الوطن

الأحزاب في الجزائر...ما تأثيرها على المشهد السياسي !!!

بعدما تحولت إلى مجرد دكاكين انتخابية

 

يشار للحزب السياسي بأنه تنظيم يضم العناصر النشطة سياسيا في المجتمع، لديه برنامج سياسي يسعى لتطبيقه في حال وصوله للسلطة، وتتمثل مهامه أساسا في توسيع المشاركة السياسية بتشجيع المواطنين على الانخراط فيها، وكذا تجسيد عملية التداول السلمي على السلطة، وتحسيس الرأي العام بالقضايا المصيرية وتجنيدهم حول الخيارات الكبرى للأمة، وإمداد مؤسسات الدولة بالكوادر، إضافة إلى ممارسة المعارضة الإيجابية وخلق قنوات اتصال بين المواطنين ومؤسسات الدولة.

في الجزائر وبعد صدور قانون الأحزاب الجديد في العام 2012 وفي لحظة انفتاح سياسي تحت تأثير هواجس ما يسمى بالربيع العربي، حصلت عملية إفراز عشوائي للأحزاب بلغ عددها أكثر من خمسين (50)، أعطى انطباعا بوجود استراتيجية مقصودة لتمييع الحياة السياسية في الجزائر، ببساطة شديدة إن هذا العدد المبالغ فيه يعني عدم تشكل بديل حقيقي يحد من هيمنة النخب الحاكمة ويعمل على إحداث الدوران النخبوي المطلوب.

وأغلب الأحزاب السياسية في الجزائر تحولت إلى ما يشبه "الدكاكين الانتخابية"، فلا نكاد نسمع لها صوتا إلا في المواسم الانتخابية، وتبدأ عملية "النخاسة السياسية" وتصبح المناصب وصدارة القوائم لمن يدفع أكثر، ومنه يصبح المال هو المحدد الرئيسي في عملية التجنيد السياسي للنخب بغض النظر عن المؤهلات والقدرات والاستعدادات الثقافية والفكرية والنفسية للنخب فلا ينتظر منها أحد أن تغير شيئا، كل هذا يحدث تحت سمع وبصر النظام الذي إن لم يجد هذه الوضعية لخلقها، ذاك أن طبقة سياسية من هذا النوع تؤمن له استمراريته ويسهل عليه شراءها وتوظيفها بما يخدم مصالحه، فقد علمنا منطق التاريخ ان هدف كل نخبة حاكمة هو الاستمرارية وإعاقة تشكل بديل نخبوي يخلفها، وكلنا رأينا كيف كانت تنادي بعض الأحزاب بعهدة رابعة للرئيس قبل أن يعلن هو نفسه عن رغبته رغم أنها مؤسسة حديثا يفترض فيها أن تعكف على بناء مؤسسات حزبية قوية وإعداد كوادر تكون في مستوى التحديات الحالية والمستقبلية للجزائر، فعلا إنهم ملكيون أكثر من الملك، إن الواقع المؤسف للممارسة السياسية في الجزائر هو سبب نفور غالبية الجزائريين من العمل الحزبي.

والمتتبع للمشهد السياسي الراهن في الجزائر يلاحظ بوضوح المأزق التي تعيشه الأحزاب السياسية، فأحزاب التيار الوطني وخاصة حزبا السلطة جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي يعيشان أزمة بنيوية تسببت في إصابة كليهما بحالة من الجمود، تعكس الصراعات الحادة في أعلى هرم السلطة لترتيب البيت الداخلي استعدادا لاستحقاقات 2014 الرئاسية، لأن كلاهما مجرد ادوات في يد السلطة لا اكثر.

أما التيار الديمقراطي فمازال يعاني من ضعف تجذره في المجتمع وغياب الفاعلية ويبني في الغالب قيما بعيدة عن الموروث الحضاري للمجتمع، كما تحمل ممارساته ومواقفه تناقضا سافرا مع جوهر الديمقراطية، لذلك فهو لا يؤمن بديمقراطية تأتي بالإسلاميين إلى سدة الحكم، لذلك كانت مواقفه من الأزمة المصرية الراهنة استحضارا للخصومة التاريخية بينه وبين التيار الإسلامي.

التيار الإسلامي ورغم أنه الأكثر تواجدا في الشارع إلا انه يعيش أزمة حقيقية على مستوى القيادات، وصار ذا طبيعة انشطارية فقد انقسمت النهضة إلى الإصلاح ثم إلى جبهة العدالة والتنمية، وحماس التاريخية خرجت منها جبهة التغيير ثم تاج ثم أخيرا حركة البناء الوطني، مما يعني أن التيار اكتسحته حمى الزعامات والتي ستكون سببا في فشل محاولات توحيد الصف والتقدم بمرشح واحد للانتخابات الرئاسية.

أما المجتمع المدني فليس بأحسن حال فما زالت تحكمه قيم الزبائنية والنفعية والمناسباتية، لذلك فهو أبعد ما يكون من ممارسة التأثير المنشود على المجتمع.

ومنه فإن تأثير الأحزاب في اختيار الرئيس القادم لن يكون تأثيرا رئيسيا، حيث ستتكفل المؤسسة العسكرية بذلك مع مراعاة دور القوى الدولية المؤثرة وخاصة باريس وواشنطن.

محمد دخوش

من نفس القسم الوطن