اقتصاد

"الجنوب الأخضر" .. مستقبل واعد لاقتصاد رائد

ثورة زراعية تشهدها الصحراء الجزائرية

تنشد الجزائر خلال السنوات الأخيرة وعبر التزامات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى الإمساك بخيوط التنمية المستدامة والإقلاع الإقتصادي من الجنوب الكبير، ولعل المتتبع لهذا الشأن يجد حتما أن السلطات العليا في البلاد قد وضعت استراتيجية ناجحة لتحقيق اقلاع اقتصادي يشمل مختلف المناحي والمجالات، كما ستقود الجزائر لصعود مدارج النهضة التنموية الحقيقية بكفاءة الأبناء ومقومات الأرض المسقية بدماء المجاهدين والشهداء .

إن الجزائر الجديدة التي تخوض معركة كسب رهان الاستقلالية الاستراتيجية ماضية قدما في تحقيق هذا الهدف، من منطلق أن صون السيادة الوطنية يرتكز مثلما تحدث عنه رئيس الجمهورية في خطابه الأخير الذي القاه بمقر وزارة الدفاع الوطني على جيش قوي مهاب واقتصاد متطور، وهي رسالة أو بالأحرى مقاربة هامة تؤكد على أن الجزائر الجديدة ليست شعارا بل مشروعا بدأت ثماره تؤتي أكلها، من خلال ابرام اتفاقيات مع شركات رائدة ومنح آلاف العقارات الفلاحية في الجنوب لفائدة المستثمرين من أجل تعزيز الجهود الخاصة بتحقيق وربح معركة الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي وتحديدا في مجال الحبوب، ومنحهم رواقا أخضرا لتسهيل الحصول على العقار ورخص الآبار والربط بالكهرباء على مستوى ديوان تنمية الزراعة الصناعية بالأراضي الصحراوية والذي أعلن عنه وزير الفلاحة والتنمية الريفية، يوسف شرفة بمناسبة اللقاء الوطني حول الاستثمار الفلاحي بولايات الجنوب شهر ديسمبر من السنة الماضية.

 إستراتيجية متكاملة لتطوير الزراعة الصحراوية

 في وقت تعدّ الزراعة ثاني أكبر قطاع في البلاد بعد النفط، ويساهم بنسبة 12.4% من إجمالي الناتج المحلي الخام بقيمة 25 مليار دولار سنويا، حيث تمكن من تحقيق متوسط نمو في العقد الأخير وصل إلى 2.7%، مع تغطية الاحتياجات الغذائية للبلاد بنسبة 73%، سطرت الدولة استراتيجية لتطوير الزراعة الصحراوية، من خلال  تفعيل 42 ألف مستثمرة فلاحية في الصحراء الجزائرية الكبرى، ووضع قرابة 170 ألف هكتار من الأراضي الصحراوية تحت تصرف المستثمرين في مجال الفلاحة، عبر ديوان تنمية الفلاحة الصناعية في الأراضي الصحراوية، حسب قرار وزاري مشترك نشر في الجريدة الرسمية رقم 54،وكذا ابرام  اتفاق إطار مع شركة "بلدنا" القطرية لإطلاق مشروع متكامل لإنتاج الحليب المجفف بقيمة 3.5 مليار دولار، الذي سيقام على مساحة إجمالية بأكثر من 100 ألف هكتار، مقسمة على مزرعة لإنتاج الحبوب والأعلاف، ومزرعة لتربية الأبقار وإنتاج الحليب واللحوم، ومصنعا لإنتاج مسحوق الحليب ، كما يهدف إلى انتاج 50 في المائة من احتياجات الجزائر من مسحوق الحليب محليا، إضافة إلى تزويد السوق المحلية باللحوم الحمراء، والمساهمة في زيادة عدد رؤوس الأبقار في الجزائر البالغ حالياً نحو مليون رأس.

وبعد مشروع "بلدنا" تداولت تقارير إعلامية، مؤخرا، موافقة السلطات الجزائرية على ثاني مشروع فلاحي ضخم مع شريك أجنبي هو شركة بونيفيكي فيراريزي الإيطالية، سيتم تنفيذه في ولايتي أدرار وتقرت لإنتاج القمح والبذور، وفق أحدث التكنولوجيات، على مساحة أولية بـ36 ألف هكتار في أعقاب محادثات أجراها مؤخرا وزير الفلاحة والتنمية الريفية، يوسف شرفة، مع فابريتسيو ساجيو، المستشار الدبلوماسي لرئيسة مجلس الوزراء الايطالي جورجيا ميلوني، الذي زار الجزائر مؤخرا، أين تطرق الطرفان  إلى ملف التكوين والتعاون التقني في مشروع السد الأخضر وكل ما يتعلق بمكافحة التصحر وتثبيت الكثبان الرملية والتكيف مع التغيرات المناخية.

إن هذا المسعى فرضته حتمية بناء اقتصاد وطني قوي، متنوع، مدر للثروة ويحصن الأمة من التبعية للخارج وللمحروقات وهو ما حرص على التأكيد عليه رئيس الجمهورية في خطاب تنصيبه ، كما  ينم أيضا عن الوعي بخطر التحولات الجيوسياسية، فهذا التوجه ما فتئ رئيس الجمهورية يؤكد عليه في مختلف المناسبات ويترجم أيضا على ارض الواقع منذ إطلاق تعهداته ال54 حيث التزم حينها  بوضع خطة لتحديث الفلاحة وتطوير الإنتاج الحيواني والصيد البحري لضمان الأمن الغذائي.

 مردود قياسي في شعبة الحبوب

 حققت الجزائر مردودية قياسية ،في انتاج القمح الصلب خلال السنة الجارية ، بلغت 70 قنطارا في الهكتار الواحد في حين عرفت المساحات المزروعة بذات المنتوج تزايدا ملحوظا في السنوات الاخيرة، حيث تسعى السلطات إلى مواصلة رفع مردود الإنتاج وتعزيز مكانتها في هذا المجال عن طريق برامج حكومية لتشجيع الفلاحين، بهدف الحد من الإستيراد  وتعزيز الأمن الغذائي .

وبلغة الأرقام  يتوقع إنتاج أكثر من مليون قنطار من مختلف أنواع الحبوب برسم حملة الحصاد للموسم الفلاحي الجاري التي تتواصل بولاية أدرار، حسبما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية عن مديرية المصالح الفلاحية بالولاية، حيث تبلغ المساحة المزروعة الإجمالية من الحبوب خلال هذا الموسم الفلاحي أزيد من 22.950 هكتارا منها 17.249 هكتار تحت الرش المحوري وباقي المساحة عبارة عن الزراعة الواحاتية بزيادة في المساحة قدرت بنسبة 20 بالمائة مقارنة بالموسم الفلاحي الفارط.

 وتتوزع مختلف أصناف الحبوب المزروعة تحت الرش المحوري على ما يفوق 16.000 هكتار للقمح الصلب يتوقع منها إنتاج أزيد من 800.230 قنطار و 136 هكتار للقمح اللين بتوقع إنتاج أزيد من 5.000 قنطار إلى جانب 377 هكتار للشعير و 45 هكتار للخرطال بمردودية إجمالية لهذه الأصناف قدرت بـ 47 قنطار في الهكتار الواحد، حسب ما أشير إليه،كماتشير المعطيات الشاملة المتعلقة بمقومات الولاية في مجال الزراعة إلى توفرها على مساحة فلاحية إجمالية تفوق 653.640 هكتار منها أزيد من 180.000 هكتار في إطار الإمتياز و 54.500 هكتار تحت إشراف ديوان تطوير الزراعات الصناعية بالأراضي الصحراوية الذي يقع مقره بولاية المنيعة، و أزيد من 399.000 هكتار في إطار الحيازة على الملكية العقارية و 17.000 هكتار في القطاع التقليدي الواحاتي،و تقدر المساحة المستغلة من تلك المساحة الإجمالية حوالي 40.000 هكتار موزعة عبر مختلف المحيطات الفلاحية منها أكثر من 38.000 هكتار مسقية بما يعادل 2 بالمائة من مجمل المساحة الفلاحية بالولاية، مثلما تم توضيحه.

وفي توقرت انطلقت حملة الحصاد والدرس وسط توقعات بإنتاج ما مجموعه 17.712 قنطار من مختلف أصناف الحبوب، وتقدر إجمالي المساحة المزروعة بحوالي 584 هكتار موزعة على عشر مستثمرات فلاحية تنشط في هذا النوع من الزراعة الإستراتيجية بالولاية، حيث يتصدر القمح اللين الحصة الأكبر من المساحة المزروعة بواقع 290 هكتار, يليه الشعير بمساحة 5ر224 هكتار،بينما خصصت مساحة زراعية قوامها 70 هكتار للقمح الصلب والخرطال،ولضمان السير الحسن لهذه الحملة ونجاحها وفرت  السلطات كافة الوسائل المادية والإمكانيات البشرية وكذا الدعم اللوجيستيكي اللازم، حيث تم تسخير ما لا يقل عن 56 شاحنة وثماني حاصدات وخمسة جرارات وخمسة آلات ربط التبن، إلى جانب تخصيص نقطة تجميع بسعة تخزين تقدر 40 ألف قنطار.

 وفي هذا الصدد، أبرز والي الولاية، عثمان عبد العزيز، أهمية هذا النوع من الاستثمارات الفلاحية الذي من شأنه أن يعزز جهود الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من مختلف المحاصيل الزراعية الإستراتيجية،مؤكدا في نفس السياق, على ضرورة مضاعفة الجهود لتوسيع المساحات المخصصة لزراعة الحبوب والعمل على رفع قدرات التخزين بالولاية والانخراط أكثر في مساعي تحقيق الأمن الغذائي.

وفي المنيعة ينتظر تحقيق إنتاج يفوق 850 ألف قنطار من مختلف أنواع الحبوب مع نهاية حملة الحصاد والدرس لموسم الفلاحي الجاري ، أين كانت إشارة انطلاق الحملة قد أعطيت من قبل والي المنيعة مختار بن مالك في مستثمرة "الإخوة طهيري" ببلدية حاسي القارة بجنوب الولاية والتي تتربع على مساحة 700 هكتار منها 450 هكتار مخصصة لتكثيف البذور و70 هكتارا مخصصة لزراعة النخيل المثمر، كما تضم المستثمرة11 مرشا محوريا وخزانين  للحبوب بسعة 10 آلاف قنطار.

وأكد الوالي أن 90 مرشا محوريا سيدخل حيز الخدمة مع حلول الموسم الفلاحي القادم، مبرزا بذات المناسبة أن ولاية المنيعة تمون زهاء 13 ولاية بالبذور وفقا للمخطط المسطر من طرف المصالح الفلاحية،مشيرا إلى أن الديوان الجزائري المهني للحبوب سخر بالتنسيق مع تعاونيتي الحبوب والبقول الجافة بالمنيعة والأغواط كافة الإمكانيات المادية والبشرية لمرافقة حملة الحصاد والدرس، حيث تم توفير ما يفوق 160 شاحنة وأكثر من 16 آلة حصاد، كما تتوفر بعض المستثمرات الخاصة على عتاد فلاحي يتمثل في 44 آلة حصاد.

والجدير بالذكر  أن الجنوب الجزائري الكبير يتوفر  على إمكانيات هائلة في القطاع الفلاحي مما يؤهله لأداء دور ريادي في تحقيق مردودية ذات جودة في شتى المحاصيل الزراعية، مما يستوجب بذل المزيد من الجهود لترقية فرص الاستثمار في هذا القطاع وتنويع الإنتاج في شتى الشعب الفلاحية  التي تعتبر اليوم سلة غذاء الجزائريين، ومن بين هذه المناطق على سبيل الذكر أدرار ، وادسوف ، تيميمون ، المنيعة اليزي ، بسكرة وغيرها من المناطق التي فجرت فيها الوصاية ثورات زراعية حقيقية، بحيث استطاع فلاحوها تبوّء المراكز الأولى وطنيا في إنتاج العديد من المحاصيل الزّراعية المختلفة، على غرار البطاطا، الطماطم، الفول السوداني، والثوم، إضافة على تحقيق إنتاج جد معتبر من التمور ذات النوعية الممتازة، الزيتون، البصل، الخس، البطيخ، الفلفل واليقطين، وغيرها من المنتجات ذات الاستهلاك الواسع.

القافلة تسير وبيادق المخزن تنبح

بعد أن جادت الصحراء بجبال من القمح وظهرت في الصور محاصيل مترامية بعد حصادها بولاية أدرار، تفاعل ناشطون جزائريون بفرحة وإشادة مع صور المحاصيل الهائلة التي تؤكد أن الجزائر باشرت ثورتها الزراعية في صمت حيث أوضح الرئيس تبون في تصريحات سابقة أنه منذ الثمانينات حينما انطلقت الجزائر في استصلاح الأراضي لم نصل إلى الآن سوى لـ 100 ألف هكتار،ولأول مرة منذ الاستقلال  حددت الجزائر هدفا واضحا يتمثل في تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح سنة 2025.

إن طريق النجاح الذي تسلكه جزائر الشهداء أضحى شوكة في حلق المخزن الذي لم يتوقف يوما عن الإدعاءات الكاذبة وآخرها السقطة الإعلامية لقناة تابعة لجار السوء الذي زعم وأدعى ان ما بثه التلفزيون الجزائري من مشاهد الحصاد ليست سوى مجرد معطيات صادرة عن الذكاء الاصطناعي، حيث ذهبت هذه القناة الى اعتبار تلك الصور مفبركة وغير واقعية وصادرة عن الذكاء الاصطناعي، مواصلة تحاملها على الجزائر في مشهد كاريكاتوري جعل من الاعلام العالمي يتساءل عن اسباب هذا التحامل المخزي الذي يصلح عليه القول الماثور "القافلة تسير والكلاب تعوي".

إن هذا العداء المخزني الذي  يصور نفسه انه دولة زراعية، ويتغنى بمنتجاته من القنب الهندي الذي وسع من رقعة زراعته رسميا الى 8 اضعاف، لدليل قاطع على أن هذا النظام قد فقد البوصلة فعلا وظل الطريق كليا يبيت ويستيقظ كل يوم على تدبير الدسائس وإعداد القصص ونسج الأكاذيب والمغالطات ضد الجزائر لإخفاء الكارثة الاجتماعية والاقتصادية البارزة لعيان العالم بأسره من جراء سياسة نظام فضل توظيف جهود ووسائل الدولة للتأمر على بلد جار على حساب راحة مواطنيه وتلبية متطلباتهم، فشتان بين بلد ينتج الحبوب ونظام يتباهى بانتاج السموم .

من نفس القسم اقتصاد