الوطن

يوم النصر عندنا وذكرى النعي عند فرنسا!

ذكرى 19 مارس وأسرار التاريخ الغامضة

 

 

تاريخ 19 مارس من كل سنة ليس يوما عاديا عند الجزائريين فقط وإنما للفرنسيين كذلك. ففي وقت مضى كان هذا التاريخ عبارة عن عيد النصر واتفاقية إيفيان التي أفضت إلى استقلال الجزائر وخروج المستعمر الفرنسي، ولكن مؤخرا أصبح لهذا التاريخ رمزية عند الفرنسيين من خلال إقرار الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند 19 مارس يوما وطنيا للاحتفال بضحايا الحرب الفرنسية في الجزائر، وهو ما نال العديد من ردود الافعال داخل اليمين الفرنسي خاصة من طرف الاقدام السوداء والحركى وقدامى المحاربين.

 

واليوم تمر الذكرى الـ51 لعيد النصر وفي كل مرة تعود معها موجة من التساؤلات حول تاريخ الجزائر وفتح الارشيف الخاص بالثورة وتسليط الضوء على الكثير من المغالطات التاريخية التي لا تزال الى يومنا متداولة، فحتى ظاهرة كتابة المذكرات في الفترة الاخيرة من قبل الرجال الفاعلين في الثورة لم تأت بالجديد رغم أنها أحدثت ضجة كبيرة قبيل صدورها لكنها لا تحمل في طياتها العديد من الامور الجديدة التي عسى ان تكشف النقاب عن الكثير من الحقائق التي دارت في فلك الثورة خاصة نص اتفاقية ايفيان الذي مازال يكتنفه الغموض ويطرح الكثير من علامات الاستفهام. وما يثير الريبة أكثر هو لماذا هذا التستر عن مضمون الاتفاقية، وحول ماذا تدور باستثناء تقرير المصير، وما هي التنازلات التي قدمتها الجزائر مقابل الاستقلال. كلما عاد تاريخ 19 مارس عادت معه الذاكرة الى الوراء وبالضبط ماذا حدث بعد 19 مارس وهل أنهت اتفاقية ايفيان العنف في الجزائر، ولكن الجواب كان لا لم تنهه بصفة نهائية في الجزائر، بالعكس تمخض عن وقف القتال ردود فعل إجرامية إرهابية قامت بها المنظمة العسكرية السرية التي كانت تضم فرنسيين متشددين ومناهضين لفكرة استقلال الجزائر. فبالإضافة إلى استهداف عناصر من الجيش النظامي الفرنسي، قامت هذه المنظمة باغتيال عدد من المدنيين الجزائريين والفرنسيين في الجزائر العاصمة ووهران وعنابة حيث وقعت تفجيرات واغتيالات هدفها إفشال مخطط شارل ديغول القاضي بإعطاء الاستقلال للجزائريين. ولم يستتب الأمن بشكل نهائي إلا بعد الإعلان الرسمي لاستقلال الجزائر في الخامس من جويلية 1962. سؤال آخر حول اتفاقية ايفيان وهو هل احترمت فرنسا والجزائر اتفاقيات إيفيان؟ فحسب المؤرخ الفرنسي جون مونسيرون، فإن البرلمان الفرنسي أقر هذه الاتفاقية بأغلبية ساحقة، لكن الجزائر لم تتبع نفس الخطوة بسبب التغيير الذي حدث بقيادة الرئيسين السابقين أحمد بن بلة وهواري بومدين، على الحكومة الجزائرية الموقتة. تمر اليوم سنة بعد الخمسينية على استرجاع الجزائر سيادتها والبلد تمر بفترة غير مستقرة، فالتوتر الأمني في الجنوب يتطلع الواجهة وما حدث في تيقنتورين خير دليل على ذلك، فالجزائر أصبحت مستهدفة أكثر من أي وقت مضى، فالحرب في مالي والاستفزازات والمساومات من هنا وهناك بالإضافة إلى موقف الجزائر من التدخل العسكري في مالي وسعي بعض الدول إلى جرنا للمستنقع المالي خاصة في هذا الظرف الحساس والجبهة الاجتماعية على صفيح ساخن، ومشاكل الشغل في الجنوب والمطالبة بالتنمية تحتم على البلاد أن تتفطن للمؤامرات وضرورة إعداد أجندة تتضمن مشاريع دائمة والخروج من دوامة الحلول الطرفية وشراء السلم الاجتماعي. إن حنين فرنسا الاستعمارية الى الجزائر يراودنا من الجنوب الجزائري وكبرياؤها يبقى فوق كل شيء، والدليل على ذلك الموجة التي صاحبت اعتراف فرانسوا هولاند بمجازر أكتوبر 1961 في فرنسا والتي ذهب ضحيتها الكثير من الجزائريين كما أن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخرا إلى الجزائر والتي كان يأمل فيها الجزائريون اعترافا رسميا من هذا الأخير، خالفت كل التوقعات ولم تحمل أي جديد تجاه ملف الذاكرة، بل زاد الطينة بلة ووقف ضد الحل السلمي الجزائري ولغة الحوار في قضية مالي، وقاد التدخل العسكري في المنطقة. يتأكد للجزائريين من يوم لآخر أن فرنسا لن تعترف بجرائمها وعزز هذا الطرح ما قام به وزير الدفاع الفرنسي السابق جرار لونجوي والحادثة التي وصفت بالعار وأسالت الكثير من الحبر. 

فيصل شيباني 

 

من نفس القسم الوطن