محلي
النقل وقدم الأجهزة الطبية يضاعف معاناة مرضى القصور الكلوي
وهران
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 10 جولية 2013
يستقبل قسم أمراض الكلى بالمستشفى الجامعي بوهران يوميا حالات متعددة لمرضى الكلى، ويحمل كل مريض معه قصة معاناته مع المرض يأتي في المرتبة الثانية بعد السرطان من حيث حجم الميزانية التي ترصد في التغطية الصحية لهذا المرض وعدد المراكز المنتشرة في مدن.
يعاني مرضى القصور الكلوي بعاصمة الغرب الجزائري في ظل النقص الفادح في أجهزة الدياليز والمقدر عددها بـ 15 آلة منها 4 جديدة فقط، فيما تبقى البقية قديمة، بالإضافة إلى غياب سيارات الإسعاف لنقل المرضى بعد إجراء حصص الدياليز والمقدرة بـ 3 مرات في الأسبوع. كما أن المرضى وأمام الضغط الكبير المفروض على المصلحة لا يستفيدون إلا من حصتين فقط، الأمر الذي أدى إلى تدهور صحة المرضى نتيجة نقص التكفل وكذا نقص المشرفين من الفريق الطبي على المرضى، وكذا غياب الوجبات الغذائية لهم بالمصلحة، خاصة بالنسبة للمرضى الوافدين من الولايات الغربية المجاورة والذين يقضون اليوم كله على جرعة ماء في غياب الوجبات التي من المفروض أن تتدعم بها المصلحة. وأوضح محدثونا أنه رغم المراسلات العديدة لمختلف الجهات المسؤولة، من إدارة المستشفى ومديرية الصحة، إلا أنه لا حياة لمن تنادي أمام سياسة الإهمال واللامبالاة التي ينتهجها مسؤولون على القطاع اتجاه المرضى الذين يعانون ويموتون في صمت، بعد ما أصبحت المصلحة تسجل يوميا ارتفاعا في عدد الوفيات، وهو الأمر الذي بات يدق ناقوس الخطر بضرورة توفير العلاج الحقيقي والتكفل بالمرضى المصابين بالقصور الكلوي، خاصة أن هناك أزيد من 200 مريض ينتظرون عملية زرع كلية رغم حصولهم على متبرعين من ذويهم إلا أن التكفل بهم يبقى أيضا غائبا.
أكثر من 19 ألف و500 مصاب عبر الوطن والمختصون يدقون ناقوس الخطر
كشف طاهر ريان، رئيس الجمعية الجزائرية لأمراض وزراعة الكلى، عن تسجيل ارتفاع في معدل الإصابة بالقصور الكلوي بالجزائر يتجاوز سنويا 4500 حالة، حيث وصل عدد مرضى القصور الكلوي الذين يحتاجون للتصفية الدائمة، حسب آخر الإحصاءات، إلى أكثر من 19 ألف و500 مصاب على مستوى الوطن، وهو رقم يدعو إلى تضافر الجهود لتحسين التكفل بهذه الشريحة التي تعاني متاعب تصفية الدم والمكوث الأبدي مربوطين بأجهزة التصفية، حيث ألح المختصون على ضرورة الكشف المبكر عن أمراض الكلى التي تؤدي بشكل كبير إلى تفادي تطور الأمراض التي تصيب الكلية وتصل مراحل خطيرة يستحيل معها العلاج، وتؤدي بصورة سريعة إلى الفشل الكلوي ويصبح المريض مرتبطا طوال حياته بأجهزة تصفية الدم. ونبه المختصون إلى ضرورة توحيد الجهود للتكفل بشريحة مرضى الكلى الذين يتجاوز عددهم 3 ملايين مريض يعاني أكثر من 19 ألف منهم من قصور كلوي حاد، حيث يتوزعون على 200 مركز تصفية عمومي و150 مصلحة خاصة عبر ولايات الوطن. وبادر الأخصائيون إلى التذكير بضرورة إجراء حملات تحسيسية وتوعوية وسط المواطنين لرفع درجة ثقافة التبرع بالأعضاء خاصة الكلى، إذ تعد مبادرة من هذا النوع بمثابة بصيص أمل يتمسك به المرضى الذين يحتاجون إلى هذا النوع من العمليات.
الجزائر متأخرة في زراعة الكلى رغم أنها كانت سباقة في هذا المجال
اعتبر الأخصائيون أن الجزائر متأخرة جدا في مجال زراعة الكلى رغم أنها كانت سباقة في هذا المجال. وأرجعوا هذا الأمر إلى غياب ثقافة التبرع بالكلى وانحصارها في وسط ضيق لا يتجاوز محيط العائلة الواحدة والأقربين جدا مثل الأب والأم، وهو ما دفع الأخصائيين إلى دعوة المجتمع إلى ضرورة تعميم عملية التبرع، حسب السيد طاهر ريان، والقيام بحملات تحسيسية حول التبرع بالأعضاء البشرية بعد الموت، على أساس أن هذا الأمر يسهل على العائلة اتخاذ القرارات نظرا لأن القانون يشترط أن يتم التبرع بناء على موافقة العائلة. وفي هذا الخصوص أشار البروفيسور طاهر ريان إلى أن الجمعية وزعت عددا رمزيا من بطاقات التعهد بالتبرع بالأعضاء البشرية.
شهادات حية لحالات أنهكها المرض
بعض الحالات التي زارت المستشفى تتحدث بخفوت وهي تلتقط أنفاسا قصيرة زادتها قلقا بعد تأخر دورها، تشرح زهرة التي تقطن بحي الكبير حالتها الاجتماعية قائلة: "زوجي عاطل عن العمل ولا أستطيع تحمل نفقات العلاج وحدي. لولا المحسنين لكنت في عداد الموتى"، تتوقف لبرهة وتتابع: "إن المشاكل التي صادفتنا بالجناح الخامس التابع لمستشفى وهران الجامعي لا تعد وتحصى بسبب نقص المعدات ولامبالاة الفرق الطبية المشرفة على الحالات". وتروي لنا قصتها مع المرض: «ضغط الدم المرتفع هو الذي أصاب الكلى بالفشل، يبلغ ضغطي الآن 6 ومازلت أعاني صعوبات في النوم». بعد أن تم تشخيص طبيعة المرض قبل خمس سنوات، أدلى ابن زهرة بشهادة ضعف والدته التي أقعدها نقص الكالسيوم في العظام الأرض قبل سنة وتقصد هذه السيدة يوميا فضاء قسم أمراض الكلى بمستشفى وهران الجامعي إلى جانب الحالات الأخرى تتابع علاجها بالمستشفى، حيث تتوزع الحالات إلى المرضى الذين يعانون من القصور الكلوي المزمن، والذين تقوم بزرع الكلى لهم، إضافة إلى الذين يتم تشخيص حالاتهم يوميا كل مريض يحمل معه قصة اجتماعية تختزل فصولها معاناته مع مرض لم تعترف وزارة الصحة بخطره في سنوات التسعينيات.
عبد الله هو أحد أقدم المرضى الذين يتابعون حصص علاج تصفية الدم بالمستشفى منذ 13 سنة: «لقد مرت السنين بسرعة ووحدها حالتي الصحية بقيت كما هي لم تتغير» يردد عبد الله بعينين شاردتين. ليس من السهل عليه أن ينسى موعد علاجه الذي حدده الطبيب وهو يوما الاثنين والخميس من كل أسبوع وضبط إيقاع حياته للأبد على هذين اليومين، «تدوم كل حصة 5 ساعات ويتم غرز حقنة في أعلى الساق، تؤلمني في البداية لكنني أستحمل ذلك لأن الألم سرعان ما يزول». يكشف عن ساعده الأيمن تغطيه ندوب عميقة هي آثار سنوات من العلاج المتواصل. يستطرد بنبرة لا تخلو من سخرية: «من كثرة الحصص التي تابعتها، أصبح غرز الحقنة في جلدي طقسا مألوفا لدي، المشكل أنهم اختاروا قبل سنتين أن يثبتوا الحقنة في ساقي اليسرى، يبدو الوضع مربكا لكنني متأكد من أنني سأتكيف مع هذا التغيير». لا تختلف حالته الاجتماعية عن باقي الوافدين إلى القسم الذين يستفيد من هو في وضعية صعبة منهم من مجانية العلاج التي تشرف عليها الجمعيات النشيطة في هذا المجال. "لا أعلم ما الذي سيحل بي لو توقف العلاج في أحد الأيام، كنت بصحة جيدة في شبابي وأمارس أنشطتي بشكل طبيعي، أما الآن فأحس بالعجز".
أمراض الكلى والخيارات الصعبة
تعمل الكلى على تنقية الدم من الفضلات والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم ثم طرد هذه الفضلات من الجسم مع البول، عندما يحدث الفشل الكلوي تتوقف الكلى عن العمل مما ينتج عنه تجمع السوائل والفضلات في الدم وبالرغم من أن الفشل الكلوي المزمن قد يبدو وكأنه ظهر فجأة إلا أنه كان يحدث على مدار سنوات دون دراية المريض. تتكون الكلى من ملايين الفلاتر التي تسمى بالنفرونات ومفردها نفرون وفي حالة الفشل الكلوي تتوقف هذه النفرونات عن العمل وقد يحدث أن تموت بعض النفرونات وتتوقف عن العمل وتقوم نفرونات أخرى بتحمل العمل الزائد، إلا أنه مع استمرار التلف تخسر الكلى المزيد من النفرونات حتى تصل إلى مرحلة لا تستطيع معها تنقية الدم بالشكل الكافي ما يجعل المريض يشعر بالأعراض. قد تبدأ الأعراض في الظهور بعد بدء حدوث التلف بشهور إلا أن معظم الحالات لا تبدأ في المعاناة إلا بعد سنوات ويسمى ذلك بالتطور الصامت للمرض وبمجرد حدوث الفشل يكون لدى المريض خياران إما الغسيل الكلوي أو زراعة كلية ولكل مخاطر ومزايا.