي الأخرى تجلب المياه انطلاقا من ذوبان الثلوج بالمرتفعات المجاورة لا سيما الجبال التي تشكل حدا وسدا طبيعيا بين شمال الولاية وجنوبها .
نباتات وطيور نادرة تعيش بالمحمية
كما يساعد البرنامج أيضا على ضمان تواصل وتوافد استقبال أعدادا هائلة من الطيور المهاجرة خصوصا خلال مواسم البرودة، وفي هذا الإطار تحصي المحمية حاليا قدوم ما لا يقل عن 80 نوعا من الطيور المهاجرة التي تتخذ من المحمية محطة لإقامتها بعد رحلة الهجرة التي تنطلق بداية من شهر أكتوبر من كل عام مرحلة للاستقرار بها قادمة من أوروبا الشرقية واسيا الغربية وروسيا والبلدان الاسكندينافية متجنبة الانخفاض الشديد في درجات الحرارة بهذه المناطق قاطعة آلاف الكيلومترات والأميال وتجد بذلك في المحمية مكان راحة لقضاء فترة التوقف وأكل الأسماك الصغيرة
والحياة بمياهها العذبة، من بينها عدة أصناف تواصل طريقها إلى أقصى جنوب إفريقيا هروبا من برودة طقس شمال الكرة الأرضية وحتى من شمال إفريقيا في هذه الفترة من العام فيما تكون الطيور المحلية والتي تصل إلى 15 نوعا على موعد مع الهجرة ابتداء من نفس الفترة إلى بلدان وسط إفريقيا بحثا عن الدفء وتعود إلى البحيرة مع حلول فصل الربيع وبعد أشهر معدودات من ذلك، كما يوجد بالبحيرة أيضا أنواعا من النباتات النادرة وأهمها نباتات العريش والمصطلح عليها علميا "تاماراكس" والشبيهة بالشجرة ذات الجذور الطويلة التي تغوص في أعماق المياه العذبة وتشكل في البحيرة جدارا مانعا يحيط بها من كل جانب ويضمن استقرارها أيضا .
وعلى الرغم من كل هذه البرامج والمشاريع المعتبرة والهامة، إلا أن المحمية أصبحت تعاني خلال السنوات الأخيرة من عدة مشاكل وتهدد مستقبلها ووجودها وأهمها على الإطلاق التناقص الفادح في مساحة البحيرة العذبة بمياهها إلى مستوى وصف بالخط الأحمر بعد تدني مستوى بعض الوديان الممولة لها خاصة وادي "بوجغران" الذي ينبع من الصحراء والذي كان إلى وقت بعيد أهم ممول لها بالمياه ويتخذ من بحيرة المحمية محطة نهائية له مما كان يسمح لها بالحفاظ على حجم المياه بها كما أن قلة تهاطل الأمطار خلال السنوات الأخيرة بالمنطقة كان عاملا مباشرة في هذه الوضعية بعدما كانت المياه الجوفية التي تخزنها الأرض والجبال المحيطة بالمحمية أحد المصادر الهامة لتمويل البحيرة. ولا يقتصر الأمر على الظواهر الطبيعية بل وصل إلى تدخل الإنسان كعامل سلبي في تفاقم الوضعية هده حيث تعرضت المحمية خلال السنوات الأخيرة إلى شتى أنواع عدة من التلوث البيئي، لا سيما تصرفات لامسؤولة جراء رمي للفضلات ونفايات ومنها ما وصفت بالسامة وتكون أتربة متراكمة مختلطة بالنفايات منتشرة هنا وهناك على جوانبها وساهم الاستغلال العشوائي لمحيطها في الفلاحة والرعي العشوائي للأراضي المحيطة بها من
طرف فلاحي المنطقة لا سيما سكان قرية بلحاجي بوسيف والمعروفون بطابعهم العروشي والقبلي وافتقادهم لثقافة الحفاظ على المحيط والبيئة وليس هذا فحسب، بل شهد محيط المحمية أيضا ظهور تجمعات سكانية هنا وهناك بشكل غير منظم رغم أن التشريعات تحضر وجودها بالقرب منها مع إلزامية ضمان حد أدنى كمسافة فاصلة بينهما، مستغلين غياب المراقبة الدائمة باستثناء الزيارات العلمية التفقدية لمصالح محافظة الغابات لولاية تلمسان والتي أصبحت لوحدها غير قادرة على ضمان حماية للمحمية الطبيعية. وأمام هذه الوضعية التي شوهت بشكل ملحوظ المنظر الجمالي والايكولوجي للمحمية التي كانت تعرف به منذ بضع سنوات بات لزاما على الجميع تضافر الجهود من ساكني المنطقة والسلطات المحلية والمهتمين بالبيئة لإنقاذ المحمية وإبعاد كارثة الانقراض والاندثار عليها قبل فوات الأوان. وجاء المشروع التنموي هذا الخاص بانجاز محطة لتصفية المياه وعمليات تشجير وبرامج موازية أخرى لتنمية وتحسين الوضع الاجتماعي لسكانها يصب في هذا الإطار وذلك من أجل تجسيد سياسة الدولة الرامية أيضا إلى استقرار سكان الأرياف بمناطقهم من جهة، ومن جهة أخرى لن يتم ذلك إلا من خلال برامج تنموية حقيقية تقلل من هوة الفارق بين ما هو موفر بالمدن وما تعيشه هذه التجمعات السكانية من معاناة لا سيما في شقه الاجتماعي .