الوطن

بعد 50 سنة ... الجزائر لا تزال تنزع مخلفات الإستعمار

تدمير أكثر من 6 ملايين لغم من أصل 11 مليونا

 

 

*مخطط وطني للتكفل بضحايا الألغام

*الجزائر من بين الدول العشر الأكثر تقدما في المجال 

 

يبدو أنه من الصعب عودة الدفء للعلاقات الجزائرية الفرنسة ونسيان الماضي وطي صفحة الإستعمار، كما نادى به الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته الأخيرة للجزائر، بالنظر إلى أن الجزائر وبعد مرور خمسين سنة من الإستقلال لا تزال تحصد جرائم الإستعمار وتنزع مخلفاته في هذه الأرض، حيث قدمت وحدات الجيش الشعبي الوطني المكلفة بعملية إزالة الألغام تزامنا مع اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام أرقاما خطيرة، تتعلق بتدمير الألغام المضادة للأفراد منذ انضمام الجزائر إلى اتفاقية "أوتاوا" في 27 نوفمبر 2004، حيث تم اكتشاف وتدمير 900 ألف لغم مضاد للأفراد، و99 ألف لغم مضاد للجماعات. 

وأكد مدير المشروع الوطني لنزع الألغام العقيد حسن غرابي خلال ملتقى وطني نظم في إطار إحياء اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام وتقديم المساعدة في الاجراءات المتعلقة بتدميرها المصادف للرابع من أفريل، أن وحدات الجيش الوطني الشعبي المكلفة بعملية نزع الألغام تمكنت من إزالة أكثر من 900 ألف لغم مضاد للأفراد وما لا يقل عن 99 ألف لغم مضاد للجماعات منذ انضمامها إلى اتفاقية اوتاوا في 27 نوفمبر 2004. وأضاف أن الجزائر "لن تدخر أي جهد" للتوصل إلى عولمة هذه الاتفاقية بهدف التوصل إلى عالم دون ألغام، مؤكدا في هذا الصدد أن "انضمام الجزائر إلى مسعى هذه الاتفاقية ليس انضماما ظرفيا وإنما هو مساندة لقضية عادلة."

وذكر غرابي في السياق ذاته أن قرار زرع الألغام على طول الحدود قد اتخذه الجيش الفرنسي في الـ26 ديسمبر 1956، وأن وضع الألغام المضادة للأفراد قد تم الشروع فيه في الـ28 جانفي 1958 وتوقف مع دخول وقف إطلاق النار حيز التطبيق، مشيرا إلى وجود مرحلتين، الأولى تخص القضاء على آثار الاستعمار من 1963 إلى 1988 اما الثانية فبدأت في الـ27 نوفمبر 2004 ولا زالت متواصلة إلى يومنا هذا.

من جهته أكد رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي محمد الصغير باباس في مداخلة له خلال هذا الملتقى، أن الجزائر تعد من بين الدول العشر الأكثر تقدما في مجال نزع الألغام المضادة للأفراد، حيث قال إن الجزائر "جد متقدمة" في تطبيق الرزنامة الدولية الخاصة بنزع الألغام بفضل عملها المتواصل في هذا الاتجاه والقائم على "شراكة متكاملة تشكل نموذجا للتعاون بين مختلف الفاعلين في الميدان". موضحا في ذات الصدد أن الجزائر عملت ومنذ الإستقلال على بلورة "تعاون حقيقي امتدت دائرته لتشمل فاعلين آخرين ضمن المجتمع المدني" وهي "معركة لا بد وأن تستمر إلى غاية نزع آخر لغم"، لتتحول من البلدان المرجعية المصنفة ضمن الدول العشر الأولى في مجال نزع الألغام"، تطبيقا لمعاهدة أوتاوا التي تنص على حظر استعمال وتخزين وإنتاج وكذا تطوير ونقل الألغام المضادة للأفراد والتي تقضي بتدميرها سواء أكانت مخزنة أو مزروعة في الأرض.

وأضاف باباس بأن المجلس وبصفته جهازا استشاريا من مهامه تقييم السياسة الوطنية العامة في شتى المجالات قد أضفى على عملية نزع الألغام بعدا انسانيا أكبر مما كان عليه من منطلق كون هذه الجريمة الإنسانية معرقلا لتنمية الشعوب وتهديدا لأمنها وسلامتها.

مخطط وطني للتكفل بضحايا الألغام

هذا وأعدت منظمة "الاعاقة الدولية" الانسانية مخطط عمل للتصدي للألغام، حيث أكدت صاحبة المشروع سليمة رباح أن هذا ممول من قبل الإتحاد الأوروبي ويهدف إلى المرافقة الاجتماعية والترقية والتربية فيما يخص حقوق ضحايا الالغام ضد الأشخاص، وفيما يتعلق بإجراءات الدعم أشارت المسؤولة إلى أهمية تعزيز قدرات الجمعيات والاستمرار في جمع المعطيات وتقييم الاحتياجات، مؤكدة أن الجزائر لا تزال تعاني من عواقب الالغام ضد الأشخاص، حيث أن أكثر من 2,5 مليون من الألغام المضادة للأشخاص قد تكون مزروعة إلى حد الآن في الجزائر حسب تقديرات الحكومة. كما يرمي المشروع إلى تلبية حاجيات ضحايا الألغام ضد الأشخاص في حالة إعاقة مع الإستفادة من الأليات المقررة للتنفيذ خاصة من قبل معاهدة "أوتاوا"، ويقوم من جهة أخرى على تعزيز التكفل باحتياجات الأشخاص في حالة اعاقة وحتى ضحايا الالغام وعائلاتهم من ناحية العلاج وإعادة التربية والاستفادة من الأجهزة وإعادة الادماج الاجتماعي والمهني.

سجل جرائم الإستعمار لا يزال مفتوحا ومطلب الإعتراف لا يزال قائما

من خلال الأرقام الأخيرة التي قدمتها وحدات الجيش الوطني الشعبي يكون العدد الإجمالي للألغام المكتشفة والمدمرة إلى غاية 31 جانفي 2013 قد وصل إلى أكثر من 6 ملايين لغم، من أصل 11 مليون لغم زرعته الجيش الفرنسي الاستعماري على الحدود الشرقية والغربية للجزائر أي بمعدل 3 ألغام لكل جزائري أنذاك، والتي لا تزال تحصد أرواح الأبرياء إلى يومنا هذا بعد كل اتفاقيات الصداقة والتطبيع في العلاقات بين البلدين، ليبقى بذلك مطلب الشعب الجزائري حول اعتراف فرنسا بجرائمها قائما، مدام أن سجل هذه الجرائم الاستعمارية لا يزال مفتوحا ولم يغلق إلى يومنا هذا، بالرغم من محاولة فرنسا في العديد من المرات تقديم نفسها بمظهر المساعد للجزائر على تطهير أرضيها من الألغام التي زرعتها على طول حدودها، أهمها كان خلال الزيارة الشهيرة لقائد الجيوش الفرنسي، الجنرال لويس جورجلان إلى الجزائر سنة 2007، حينما قدم لنظرائه في الجزائر، ما أسماه بخريطة الألغام الاستعمارية، لكن رد المسؤولين السياسيين والعسكريين الجزائريين، كان وقتها، ردا واضحا وصائبا، عندما أوضحوا أن هذه الخريطة "المزعومة"، لا تمثل كافة الأراضي الجزائرية المزروعة بالألغام الاستعمارية الفرنسية، علاوة على عدم جدواها، بعد فوات الأوان، لأن الألغام ظلت تتحرك فترة طويلة فاقت الخمسين سنة. ليظل الضحايا وذويهم، يطالبون فرنسا التي تنادي بالحرية والإنسانية عند كل مناسبة من تاريخ الجزائر، بالاعتراف بجرائمها ومجازرها ضد شعب بأكمله.

سارة زموش

 

من نفس القسم الوطن