الوطن
التعامل مع احتجاجات البطالين لابد أن يكون بحلول وطنية
الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني جهيد يونسي في حوار مع "الرائد"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 21 أفريل 2013
* الحركة ستقاطع لجنة تعديل الدستور إذا طلبت مشورة ثانية
* على السلطة تغليب الحكمة حتى لا يكون تعديل الدستور مصدر مشاكل بالبلاد
يعود الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني في هذا الحوار مع "الرائد" إلى الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها عدة مناطق من ولايات الجنوب وقضايا الفساد الأخيرة التي طفت إلى السطح بتحميل المسير الحالي لشؤون البلاد مسؤولية ذلك، محذرا أن تتعامل السلطات مع هذه المشاكل بطريقة جزئية وأنصاف حلول وهو ما سيفجر الوضع حسبه إلى ولايات أخرى، وقال أن حزبه غير معني بتعديل الدستور الذي يتم بـ "غرف مظلمة" متوعدا مقاطعة اللجنة إن استدعت الأحزاب مجددا لتعرض عليها ما قامت به من تعديلات.
بعد انتخابكم كأمين عام لحركة الإصلاح الوطني، كيف وجدتم بيت الإصلاح بعد أربع سنوات من مغادرة هذا المنصب والعودة إليه؟
نحن في حركة الاصلاح الوطني يعلم الجميع أننا درجنا على التداول على المسؤوليات داخل الحزب، وضمنا هذا المبدأ في المواثيق الأساسية له ومارسناها عمليا، هي ثالث مرة فيها يتداول شخص آخر على الأمانة العامة للإصلاح، وهذا فيه إشارة مهمة للطبقة السياسية بالجزائر على أن مبدأ التداول لابد أن يكرس ليس فقط على مستوى مؤسسات الدولة، بل قبل ذلك على مستوى الأحزاب السياسية التي من المفروض أن تحمل مشروعا ديمقراطيا، وبيت الإصلاح كرس وجسد هذا المبدأ، أما الآن فالحركة في عافية من أمرها وهي تتطلع لأن تجدد دماءها من خلال استقطاب العديد من الكفاءات والإطارات على المستوى الوطني، وهذا ما نقوم به بعد أيام قليلة من انعقاد المؤتمر، وهذا ما نصبو إليه من خلال توسيع القاعدة النضالية للحزب، وترسيخ الحركة سياسيا على مستوى الطرح والفعالية في الساحة السياسية، وهذا ما نقوم به في هذه المرحلة الخاصة التي تمر بها الجزائر.
وجد متتبعون أن الخطاب السياسي داخل حركة الإصلاح الوطني عرف نوعا من التراجع في السنوات الأخيرة والأداء أيضا، كيف تردون على ذلك؟
الذي تراجع في الحقيقة، وهو ليس أمرا خاصا بحركة الإصلاح الوطني فقط بل بعموم الطبقة السياسية في الجزائر، هي الحريات العمومية في الجزائر وحريات المعارضة، وبالخصوص المعارضة الاسلامية ومنها حركة الاصلاح الوطني، هناك تضييق على التيار الإسلامي في الجزائر خاصة إذا كان معارضا، فالحريات هي التي تراجعت، أما مؤسسة حركة الاصلاح الوطني فتبقى حاضرة بطرحها القوي والمؤثر في الساحة الوطنية، وكانت حاضرة بالنسبة لكل القضايا التي تهم الشعب عموما وخاصة القضايا المصيرية منها الديمقراطية والحريات والهوية الوطنية والقضايا الاجتماعية، وفي كثير من المسائل كانت الحركة سباقة وصاحبة المبادرة في طرح عديد القضايا الكبرى.
ما هي استراتيجيتكم المسطرة في ظل هذه الظروف لجعل الحركة تعود قويا إلى الساحة السياسية، خاصة ما تعلق بتوسيع القاعدة النضالية؟
الاستراتيجية التي نعتمدها تكمن في قوة الخطاب السياسي والحضور في الساحة بطرح مبادرات ومقترحات لأهم المعضلات التي تعيشها الجزائر، وهذا الطرح يعطي ذاتية جديدة للحركة ويجعل منها قوة جاذبية بالنسبة لعموم الشعب وخاصة بالنسبة للإطارات والكفاءات التي تريد أن تنخرط في العمل السياسي، فنحن نريد أن نعطي وجها متجددا للعمل السياسي الجاد وفي نفس الوقت نحاول أن نكون قوة اقتراح بالنسبة لأهم القضايا التي تهم الشعب الجزائري.
هل تعتقدون أن حركة الإصلاح الوطني استنزفت من إطاراتها وتشتتت قاعدتها الشعبية بعد تكوين أحزاب ولدت من رحمها؟
لا، إطلاقا، بل بالعكس حركة الإصلاح الوطني في زيادة وليس في نقصان، والدليل هو المؤتمر الاخير الذي سجل به حضور نوعي وقوي واستقطب إطارات جديدة، وهذا يظهر أن الحركة لها مستقبل ولازالت مؤثرة في الساحة الوطنية ويحسب لها حساب وصوتها مسموع، والكل يسأل عن موقفها والبدائل التي تقدمها، فهي ليست حركة معارضة فقط، بل تقدم البدائل أيضا.
في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن مساعي وحدة بين حمس والتغيير في عباءة واحدة، هل من حديث داخل الإصلاح عن إعادة رص صفوفها بعد رحيل عدد من القادة والمناضلين إلى أحزاب أخرى وإلى حزب غريمكم جمال بن عبد السلام؟
لا الموضوع ليس مطروحا بتاتا، نحن صفوفنا صافية ومرصوصة، نشتغل بكل استقلالية، صفوفنا نظيفة ومتماسكة وهي الآن تتطلع للعمل.
بدأ الحديث عن موضوع رئاسيات 2014 بالجزائر، وهناك من سبق الإعلان لهم عن الترشح لها، أين موقع الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني من هذا الحديث، وهل سيكون مرشحا باسم الإصلاح؟
في الحقيقة هذا الموضوع يعد من اهتمامات الحركة، لكنه لم يطرح بعد بصفة رسمية داخل مؤسساتها ولا مع الشركاء الآخرين لنا، يوم يطرح سوف نقدم موقفنا من هذا.
لكن هل فيه إمكانية أن يتقدم الإسلاميون بمرشح واحد لرئاسيات 2014، على الأقل الأطراف الثلاثة المكونة للتكتل الإسلامي الأخضر؟
نحن متفتحون على كل الاقتراحات، وكل الاحتمالات واردة يوم يطرح الموضوع، لكن حاليا لم يطرح موضوع الرئاسيات داخل مؤسساتنا.
بالحديث عن التكتل الأخضر، هل تعتقدون أنه حقق أهدافه بعد سنة من التأسيس؟
إن تكتل ثلاثة أحزاب إسلامية يعد في حد ذاته إنجازا كبيرا وعظيما وسابقة في الجزائر والوطن العربي لم تحدث من قبل، والتوافق الموجود بين الأطراف الثلاثة لا نجده حتى بحزب واحد، فهو نجح في توحيد القوائم الانتخابية خلال الاستحقاقات السابقة، كما بيّن التكتل الطرح الاسلامي المعتدل، وأعطى نموذجا لباقي العائلات السياسية الأخرى الوطنية والعلمانية بأن الوقت الحالي هو وقت تكتلات وتجمعات ومحاولة تقديم رؤى أكثر عمقا ولملمة الصفوف حتى يتسنى للمواطن الاختيار بين مختلف البرامج الموجودة أمامه، ولا يقع في حالة من التيه بين العدد الهائل من الأحزاب الذي يصل ستين حزبا، أما على مستوى النتائج الكل يعرف ما هو واقع في الجزائر، كل الاستحقاقات التي مرت بالبلاد مطعون في شرعيتها، ولذلك ليس هناك مرجعية يمكن أن نقيس بها أوزان الاحزاب ما لم تكن هناك انتخابات حرة ونزيهة، ويبقى الحكم على حجم كل حزب مؤجلا إلى حين الولوج إلى الحياة الديمقراطية السليمة.
عبرتم عن رفضكم عهدة سياسية رابعة في الجزائر لرئيس الجمهورية عبد العزيز يوتفليقة، ما موقفكم من حصيلة العهدات السابقة؟
الرفض لم يكن بهذه الطريقة، نحن عبرنا عن موقفنا من العهدات السياسية، وقلنا إن حركة الإصلاح الوطني مع عهدة واحدة قابلة للتجديد، وهذا الذي ضمنّاه في مقترحاتنا المقدمة في مختلف المناسبات، وكذا في المشاورات حول التعديل الدستوري، هذا هو موقفنا لتكريس مبدأ التداول على السلطة الذي من المفروض أن تتضمنه وثيقة تعديل الدستور، الكل يرى ما يجري هذه الأيام من مآسٍ اجتماعية وغيرها، وما هو إلا تجلٍ لحالة الفشل التي وصلت إليها السياسات المتبعة بالبلاد، وهذا ما لا يختلف فيه اثنان.
برأيكم لماذا تم استبعاد الأحزاب السياسية من التمثيل داخل اللجنة؟
هذا النظام الأحادي يتسم بالاستبداد وله نظرة أحادية، هو الذي يصنع الدساتير والقوانين، ويضع المؤسسات نصب عينيه، الفرق هذه المرة هو أن رئيس الجمهورية أكد من خلال خطابه والتزم أنه سيشكل لأول مرة لجنة للتعديل الدستوري تكون مشكلة من الأحزاب السياسية والخبراء والتقنيين، نحن استبشرنا خيرا وقلنا إن هذا هو المطلوب، لأن الدستور ليس وثيقة تحكم فئة أو حزب وجماعة، بل كل الشعب الجزائري والفئات بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، لكن فوجئنا أن يتم تشكيل اللجنة من أساتذة كلهم معروفين باتباع إيديولوجية معينة، ومن الطبيعي أن نرفض هذا، وبالتالي إن لم يتم تدارك الأمر ومنح الأحزاب السياسية العضوية في هذه اللجنة، فنحن في حركة الإصلاح الوطني سنكون غير معنيين بأعمال هذه اللجنة لا من قريب ولا من بعيد، وإن طالبت منا الرأي سوف نقاطعها.
بالحديث عن المقاطعة، أي طريقة ستقاطعون بها مادام لستم أصلا أعضاء في هذه اللجنة؟
في العادة يشكلون لجان تعديل تكون رهن إشارتهم ثم يأتون بجموع الأحزاب والمنظمات الجماهيرية لتخريج عمل اللجنة لكي تظهر على أنها ديمقراطية اعتمدت على التشاور والحوار في تخريج وثيقة الدستور، فهذا العمل الشكلي الذي أسميته "الفلكلوري" نرفض الانخراط فيه، لذا إن سارت هذه اللجنة في استطلاع رأي الطبقة السياسية بعد التعديل نحن سنقاطعها.
هل ترون أن مرور التعديل الدستوري عبر مرحلة الاستفتاء الشعبي سيضفي عليه المشروعية؟
المسار الطبيعي والصحيح لإعداد هذا المشروع التمهيدي الذي سيعرض على الاستفتاء، كان لابد أن يمر عبر مشاورات تشارك فيها مختلف الاطراف، قبل الوصول إلى الاستفتاء كان لابد أن يتبع التوافق على أمهات القضايا التي سيحتويها هذا التعديل، بعدها تأتي مرحلة عرضه على البرلمان للمناقشة ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي، أما القفز على هذه المراحل وصناعة هذه الوثيقة في غرف مظلمة وتحت أعين أصحاب السلطة ثم الذهاب مباشرة لعرضه على الشعب يعد استخفافا بالشعب الذي سيكون غير معني بهذه الوثيقة.
هل تعتقدون أن البرلمان الحالي أهل لمناقشة هذا المشروع؟
البرلمان هو برلمان ناتج عن عملية غير ديمقراطية وانتخابات مطعون فيها، وهو مؤسسة مطعون في شرعيتها، لذلك فالبرلمان الحالي لا ننتظر منه الكثير، نحن في حاجة لتصحيح المسار الديمقراطي في الجزائر بحيث نعيد بناء المؤسسات ومنها المؤسسة التشريعية على أساس الشرعية والشفافية حتى يمكن لنا أن ننظر في هذه المشاريع التي تمر عليها بطريقة صحيحة، الأمور متشابكة فعلا، هل نعرض الدستور الآن أم بعد خلق مؤسسات شرعية، هذا أمر صعب، لذلك نحن فضلنا أن يقع التوافق بين كل التيارات الموجودة في الساحة بما في ذلك على أهم البنود التي ينبغي إدراجها في هذا التعديل قبل أن يعرض على الشعب، وعندما يكون توافق تسهل الأمور، والتجربة الموجودة في بعض البلدان العربية تؤكد هذا الطرح، وأن التوافق هو الركن الرسمي لبناء مستقبل ديمقراطي في الوطن العربي ومنها الجزائر إذا أردنا أن نمشي في مسار فيه استقرار، نتمنى أن السلطة تأخذ بعين الاعتبار ما وقع في بعض بلدان ثورات الربيع العربي، بحيث بقيت الأوضاع غير مستقرة في اليمن، سوريا وغيرها بالرغم من النصرة على المستبد، لكنها لا تستطيع أن تتوافق على الوثيقة السياسية التي هي الدستور، لما ندخل في صراعات جانبية هنا وهناك ونرفض رأيا أو رؤية فريق على حساب باقي الأطراف الأخرى، نعتقد أن مسعى التوافق فيه كثير من الحكمة وفيه كثير من الرشد، ندعو السلطة أن تغلب منطق الحكمة والعقل فيما يخص هذا المشروع حتى لا يكون هذا التعديل مصدرا لمشاكل بالبلاد.
حسبكم، ما هي التعديلات التي تفرض نفسها في هذا الدستور ومن الضروري المرور منها؟
نحن قدمنا وثيقة أعطينا فيها رأينا فيما يخص العهدات، النظام السياسي، التوازن بين السلطات، الفصل بين السلطات، استقلالية القضاء، الدور الحصري في التشريع بالنسبة للبرلمان، كيفية تعيين الوزير الأول على أن يكون من الاغلبية البرلمانية، تعزيز الدور الرقابي للبرلمان بحيث يمكنه أن يسحب الثقة من الحكومة إذا توفر نصاب ما، كما أعطينا رأينا فيما يخص النصوص القانونية التي لا تتلاءم مع الحريات الديمقراطية، منها موضوع الحرقة المجرّم لشباب هم في الأصل ضحية، وكذا تجريم الرأي والكلمة، حيث لازلنا نناضل لرفع تجريم الرأي على الإمام، لابد أن لا تبقى في التشريع الجزائري جريمة رأي، الديمقراطية لا يمكن أن تكون من دون حرية تعبير ورأي، ومن دون أحزاب ونقابات حرة، لاحظنا فتح المجال لتأسيس الأحزاب السياسية، لكن التضييق مازال موجودا فيما يتعلق بتأسيس المنظمات الجماهيرية أو النقابات العمالية، حتى وإن تم اعتمادها لا يتم الاعتراف بها، نريد أن ننتقل من حياة سياسية غير ديمقراطية إلى حياة سياسية ديمقراطية تكون حرية الرأي فيها سيدة الموقف.
هل في رأيكم سيمر الدستور على كل هذه النقاط، خاصة ما تعلق بطبيعة النظام السياسي والفصل بين السلطات؟
الوزير قال إنه لا حدود إلا الثوابت الوطنية، فهذا جيد ويعني أن كافة النقاط الأخرى ستكون خاضعة للنظر، لكن المنهجية خاطئة، أول شيء نسجله هو الضبابية والغموض المقصود حول النقاط التي سيتم تعديلها، وهذا لا يمكّن الرأي العام الوطني من النقاش والحوار، الحكومة لابد أن تفصح عن نواياها كي يتمكن المجتمع من حوار وطني تشارك فيه كل الشرائح.
بعيدا عن تعديل الدستور، يعيش المواطنون مشاكل اجتماعية من أزمة بطالة وأزمة سكن، يضاف إليها تدهور في القدرة الشرائية نتج عنه احتجاجات في عدة ولايات جنوبية، وبالمقابل هزت الجزائر قضايا فساد ومساس بالمال العام، من المسؤول عن هذه الوضعية وأين تكمن الحلول؟
المسؤول الأول هو الذي يسير أمور الجزائريين حاليا، الأمور واضحة وضوح الشمس، الآن ما يجري من اضطرابات اجتماعية خاصة عند الفئات الشبانية وما تعلق بموضوع الشغل والسكن، وبالمقابل المشاكل تعاظمت والحلول تأخرت، وهي تقع على عاتق المسير للشأن العام، لا يمكن للحكومة أن تتهرب من مسؤوليتها في هذا الموضوع، نعيب على السلطة تعاملها بشيء من الارتجالية وتقديم أنصاف حلول، بعد مدة ستظهر أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين أن الأجدر هو السعي لحلول جذرية نابعة عن دراسة حقيقية للمعضلة والمشاكل المطروحة، نحن بحاجة لحل وطني لمشكل وطني، فمشكل البطالة مشكل كل ولايات الجزائر والتجزئة في الحلول ستلغم الساحة الوطنية القادرة، وتجعل الأوضاع تنفجر في ولايات أخرى، فإذا نجحت الحكومة في الخروج بحلول نموذجية ستعطي طمأنة لباقي الولايات، وإن تعاملت بالحلول الجزئية، فهذا سيصدّر الاحتجاجات لباقي الولايات.
حاورته: نسيمة ورقلي