الوطن

جمعية العلماء المسلمين.. ستون عاما من الدفاع عن ثوابت الأمة

وسعت من أدوارها المجتمعية

كانت جمعية العلماء المسلمين خزّانا للثورة التحريرية المباركة بإطاراتها، وداعما قويّا لمسارها بالمواقف والبيانات، كما كانت الجمعية ولا تزال تجتهد بالمواقف والتوعية والتعليم والنّصح في تكوين جيل يكون قادرا على حمل همّ هذا البلد، والدّفاع عن ثوابت الأمّة تماما كما كان عليه الوضع مع بزوغ شمس الاستقلال في 1962، واضعة شعار "تحرير الأذهان مقدم على تحرير الأبدان" كمرجعية لها، وغداه الاستقلال أسهمت الجمعية في استعادة الوعي والهوية العربية الإسلامية للجزائر التي أريد لها أن تكون فرنسية طوال قرن وربع القرن من الاحتلال.

  • طلبة العلماء المسلمين قادة أوّل دخول مدرسي في جزائر الاستقلال

وفي إطار هذا الهدف، قاد طلبة جمعية العلماء المسلمين أوّل دخول مدرسيّفي جزائر الاستقلال الذي كان في أكتوبر 1962، ولو بشكل غير رسمي، إذ أنّ السّلطات الجزائرية غداة الاستقلال كانت أمام تحدّ اتاحة التعليم لكافة الجزائريين، وتقرّر إجراء أوّل دخول مدرسي بعد أشهر قليلة من ذلك، غير أنّ رصيد المتعلمين كان غير كاف للوصول إلى الهدف الرئيسي وذلك لأسباب عدّة أبرزها: أنّ أغلب المعلّمين على قلّتهم كانوا فرنسيين وغادروا عائدين إلى بلدهم، أمّا الجزائرييّن فكانوا يعدّون على رؤوس الأصابع، فتمّ تكليف عدد من الإطارات من صفوف جيش التحرير الوطني حسب المنطقة لرصد كل من يمكنه أن يكون مساهما في التعليم في تلك الفترة وإنجاح تحدّي تمدرس كل أبناء الجزائر في أوّل دخول مدرسي بعد الاستقلال، ولأنّ المهمة كانت صعبة فكانت الفكرة ترتكز على التوجّه صوب طلبة مدارس جمعية العلماء المسلمين فلبى العشرات منهم هذا النداء.

ويؤكّد مدير المركز الوطني للأرشيف ومستشار رئيس الجمهورية المكلّف بملف الذاكرة عبد المجيد شيخي هذا الطّرح إذ قال إنّ تعليمات تكون قد أعطيت له في تلك الفترة لاختيار ضمن منطقته من يمكنه أن يساهم في ضمان تمدرس أطفال الجزائر في أول دخول مدرسي بعد الاستقلال، ولأنّ الانطلاقة حينها كانت ستكون من الصفر ولقلة الأساتذة تم اللجوء لاقتراح بعض طلبة الجمعية للمساهمة في إنجاح هذا المسعى الذي استمر إلى غاية السبعينات، أي إلى حين تخرج دفعات من الطلبة من الجزائريّين.

  • إرث نضالي عريق آخذ في التقدم

هذه المساهمة على قلّتها إلا أنّه يمكن اعتبارها خطوة مهمة في تاريخ الجزائر المستقلة وقت ذاك. ويوضّح الباحث في مركز الدّراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 العيد عمي في دردشة له مع "الرائد": أنّ جمعية العلماء المسلمين "عملت مع بداية الاستقلال على القضاء على مخلفات الاستعمار السلبية من مظاهر الجهل والتخلف والفقر، التي حاول الفرنسيون غرسها في أجيال المستقبل".

ويمكن اعتبار ما قامت به الجمعية تحديّات دائما ما كانت ترتبط بكيان الدولة، خاصة وأن رهانها كان على العلم، فلم تكن الجمعيّة مثل باقي أقرانها من المنظمات الوطنيّة والجمعيات التي تواجدت في تلك الفترة والتي انحصر دورها في مناطق دون أخرى، ولا رافعت لصالح مجال دون مجال آخر بل المتتبع لمسار هذه المؤسسة المجتمعية إن صحّ القول يتوضح له أنّ الأثر الذي ناضلت لأجله كان عميقا ومتجذّرا في المجتمع الجزائري بعد أن ابتعدت كل البعد عن الخطاب السياسي الذي يرهبه عموم النّاس، وركزت على خطاب العقل الذي يراهن على الدين، والوطن والتّاريخ واللّغة والعلم، وهي ركائز لعبت دورا هاما فيما تحقق في جزائر اليوم.

كما لم تؤثر الهوة التي حدثت بين جمعية العلماء لفترة ما بعد الاستقلال وما قبلها والتي أدّت إلى توقيف مجمل نشاطاتها بما فيها التربوية من 1963 إلى غاية 1989 على التأثير القوي للجمعية في المجتمع الجزائري بما فيها حين تم تجميد مختلف الأنشطة الفكرية والتربوية على الجمعية، وكل الفعاليات الأخرى ما أدّى نظريّا إلى تقلّص حضورها إلى غاية بداية التسعينيات من القرن الماضي،أين صدر قانون تأسيس الجمعيات والذي معه عادت الجمعية إلى النشاط بشكل قوي وملفت.

  • إيديولوجية لم تتغير منذ أزيد من نصف قرن

وضمن هذه المساعي والمكتسبات سطرت الجمعية أهدافا واضحة، في مقدّمتها تثبيت هوية الجزائر الإسلامية وفق شعارها المعروف "الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا"، فعملت الجمعيّة خلال الستّون عاما الماضية على إخراج الشّعب الجزائري من ظلمات الجهل إلى نور العلم، والاستعداد الكامل لمواجهة الإرث الذي خلّفه الاحتلال الفرنسي، ويؤكد على هذا الكلام منخرطواومناصرواالجمعية،فحسب هؤلاء فقد صنعت الجمعية على مدار هذه السنوات من النضال تاريخا دعويا وعلميا ونضاليا ضخما، رغم كل محاولات زعزعة استقرارها الداخلي كمؤسسة مجتمعية توعويّة، فأدّت جمعية العلماء المسلمين منذ الاستقلال وإلى غاية الآن دورها كما يجب أن يكون وهو ما يؤكد عليه البروفيسور والباحث في حوار الأديان والحضارات الأستاذ الدكتور محمد بوالروايحالذي استعرض في تصريحات لـ "الرائد'' الظروف التي تأسست فيها الجمعية واصفا إياه بأنّه ظرف تاريخي "حرج" تعرضت فيه الأمة الجزائرية لهجمة شرسة قادها الاستعمار وأعانه عليها أبواقه وأذنابه في الداخل والخارج، كانت فيها تستهدف العناصر الحية في جسم هذه الأمة وهي الإسلام والعروبة والوطن، ولذلك كانت الحاجة ماسة لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتكون سدّا منيعا يسهم إلى جانب الجمعيات الوطنية الأخرى في صدّ الأخطار المحدقة بالجزائر من خلال تكوين جبهة وطنية موحدة يلتقي فيها الوطنيّون من كل المشارب السياسية تكون عصية على الاستعمار وتفسد مخططاته وما يدبره بالليل والنهار. وفعلا كان تأسيس جمعية العلماء المسلمين التي استقطبت شرائح اجتماعية كبيرة عاملا أساسيا في تعزيز الصف الوطني ضد غلاة الطرقية والاندماجية والفرنسة الذين لا يرون مستقبلا للجزائر إلا في ظلّ ما يسمّونه الأفكار النيّرة التي حملتها فرنسا إلى الجزائر وإلى الشمال الإفريقي عموما.

  • دور بارز في صناعة النخب وإصلاح المدرسة الجزائرية

ولأنّالجمعية وضعت صناعة النخب الوطنية هدفا لها فقد ساهمت ولا تزال تساهم في إصلاح المدرسة الجزائرية وتكوين العنصر البشري الوطني تكوينا نهضويا، وتملك جمعية العلماء المسلمين مجموعة مدارس أنشأت منذ تأسيسها قبل سنوات الاستقلال ولا تزال قائمة إلى غاية الآن في مختلف ربوع وطننا الشاسع، ومن أمثلة المدارس التي كان لها أثر مجتمعي كبير لا يزال لغاية اليوم تلك التي أنشئت في ولاية قسنطينة والمسمّاة''مدرسة التربية والتعليم''، مدرسة ''الشبيبة الإسلامية بالجزائر''، ''مدرسة تهذيب البنين'' بتبسة و''مدرسة الفتح الإصلاحية'' بغليزان، كما لم تكتف بدورها التربوي والتعليمي داخل الوطن، بل امتدت جهودها إلى فرنسا أين ترافق أبناء المهاجرين الجزائريين عبر لجانها التي أسستها في عدّة دول التي بها الآلاف من أبناء الجالية لصالح ذات الأهداف.

  • لجان الإغاثة... عندما تتجند العلماء باسم الجزائر

ويمثّل الجانب الإنساني مجالاً آخر لنشاط جمعية العلماء المسلمين فخلال ستون سنة من الاستقلال كان للجمعية دورا هاما وبارزا في العمل الإنساني والنشاط الخيري داخليا وخارجيا باسم الدولة الجزائرية، حيث تجندت الجمعية عبر لجان إغاثة كانوا يظهرون في الأوقات العصيبة خاصة التي تمر بها الدول التي تساندها الجزائر، كالقضية الفلسطينية وقضية الجمهورية العربية الصحراوية وأخرى غيرها، حيث أطّرت خلال ستون سنة من الاستقلال المئات من قوافل الدّعم والمساعدة والإغاثة بما جاد بها الخيرون من أبناء الجزائر، فكانت هذه القوافل رسائل سلام وأمان ودعم وأخوة ليس من جمعية العلماء المسلمين ولا من المتبرعين بل كانت بمثابة رسائل لأشقائنا من الجزائر دولة وشعبا، وفي مقدمتها حملات الإغاثة الضخمة التي سيّرتها الجمعية لقطاع غزة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على مدار سنوات عدّة أبرزها تلك التي نظمت في سنوات2010، 2014، 2017، 2019، كما قادت حملة إغاثة ودعم لشعب الروهينغا الذين كانوا يعانون في صمت وأسمعت بهذه الحملة التي تمت آخرها في 2019 صوت هؤلاء المعذبين والمضطهدين في عقيدتهم ودينهم وأبدانهم وصحتهم في خطوة تحسب لهم في التاريخ.

الجمهورية العربية الصحراويةأيضا أدرجتها لجنة الإغاثة بجمعية العلماء ضمن القضايا التي تخصّها دائما بالدعم والتضامن والمساعدة فسيّرت الجمعية عدة قوافل إلى هناك، بل وأنجزت مشاريع هامة هناك باسم الدولة الجزائرية منذ سنوات طويلة وهي مستمرة إلى اليوم، ضمن مسارات توافقية لسياسة الدولة الجزائرية التي تناصر هذه القضية العادلة.

  • قوافل الخير لجزائر الخير

على المستوى الداخلي لم تتخلّف الجمعيّة عبر لجان الإغاثة التابعة لها عن أداء الواجب الوطني كلما دعت الحاجة لذلك، فخلال الأزمات التي عاشتها بلادنا في الستين سنة من الاستقلال كانت حاضرة في مختلف هذه المحطّات سندا وداعما ومساندا لكل المبادرات التي يقودها الخيّرون من أبناء هذا الوطن، ولعلّ أبرزها بالنسبة لنا كجيل حالي تلك الهبّة التضامنية التي قادتها خلال الأزمة الصحيّة الأخيرة التي خلّفها تفشي فيروس ''كورونا'' أين انخرطت في العمل التضامني وتمكّنت من مساعدة أبناء الوطن على تجاوز تلك الجائحة، إضافة إلى المساعدات التي تقودها في الأعياد والمناسبات الدينية كالشهر الفضيل فكانت مبادرات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمثابة مبادرات خير لجزائر الخير.

  • إرث عظيم

ومع انطلاق شرارة الحراك الشعبي المبارك أعاد الشعب الجزائري وخاصة الطلبة والشباب مشروع ''جمعية العلماء المسلمين'' قبل أكثر من ثمانية عقود، إلى الواجهة من خلال رفع صور وشعارات الراحل ''عبد الحميد ابن باديس''وفي مقدّمتها "شعب الجزائر مسلم.. وإلى العروبة ينتسب"، وما بات يسمى بـ "المشروع النوفمبري الباديسي"، وهو المشروع الذي تماهى فيه الجزائريون مع مؤسسته العسكرية، صانعين من خلاله بصيصا من الأمل في إحياء جذوة الحق الذي غيّب في مرحلة سابقة من تاريخ البلاد.

وبالعودة إلى هذه الفترة التاريخية الحسّاسة التي عاشتها بلادنا، برزت الجمعيّة  كمشروع وكمؤسسة لمدّ يدها إلى جميع الوطنيّين الذين يعملون لإخراج الجزائر من أزماتها ولم تتراجع الجمعية عن أدوارها بل ظهر جليّا وبات أكثر وضوحا حضورها في كل المبادرات التي انطلقت مع شرارة الحراك الشعبي وإلى غاية اليوم ترجمه انخراطها في الحوار التشاوري الذي أطلقه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في 2020حول تعديل الدستور آن ذاك، أين قدّمت الجمعية تصورها لكيفية مساهمتها في التصدي للتحديات بالتمسك ببيان أول نوفمبر مرجعا ثابتا ومصدر إلهام للجميع، يحفظ ثوابت الأمة ومقوماتها ويصون قيمها، وهي خطوات تعلن صراحة أن الجمعية تحمل  كما كانت في السابق مشروعا نهضويا إصلاحيا داعما لأي مسعى يخرج الجزائر من الأزمات التي تعيشها.

ويتفق الباحث الأستاذ والدكتور محمد بوالروايح مع هذا الطرح إذ أكد أنه ليس غريبا حضور شخصيات الجمعية في النقاش الوطني ولا يعد هذا خروجا عن خطها بل تأكيدا له فجمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية وطنية ومن غير المعقول أن تبقى أو تبقي نفسها على الهامش أو تلتزم الحياد حيال القضايا الوطنية المصيرية فالحياد في هذه المواضع في اعتقادي شكل من أشكال التخلي عن الواجب الوطني.

ويؤكد الكثيرون على أن مشاركة شخصيات ''جمعية العلماء المسلمين الجزائريين'' في النقاش الوطني ميزها على الخصوص حرص الجمعية على احترام ثوابت الأمة وهذا تجسيدا لالتزاماتها الأخلاقية التي تضمنها القانون الأساسي للجمعية، فمشاركتها في النقاش الوطني ليس من أجل تسجيل الحضور بل من أجل توصيل فكرتها وإبداء رأيها بشأن القضايا المصيرية للأمة الجزائرية.

  • مواقف ناصعة في زمن التحولات

وظهر البعد الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،أيضا في حضورها في النقاشات الوطنية المصيرية واستعدادها لتقديم المقترحات الضرورية في هذا الاتجاه، دون التخلي عن مبادئها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم النّصيحة للحاكم والمحكوم، حفاظا على الاستقرار الوطني والتماسك الداخلي.

وأيضا يتجلى هذا البعد في نشاطاتها الوطنية وحضورها الدائم لتلبية نداء الوطن، وتجلى هذا البعد أيضا في أن كل نشاطاتها الفكرية تصب في خانة ترشيد الفكر الديني وإصلاح التديّن من أجل تهيئة المجتمع الجزائري لمواجهة التيّارات الدّخيلة والمغرضة، فرغم أنّ رئاسة الجمعية مرّ عليها شخصيات عدّة إلا أنّ المسيرة والأهداف والتحديات بقيت ذاتها.

ورغم تغيّر الظروف بين مرحلة الاستقلال واليوم ظلّت الحاجة إلى جمعية العلماء المسلمين ضرورة لا غنى عنها وخاصة في ظلّتوسع تيارات التغريب التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد.

وتؤكد أستاذة التاريخ والحديث والمعاصر لمياء كيروش لـ"الرائد" :''إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، خلال ستون سنة من الاستقلال تكون قد ضربت للجزائريين جميعا أروع المثل في الدعوة إلى التعايش على أساس التسامح والاختلاف، ومدّ الأيدي الطاهرة النظيفة، لبناء الوطن، وتمكين وطننا الغالي من تحقيق الرفاهية، والاستقرار، والنمو الشامل لصالحه كدولة ولنا كشعب، ذلك أنها تبقى الرقم الهام في المعادلة الوطنية الكاملة''.

مؤخرا وقفت الجمعية، في وجه التصريحات العدائية للرئيس السابق للاتحاد العالمي لجمعيّة العلماء المسلمين أحمد الريسوني عقب الفتنة التي أطلق سمومها تجاه الجزائر ووحدتها الترابية قربانا لساكني "البلاط" في المغرب، فلم تكتف الجمعية ببيانات التنديد والمطالبة بالاعتذار فقط بل شنت حملة للردّ على ما بدر من الريسوني وعجلت بتجميد عضويتها في الاتحاد الدولي واستعملت كل الوسائل للضغط عليه لتقديم استقالته وهو ما رضخ إليه في الأخير، وكل هذه التحركات التي قادها العلماء الجزائريين لم تكن إلا تأكيدا آخر على انخراطها في الدفاع عن مبدأ وطني شامل لا يقبل المساومة.

ويقول حكيم. س وهو متابع مستمر وعنصر فاعل في الصفحة الرسمية لجمعية العلماء المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي في دردشة له مع "الرائد" :''أنه يظهر للبعض أن الجمعية اليوم تكاد تختفي من المعادلة الوطنية، وأن أدوارها قلّت لكن هذا غير صحيح لأن هناك في الأصل لفرق واضح بين نتيجة الأمس واليوم، هي الفرق في نوعية رجال الأمس ورجال اليوم، وفرق في طموحات الدولة بين الأمس واليوم وفرق بين الرهانات وطبيعة المجتمع والتحديات التي تعرفها بلادنا داخليا وخارجيا وإقليميا وهو ما فتح المجال أمام بعض التأويلات التي تتحدث عن انحصار دور العلماء المسلمين الجزائريين''.

ويؤكد بدوره بوالروايح في هذا الشق أيضا أن العلماء المسلمين الجزائريين هي جمعية وطنية وهذا يعني أنها متخندقة في خندق واحد مع الجمعيات الوطنية الأخرى فهناك اتحاد في الغاية واختلاف في الوسيلة، وأضاف أنه لا يتوافق مع الأطراف التي تتحدث عن كون الجمعية قد حادت عن نهج مؤسسها، وقال في هذا الصدد: "لا نراها إلا على الجادة وعلى خطى الجمعية الباديسية"، واستعرض في السياق ذاته دعمها للمساعي الوطنية مؤكدا أنه لا يشكل انحرافا في نهجها بل تأييدا له لأنه لا يمكن لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن تدعي أنها جمعية وطنية ثم تتخلف عن نصرة الوطن.

وأضاف: "إنّ الذين يتّهمون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالتحول من جمعية إصلاحية إلى جمعية موالية لا يعرفون معنى الولاء ولا يدركون أن الولاء للوطن ليس نقيصة بل واجبا دينيا وأخلاقيا يقتضيه واجب الانتماء إلى الوطن".

وكملخص لمسيرة الجمعيّة خلال ستين سنة من الاستقلال تؤكد لمياء كيروش، أنّها خلال هذه المسيرة التاريخية لم تحدّ عن دورها في الإرشاد الدّيني والنّضال الوطني فكل رجالاتها مشهود لهم بالنّزاهة والوطنيّة، ولم يعرف أنهم خرجوا عن هذا الخط أو وقفوا في الحياد تجاه القضايا والمآسي الوطنية التي مرت بها الجزائر، فقد كان لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين موقف مشهود ومسؤول من المأساة الوطنية وكانت سبّاقة إلى مباركة القوانين التي سنت لوقف هذه المأساة بدءا بقانون الرحمة في 1995 وقانون الوئام المدني في 1999 وقانون المصالحة الوطنية في 2005.

كما تواصل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دعمها وتأييدها لكل مسعى للمّ الشمل، وقد أبدت تأييدها لمسعى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في هذا الاتجاه وقدّمت مقترحاتها بهذا الشأن، وعن هذا يؤكد الباحث بوالروايح، أنّ الجمعية مارست في ستين سنة من الاستقلال نضالا فكريا على جبهات مختلفة وفي هذا رد على المناوئين لها والمتهمين لها بالخروج عن الخط الإصلاحي والارتماء في أحضان السياسة إلا إذا كان ذلك يصب في اتجاه السياسة الوطنية التي نزعم جميعا بأننا حرّاسها وجنودها.

من نفس القسم الوطن