الوطن
حقوقيون يعتبرون ظاهرة الحبس المؤقت خرقا صارخا للقاعدة القانونية
أشخاص يحبسون لسنين دون محاكمات وآخرون يستفيدون من البراءة بعد الإفراج عنهم
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 أوت 2013
• قسنطيني يطالب بمراجعة نص التعويضات لصالح من جرى حبسهم وتبينت براءتهم
تعتبر الحرية أصلا عاما وشاملا لكل حقوق الإنسان، فالحق في الحرية هو المصدر لبقية الحقوق الأخرى، كما أنه يمثل أحد الأصول المهمة للقاعدة القانونية التي تنص على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". والحق في الحرية هو أيضا الأصل في عدم جواز الاعتقال أو الحبس ، دون تهمة ثابتة، وإن حدث فهو يعد انتهاكا صارخا للحق في الحرية، ويشكل أحد الظواهر الخطيرة التي تهدد الأمن الشخصي للفرد على اعتبار أن السلطة التنفيذية هي التي تمارس هذا الاعتقال، بعد أن يتحول دورها من جهاز لتوفير الأمن والأمان للمواطن إلى جهاز لقمع الحريات وخرق القانون، حيث يُسجن أشخاص وتنتهي آجال التمديد في الحبس دون أن يحاكموا.
لا يمكن الالتفات أو غض الطرف عن كون الحبس المؤقت كأحد الإجراءات التي تتخذ عادة من قبل سلطة التحقيق في الدعوى الجنائية ، نظراً لنواح عدة أهمها المساس بالقواعد العامة الثابتة في الدساتير وإعلان حقوق الإنسان وحرياته في المجتمع، ولا شك أن الحالة تستلزم وجود ضمانات كافية لتحقيق أقصى حدود حرية الفرد داخل المجتمع وعلاقته بالسلطة في الدولة، ولا يمكن طرح الآراء التي لطالما نادت بوجوب تعامل سلطات التحقيق بحذر مع إجراء الحبس المؤقت دونما إطلاق أو غل يد تلك الجهة لدى تعاملها مع هذا الإجراء.
ولكن الحبس المؤقت إجراء استثنائي تقتضيه المصلحة العامة، وهو كثير الحدوث في العمل على نحو شبه يومي في القضايا المطروحة أمام قاضي التحقيق ووكيل الجمهورية، ولأن هذا الإجراء يمس مباشرةً حرية المتهم الشخصية ، ويتناقض مع قرينة البراءة ، لذلك فقد حظي باهتمام الفقه الجنائي اهتماماً كبيراً، حيث ذهب بعض فقهاء القانون الجنائي إلى القول بوجوب تعويض المتهم الذي حبس مؤقتا عن الأضرار التي لحقت به.
المتهم باغتيال معطوب يحبس لأكثر من 13 سنة دون محاكمة
من خلال تطرقنا لموضوع الحبس التعسفي أردنا تسليط الضوء على بعض الحالات التي مورس عليها هذا النوع من الحبس، ولعل أهمها وأقدمها القضية التي تتعلق بالمتهم في اغتيال المغني معطوب الوناس والذي قبع في سجن تيزي وزو لمدة تزيد عن 13 سنة أي منذ سنة 1999 تاريخ توقيفه من قبل مصالح الأمن على ذمة التحقيق معه في الحادثة التي وقعت سنة 1998، وهو الأمر الذي استنكره العديد من المواطنين والذين شكلوا لجنة مساندة المتهم المفترض في اغتيال المطرب القبائلي معطوب لوناس. والمثير للغرابة حسب اللجنة، هو وضع الموقوف رهن الحبس المؤقت لفترة تزيد عن 13سنة دون محاكمته رفقة المتهم الافتراضي الثاني الموجود رهن الحبس هو أيضا.
رجل الأعمال المتورط في فضيحة الطريق السيار يراسل الرئيس للإفراج عنه
في قضية أخرى متعلقة بفضيحة الطريق السيار شرق غرب توبع فيها 16 شخصا وشركتان صينيتان وشركتان إيطاليتان ومجمع كندي ومجمّع برتغالي وشركة أجنبية أخرى، راسل دفاع أحد المتهمين ويتعلق الأمر بالمتهم "ت.سيد أحمد"، رئيس الجمهورية للتدخل من أجل الإفراج عنه بعد إطلاق سراح عدد من المتهمين في الملف القضائي، ليبقى موكلهم رهن الحبس المؤقت بسبب، حسب ما أشاروا إليه خروقات بالجملة وقعت في معالجة الملف، وقعت لدى مصالح الأمن وعلى مستوى غرفة التحقيق القضائي وغرفة الاتهام•
وأكد المحاميان أن رجل الأعمال "ت سيد أحمد" ''تعامل مع المجمع الكندي وشركة برتغالية واتهم بدفع رشاوى في إطار خدمات لا علاقة لها بالصفقات العمومية أبرمت في إطار إنجاز المشروع''، موضحان أنه ''لا وجود لأي ضرر لحق بالخزينة العمومية، ومع ذلك بقي في السجن''، متسائلين عن ''المعايير التي اعتمدت في الإفراج عن بقية المتهمين دون موكليهما اللذين يقبعان بالحبس منذ أزيد من سنتين.
وأكد المحاميان أن غرفة الاتهام تجاوزت في إجراءاتها الأربعة أشهر كحد أقصى منصوص عليه في القانون، بخصوص حبس "ت.سيد أحمد" ، وبقاؤه في سجن سركاجي حسب الدفاع يعد خرقا صارخا لحقوق المواطنين عموما•
ولم تتوقف الأخطاء عند هذا الحد يقول المحاميان بل إن غرفة الاتهام، في قرارها الصادر بتاريخ 6 جويلية طلبت من قاضي التحقيق الخاص بتوجيه الاتهام للشركات الأجنبية بتهمة تكوين جماعة أشرار وتبييض الأموال واستغلال النفوذ والرشوة، وتم مناقضته بقرار صادر من غرفة الاتهام لمجلس قضاء العاصمة، حيث قضت بمتابعة الشركات نفسها بجنح استغلال النفوذ والرشوة، وقضت بانتفاء وجه الدعوى فيما يتعلق بتكوين جماعة أشرار وتبييض الأموال• وهنا يكمن التناقض -حسب المحاميين- إذ أنه لا يمكن لنفس الغرفة وبنفس التشكيلة أن تصدر قرارين، بين أن تطالب بمتابعة الشركات بجنايات، ثم تصدر قرارا ثانيا يقضي بتجنيح التهم بالنسبة إلى الشركات•
وأضاف المحاميان، إنه من هذا المنطلق وجب -أيضا- وبعد صدور قرار تجنيح التهم للمجمع الكندي من طرف غرفة الاتهام، ''إصدار أمر بانتفاء وجه الدعوى لموكلهما "ت.سيد أحمد"، لأن تعامله مع هذه الشركة كان في إطار قانوني بإبرامه لاتفاقيات حول تقديم خدمات لا غير•
للإشارة، فقد سبق أن استفاد من الإفراج المؤقت أربعة متهمين في الملف، ويتعلق الأمر بالأمين العام لوزارة الأشغال العمومية ورجل أعمال وشقيقين ينشطان في بيع العملة الصعبة في السوق الموازية، وبقي أربعة مشتبه فيهم في السجن، منهم مدير البرنامج الجديد للطريق السيار ومدير التخطيط بوزارة النقل، ورجلا أعمال وضابط برتبة عقيد وثلاث نساء هن بنات سفير سابق بدولة إفريقية استفدن من الإفراج المؤقت•
رجال القانون يرجعون استفحال الظاهرة لتماطل الجهات المعنية
إثراء للموضوع أجرينا اتصالات مع بعض المحامين للاستفسار عن استفحال ظاهرة الحبس المؤقت والذي يتحول في بعض الأحيان إلى حبس تعسفي في ظل تماطل الجهة المختصة وتناسيها بعض الملفات ليبقى المتهمون قابعين وراء جدران السجون دون البت في مصيرهم وتبقى حريتهم مقيدة ودون أسباب ملحة، رغم أن القانون واضح وصريح في تحديد آجال الحبس وكيفيات تجديده واللجوء إليه، وإن اختلفوا في الجهة القضائية التي يحملونها المسؤولية. وأوضح الأستاذ بهلولي محامي معتمد لدى مجلس القضاء خلال اتصال هاتفي معه أن القانون واضح بخصوص مواعيد الحبس المؤقت التي تختلف حسب نوعية وخطورة الجرائم المرتكبة، إلا أنه يتعين على قاضي التحقيق الآمر بإيداع المتهم الحبس المؤقت أن يقوم بتجديده بعد كل أربعة أشهر، وإلا يتم الإفراج تلقائياً عن الشخص المحبوس. لكن هذا ما لا يحدث في الكثير من الأحيان في المحاكم الجزائرية، وهو ما يعتبر "حبساً تعسفياً"، حسب ذات المتحدث ، الذي أرجع سبب ما أسماه بـ"التماطل" بسبب كثرة القضايا المعروضة على قضاة التحقيق، والتي أدت إلى فقدان المحاكمة العادلة. وأشار المتحدث إلى أن هناك نسبة مرتفعة من الحالات التي يصدر فيها قاضي التحقيق انتفاء وجه الدعوى، تواجه بالطعن من طرف وكلاء الجمهورية أمام غرفة الاتهام "بصفة تلقائية حتى ولو كان المحبوس بريئاً"، مما يعني استمرار فترة الحبس، وهذا مرده، حسب الأستاذ دائما ، إلى سيادة الفهم الخاطئ لدور النيابة العامة، "وكأن دور وكلاء الجمهورية ينحصر في الطعن في الأمر بالإفراج الذي يصدره قاضي التحقيق في حين أن دور النيابة العامة هو تمثيل المجتمع".
جمعيات حقوق الإنسان ترى وجود إفراط في الحبس الاحتياطي
وقد اتفقت جهات حقوقية بالجزائر مع ما تضمنه التقرير السنوي لحقوق الإنسان 2012 الصادر عن اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وتطويرها التابعة لمؤسسة الرئاسة، والذي أشار إلى وجود 'إفراط' في الحبس المؤقت.
وقد كشف رئيس الهيئة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وتطويرها المحامي فاروق قسنطيني أن العدد الطبيعي للنزلاء في الجزائر لا يتجاوز 40 ألف سجين، في حين أن العدد الموجود بالفعل حاليا يصل إلى 55 ألف معتقل. وأوضح قسنطيني أن هناك نحو 15 ألف نزيل يقبعون داخل السجون دون وجود أدلة قوية وإثباتات دامغة. وبرأيه فإن هذا الأمر يضرب في الصميم قرينة البراءة المكفولة قانونا لكل مواطن جزائري يتعرض إلى اتهام من أي جهة.
كما يرى قسنطيني أن إصدار الأوامر بالحبس المؤقت تحول إلى ثقافة قائمة بذاتها، وكشف أن هيئته الحقوقية عبرت عن عدم رضاها، ووجهت تحذيرات في هذا الموضوع في مناسبات عدة. ويرفض قسنطيني اللجوء إلى تلك الآلية إلا في الحالات القصوى، مثل تنفيذ المتهم لجرائم أو جنح لها أبعاد خطيرة على المجتمع الجزائري.
قسنطيني يطالب بمراجعة نص التعويضات لصالح من جرى حبسهم وتبينت براءتهم.
وطالب رئيس اللجنة الوطنية لحماية وترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني بضرورة مراجعة نص التعويضات لصالح من جرى حبسهم وتبيّن لاحقا براءتهم من التهم التي نُسبت إليهم، وحرص المتحدث على إبراز أنّ أشخاصا ينتمون إلى هذه الفئة تضرروا رفقة عائلاتهم ماديا ومعنويا، ومن المنطقي إعادة الاعتبار لهم.
كما طالب قسنطيني بمراجعة السياسة العقابية في الجزائر، ولم يتردد عن إبداء امتعاضه من معالجة القضاة لمئات القضايا يوميا، ما أفرز "عدالة فاست فود" على حد وصفه، كما جدّد قسنطيني انتقاده لاستمرار إفراط القضاة في استخدام الحبس المؤقت الذي يشمل بحسبه ثلث المساجين.
وأكّد قسنطيني حاجة منظومة العدالة في الجزائر إلى رؤية جديدة، ملاحظا أنّه لا يشكك في "نزاهة" القضاء، بل في نوعيته، إذ لم يستسغ معالجة القضاة لكم هائل من القضايا يوميا، ما يوقعهم في فخ التسرّع، ما أنتج "عدالة فاست فود" على حد تعبيره، ولفت قسنطيني إلى أنّ المحامين الفرنسيين احتجوا قبل سنوات على الريتم الذي اتبعه القضاء الفرنسي في معالجة قضايا الإجرام، وطالبوا بمعالجة قضية واحدة على مدار يومين، فكيف تشهد الجزائر معالجة أربع قضايا إجرامية خلال كل 24 ساعة؟
وعاد قسنطيني إلى انتقاد ظاهرة إفراط القضاة في إحالة المساجين على حبس مؤقت يتجاوز فترته القانونية، وقدّر الرجل نسبة المحبوسين بشكل مؤقت بنحو 30 بالمائة على الأقل، مكذبا أرقاما رسمية حصرت النسبة في 10 بالمائة فحسب.
نوال.س