الوطن

المؤسسة القضائية الجزائرية بين المهنية والتسييس

اعتبره رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان النقطة السوداء

 

 

 

القضاء في الجزائر مسيس أو مهني؟!!.. سؤال يطفو على السطح في كل محطة يطرح فيها ملف ثقيل أمام المحاكم، ومؤخرا أصبح مطروحا بشدة واحتدم الجدال حوله وتضاربت الآراء حول استقلالية هذه الهيئة، أم هي خاضعة كغيرها إلى ضغوطات متنوعة ومتعددة بما فيها قناعات القضاة. وتخضع إلى الوصاية السياسية لأطراف متنفذة حتى بدون مناصب أو مواقع تنفيذية لتمرر العديد من الأوامر وفق أهوائها وما يتناسب مع مصالحها واستمرارها. 

إن المتابع لحال المؤسسة القضائية الجزائرية منذ الاستقلال يدرك أن هذه الأخيرة كانت ولا تزال خاضعة للجهات السياسية الحاكمة في البلد، ولا تمر أي قضية أو نقاش كبير في أحد الفضائح الكبرى إلا وتسلط فيه الضوء على دور القضاء، ولعل ابرز هذه القضايا هي فضيحة الفساد التي قام بها عبد المؤمن خليفة وأطلق عليها "فضيحة" القرن، هذا الاخير عبد المؤمن خليفة هذا الشباب الذي بطريقة أو بأخرى اتهم "بنهب مئات الملايين الدولارات من الدولة بتواطؤ مع اسماء مهمة تم التغطية عنها من طرف القضاء، في الوقت الذي تم فيه الدفع "بكباش فداء" لعدم كشف المستور، والملاحق رقم واحد والمتورطين معه يعيشون إما في السجن كما هو الحال لمؤمن خليفة، أو المتابعة القضائية، والبعض الآخر يعيش في حالة من الترف. القضاء الجزائري ينتمي إلى منظومة الحكم الشاملة في البلاد، وسط دعوات لإبعاد مجلس القضاء الأعلى عن السلطة التنفيذية تطبيقاً للمعايير الدولية في هذا الشأن.

ويرى المتابعون لهذا الشأن في الجزائر خاصة الحقوقيين منهم أن الحديث عن استقلال القضاء يطرح مبدئياً قياساً إلى السلطة التنفيذية، بمعنى مدى استقلال سلطة القضاة عن سلطة الجهاز التنفيذي. وعلى هذا الصعيد كان جهاز القضاء كمرفق عمومي، خاضعاً للهيئة التنفيذية برأسيها مؤسسة الرئاسة والحكومة. لا يمكن للقضاء الجزائري أن يكون بعيدا عن "التسييس" ونحن نعلم أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء المسؤول على المسار المهني للقضاة يرأسه رئيس الجمهورية، ونائب رئيس المجلس هو وزير العدل، عضو السلطة التنفيذية، وجزء من أعضاء المجلس الأعلى يعينهم رئيس الجمهورية.

لطالما استعملت الوزارات جهاز القضاء لوقف حق الإضراب، وكثيراً ما استعمل من طرف وزارة الداخلية للتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب، فضلاً عن أن النيابة التي تتبع لوزير العدل لا تحرك الدعاوى العمومية ولا تبادر بالتحقيقات في قضايا الفساد، إلا بإذن من السلطات العليا في الوقت الذي يجب أن تتحرك المؤسسة القضائية وفق المعطيات الموجودة، وهي التي تفرض ذلك عكس ما هو جاري في الجزائر وانتظار الأوامر الفوقية. 

الملاحظ أنه لم يسبق لمسؤول جزائري أن انتقد بشدة حالة القضاء في البلاد مثلما فعل رئيس اللجنة الإستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان التابعة للرئاسة الجزائرية فاروق قسنطيني، الذي اعتبر القضاء "النقطة السوداء" التي تحول دون تحقيق دولة القانون في الجزائر. القاضي مثلما هو معروف في الأعراف الدولية لا يجب أن يخضع في إصدار أحكامه سوى للقانون وضميره المهني. ولكن في الجزائر كل قضية تسيس وفق أهواء الاطراف التي تريد أن تخدم مصالحها ودائما ما يتم تعاطي القضاء مع الملفات الكبرى بنوع من التسييس وعدم البحث في الحيثيات والاكتفاء بمعالجة صغريات القضايا. السلطة القضائية في الجزائر ليست مهنية، هي جهاز من أجهزة النظام السياسي. القاضي الجزائري دائما ما يكون عرضة للضغوط من عدة اطراف ولا يمكن اتخاذ الاحكام من دون العودة إلى هذه الاطراف، هذا الامر اصبح معتادا، حتى أن الرأي العام الجزائري أصبح لا يثق في المؤسسة القضائية وما حدث في ملف الخليفة وما يحدث الآن من إثارة الفضائح الكبرى لسوناطراك، والتي تتوالى الواحدة تلوى الأخرى، وآخرها الاتهامات بنهب ملايير الدينارات من طرف وزير الطاقة السابق شكيب خليل وأحد معاونيه السيد بجاوي والذين ثبت تورطهما في فضائح كبرى، غير أن القضاء الجزائري لم يكن هو من أثار القضية بل إن تحقيقات اجنبية هي من اكتشفت سوء التسيير والرشاوى التي تلقاه هذان الأخيران، من هنا ندرك حجم الآفة التي يمر بها القضاء الجزائري، حيث انه يغض النظر على القضايا الكبرى فحتى لما قام باستدعاء 30 متهما في فضائح سوناطراك استثنى العقول المدبرة متمثلة في خليل وبجاوي. من هنا ندرك أن تسييس القضاء موجود وظاهر للعيان، والرأي العام أصبح يدرك أن القضاء الجزائري غير مستقل ويمشي وفق أهواء السلطة، في حين لا يمكن أن تبنى دولة من دون قضاء مستقل يضمن الاستمرارية. واصبح جليا للعيان أن القضاء الجزائري من خلال فتحه لقضية الخليفة مؤخرا وتزامنها مع فضائح سوناطراك وسرقة ملفات الفساد من مجلس قضاء العاصمة في رويسو، محاولة من أجل استرجاع الهيبة أو بالأحرى "العذرية المفقودة" منذ سنوات. 

فيصل شيباني 

 

من نفس القسم الوطن