اقتصاد
رقمنة البنوك.. خطوة نحو استخدام أكفأ لرأس المال
برزت الحاجة إليها وإلى تطوير أساليبها في السنوات الأخيرة
- بقلم سارة زموش
- نشر في 04 جولية 2022
شرعت الجزائر منذ سنوات في إصلاحات اقتصادية "هيكلية" شملت جميع المجالات، متخذة "التحول الرقمي" كمفتاح لهذه الإصلاحات، وحظيّ القطاع المصرفي بحصة الأسد في هذا التوجه، وتجلى ذلك من خلال صدور نصوص تشريعية وتنظيمية تسهّل مواكبة متغيرات البيئة البنكية الجديدة، وانخرطت أغلب البنوك الجزائرية في هذا المسعى من خلال وضع خطط لتطوير أدائها وخدماتها بما يتماشى ومتطلبات الاقتصاد الرقمي حيث أسست هذه البنوك خدمات عن بعد ومنصات رقمية وتطبيقات تلبي احتياجات العملاء بالكفاءة والفاعلية المطلوبة، ليبقى الرهان المقبل هو تعميم ثقافة "الصرفية الإلكترونية" خدمة لمسار الانتعاش الاقتصادي.
- هذه هي إستراتيجية التحول الرقمي للمؤسسات المالية في الجزائر
ويلاحظ مؤخرا انتعاش خدمات "الصرفية الالكترونية" حيث تنبهت المؤسسات المالية والمصرفية إلى أهمية التحوّل الرقمي، وما يتبعه من آثار إيجابية على الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي وتبنت هذه البنوك خطط استراتيجية لهذا التحول الرقمي وعلى ركائز قوية،وساهم التوجه نحو رقمنة الخدمات البنكية على اختلافها من مؤسسة بنكية إلى أخرى السنتين الاخيرتين في حثّ المواطنين على الإقبال صوب الخدمات المصرفية المتعددة والتي كانت تلقى التردد لدى فئة كبيرة من الجزائريين بما فيهم التجار والمتعاملين الاقتصاديين وهو ما تؤكده أرقام وتصريحات رسمية فالادخار الذي يعتبر الأساس في أي منظومة مصرفية كان يعرف اقبالا ضعيفا من طرف الجزائريين لعدة عوامل، كما أن بيروقراطية البنوك كانت تعتبر عامل "تنفير" للجزائريين من الخدمات المصرفية لتغيّر الرقمنة العديد من المعطيات السنوات الأخيرة، فالعميل الذي كان في الأمس يتنقل لفرع البنك من أجل سحب وايداع أمواله و"معرفة رصيده" ويقف في طوابير للقيام بمختلف العمليات البنكية بات اليوم بكبسة زر قادر على التحكم في كافة هذه العمليات من حاسبوه أو من هاتفة النقال وهو ما مثل تيسيير للمعاملات وتعزيز للشفافية وتخفيض للنفقات، من جهتها فأن الحكومة استشعرت أهمية التحول الرقمي للبنوك ودعمت هذا التحول من خلال تحفيز استخدام الوسائل الرقمية والعمليات الإلكترونية في الدفع، حيث تم وضع الإطار العام للتحوّل إلى نظام المدفوعات غير النقدية، وتم وضع العديد من النصوص التنظيمية والتشريعية والتي كانت بمثابة خارطة طريق لتحقيق التطوير والتحوّل الرقمي المنشود، وفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها مع مراعاة المتغيرات المحلية.
- بنوك إلكترونية لتلبية احتياجات العملاء "الرقمية"
ومن بين البنوك التي سعت خلال الفترة الأخيرة إلى تطوير خدماتها الرقمية نجد البنك الوطني الجزائري حيث تبنت هذه المؤسسة المالية استراتيجية لرقمنة بنيتها المالية وفق معطيات البيئة البنكية الجديدة، وذلك بهدف الانتقال من النمط العادي في تسيير مختلف التعاملات المالية نحو نمط مبتكر يلبي احتياجات الزبون الجديدة التي باتت تتماشي والنمو المتسارع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، ويعتمد البنك الوطني الجزائري حاليا على مجموعة من الخدمات المصرفية الإلكترونية التي يهدف من خلالها للتحول الرقمي وتقريب البنك من العملاء عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة وقد استحدث بنك الوطني الجزائري مؤخرا ما يعرف بـ"البنك الالكتروني" والذي يسمح بمتابعة مختلف التعاملات البنكية من أي مكان يتواجد فيه الزبون، ويضمن تأمين هذه التعاملات من خلال رقم سري شخص ، مع اختيار نوع العمليات التي يريد الزبون القيام بها حسب باقات الخدمات المتوفرة Net pack, Net pack و تتمثل وظائف البنك الإلكتروني في الاطلاع على الحسابات وتاريخ مفصل عن الرصيد، واتباع التحويلات كما يوفر البنك الالكتروني خدمة طلب دفتر الشيكات والبطاقة البنكية، والاعتراض على البطاقة البنكية، وأيضا التسديد الجبائي عبر الإنترنت وخدمة الرسائل الإلكترونية.
كما أطلق البنك الوطني الجزائري دائما في إطار مساعي التحول الرقمي "الخدمة البنكية عبر الهاتف" هذه الخدمة تسمح خدمة الشباك البنكي عن طريق الهاتف النقال بالاطلاع على رصيد الحساب البنكي للمعني، وتحويل الأموال، ودفع فواتير الهاتف من هاتف الزبون أينما كان ووقت ما يشاء. وهذه الخدمة متوفرة 24سا/24 و7 أيام/7 في جميع أرجاء الجزائر من خلال التغطية الشاملة التي توفرها الشبكة اللاسلكية ويمكن الاستفادة من المزايا الإضافية لهذه الخدمة دون الحاجة للأنترنت.
- تحسين جودة العمليات المالية وخفض للتكاليف
ويقول بوجلابة كريم رئيس قسم أنظمة المعلومات في البنك الوطني الجزائري أن البنك حقق حوالي 50 ألف مشترك في خدمة البنك عن بعد حوالي سنتين من إطلاقه مشيرا أن الطوابير التي كانت على الشبابيك قبل تبني التحول الرقمي تراجعت بمعدل 50 بالمائة وأضاف المسؤول إلى أن برنامج "البنك الالكتروني" كان له دور كبير في تحسين جودة العمليات المالية عن بعد خاصة خلال الأزمة الصحية و خلال الانقطاعات الفجائية للشبكة المعلوماتية، وقال ذات المتحدث انه خلال هذه الفترة تحديدا أي فترة الازمة الصحية شهد المصرف نموا معتبرا في العمليات الافتراضية المالية، والتحويلات الالكترونية عن بعد ناهيك عن خدمة الاطلاع عن الرصيد، لهذا يعمل البنك حاليا باعتباره مؤسسة مالية لها مكانها في السوق المالي بالجزائر على تطوير عمليات التوجه الرقمي للخدمات المصرفية أكثر وذلك لمواكبة التطورات وخدمة للزبون "الرقمي".
- خدمات بمزايا "أوسع" وتعزيز للقوة المصرفية
مصرف السلام هو الآخر يوفر لعملائه منصة رقمية تتيح لهم الاستفادة من العديد من الخدمات دون عناء التنقل منها معالجة طلبات ما قبل التوطين للاستيراد، حيث يتيح المصرف لصالح المستوردين ملئ استمارة افتتاح اعتماد مستندي لعمليات الاستيراد عبر الأنترنت وبعد قبول طلب المستورد من قبل البنك، يمكن لهذا الأخير أيضا إتمام الاجراءات عن بعد وتحميل الوثائق بصيغة "بي دي أف" عمليا ت ما قبل التوطين والاعتماد المستندي ، وهو ما يوفر الوقت والجهد والمال على المستوردين، وفي إطار التحول الرقمي للبنك أيضا فإن هذا الاخير بات يعالج طلبات القروض الكترونيا ويضع في خدمة طالبي القروض الاستهلاكية منصات رقمية لمعرفة قائمة المنتجات التي يمكن لعملاء المصرف الاستفادة منها كما يمكن لطالبي القروض ان يتموا كافة المعاملات ويستفيدوا من مبلغ القرض دون ان يتنقلوا ولو مرة واحدة لمقر البنك، ويقول في هذا الصدد مزيان محمد وهو اطار في وزارة التربية استفاد مؤخرا من قرض استهلاكي ضمن الاتفاقية التي وقعها البنك مع وزارة التربية والتعليم أنه ومن بيته وعبر هاتفه النقال تمكن من اتمام كافة الاجراءات للاستفادة من قرض استهلاكي لاقتناء اجهزه كهرومنزلية والجيد في الأمر يضيف مزيان ان مصرف السلام يضع منصات الكترونيه ومواقع بيع للأجهزة الإلكترونية يمكن الاختيار منها ومعرفه الأسعار ومحاكاة التمويل والاقساط الشهرية المستحقة مضيفا أن مواقع البيع هذه تضمن خدمة التوصيل لغايه باب منزل الزبون وهو ما لم يكن متوفر من قبل لولا الرقمنة التي سهلت التعاملات البنكية ومكنت زبائن البنوك من الاستفادة من العديد من الخدمات بشكل أسهل وبفعالية أكبر.
- الرقمنة تسرّع نمو المؤسسات البنكية
ورغم الخطوات الهامة التي قطعتها المؤسسات المصرفية في الجزائر نحو الرقمنة إلا أن عمل كبير ينتظرها لتعميم "الخدمات المالية الرقمية" والوصول للمستويات العالمية في التعامل الرقمي المالي والشمول المالي إذ يؤكد نور الدين شيلهاب وهو أستاذ محاضر بكلية العلوم التجارية والقانونية بجامعة بومرداس وخبير في الاقتصاد، أن البنوك في الجزائر مطالبة بـ"تعزيز الثقة" اكثر في التعاملات المالية الرقمية لدى عملائها باعتبار أن عامل الثقة هو مفصلي ومحوري لتعميم ثقافة الخدمات المصرفية الالكترونية والتحول التدريجي من التسيير التقليدي للقطاع المصرفي نحو التكنولوجيا، وأضاف شيلهاب أن تأخر الجزائر بخطوات في مجال الصرفية الالكترونية كان بسبب عامل الثقة مضيفا أن الازمة الصحية خدمت المنظومة المصرفية ودفعت الجزائريين دفعا نحو التعاملات الرقمية وهو ما عزّز فيما بعد عامل الثقة الذي ركز عليه الخبير الذي أوضح ان الأثر الإيجابي للرقمنة على القطاع المصرفي يتعدى تحسين الخدمة بشكل يتماشى مع المتطلبات الجديدة للزبون معتبرا أن الرقمنة تعتبر القاعدة الصلبة التي يمكن من خلالها دعم وتطوير قطاعات اقتصادية هامة على غرار قطاع الاستثمار فهذا الأخير يوضح المتحدث في تصريح لـ"الرائد"، مرتبط بشكل كبير بالقطاع المصرفي ويعتمد في سيره على التمويلات التي تقدمها البنوك، هذه الأخيرة وفي إطار رقمنتها باتت تتجه نحو تسهيل الحصول على هذه التمويلات بشكل يخدم المستثمر.
- هذه متطلبات الاستمرارية والتطور في أداء الصيرفة الإلكترونية
بالمقابل فإن الرقمنة التي باتت منهج عمل المؤسسات المالية في الجزائر والتي مضت قدما في هذا المسعى وتعمل خلال الفترة المقبلة على تحقيقه أكثر لها متطلبات يجب ان تستمر البنوك والمؤسسات المالية في توفيرها وتحقيقها حتى ننتقل للهدف المقبل وهو الوصول لبنوك افتراضية كليا في الجزائر وفي هذا الصدد يقول الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال هشام بولحبال أن توسّع البنوك الإلكترونية في الجزائر، يتطلب وجود جملة من الأنظمة والبرامج والبنى التي تقوم عليها وتضمن تطورها ونجاحها، وتتمثل عموما في البنية التحتية التقنية مشيرا أن هذه البنية التحتية التقنية لا يمكن أن تكون معزولة عن بنى الاتصالات وتقنية المعلومات التحتية من حيث الأجهزة والبرمجيات والحلول والكفاءات البشرية المدربة وهذه دعامة الوجود والاستمرارية والمنافسة، حسب بولحبال الذي اكد في تصريح لـ"الرائد" ان الاستمرارية والتطور في أداء الصيرفة الإلكترونية تتطلب أيضا التقييم الموضوعي والمستمر لفاعلية أداء أدواتها الإلكترونية، بالاستعانة بالجهات والكوادر المتخصصة، وكذلك معرفة فعالية أداءها والوقوف على الصعوبات التي تواجه عملها، واتخاذ القرارات والإجراءات المناسبة ليختتم بالقول أن اثر رقمنة النظام المصرفي في الجزائر سيقودنا نحو تعميم الثقافة الرقمية اكثر وتسهيل نضح البيئة الرقمية في الجزائر ، وتهيئتها للتعاملات المالية الرقمية الافتراضية عبر "البنوك الافتراضية" والتي وضعتها الحكومة مؤخرا كهدف للوصول إليه.
- البنوك الرقمية مستقبل المنظومة المالية في الجزائر
وتمثل البنوك الرقمية مستقبل الصيرفة العالمية، وفي الجزائر وضعت الحكومة هذه البنوك كرهان يتم العمل عليه خلال الفترة المقبلة حيث تعكف على دراسة المشروع، الوزارة المنتدبة المكلفة باقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، كمرحلة أولي وتأمل الحكومة في إصلاح وتعديل قانون النقد والقرض، تحسبا لإطلاق هذه البنوك الافتراضية والتي تقدم خدماتها على الإنترنت دون وجود مقرات لها في الواقع المادي. غير أن الخبراء يؤكدون ان الهدف ممكن لكنه ليس سهلا خاصة إذا تعلق الأمر ببنوك افتراضية بمفهومها العالمي الحالي على غرار بنوك "آلي"، و"سيمبل" في الولايات المتحدة، و"مونزو" في المملكة المتحدة، و"وي بنك"، و"ماي بنك" في ِ الصين، ويتطلب التحول الى البنوك الافتراضية، توفير العديد من المزايا كالقدرة التنافسية والمرونة الكافية للاستجابة لتقلبات السوق، وينصح الخبراء المسؤولين على هذا الملف للبدء بخطوات أولية تتمثل في تعديل المنظومة القانونية التي تحكم الأداء المالي والاقتصادي للمؤسسات المصرفية. وبعدها تشجيع أكبر للدفع الإلكتروني لأنه لا يمكن الذهاب نحو خلق بنوك افتراضية، دون العمل على تعميم الدفع الإلكتروني وببطاقات دفع لا تتجاوز حسب الأرقام الرسمية الـ 3 مليون بطاقة بنكية "cib"، كما من الضروري البحث في مسألة تهيئة البنية التحتية التكنولوجية لتنفيذ هذا التحوّل، وعرض ما يُستجد من مخاطر ناشئة عنه، وكيفية مواجهتها من خلال وضع تصوّرات تتيح للبنوك التعرّف على أهم الفرص والتحديات والتواصل لوضع خارطة طريق لاستراتيجية هذه البنوك.
- تسابق مصرفي
ومع توجه الجزائر نحو البنوك الافتراضية فان تغييرات عديدة ستطرأ على النظام المصرفي في الجزائر منها أن العديد من الوظائف في البنوك قد تختفي في المستقبل كما سيؤدي التحول الكلي نحو الرقمنة إلى انخفاض في عدد الموظفين في القطاع المصرفي وفي الجزائر وان اعتمد حقا البنك الرقمي او الافتراضي بمفهومه الشامل والكامل قد يتمكن عملاء البنوك في المستقبل من الحصول على إجابات على استفساراتهم البسيطة مباشرة عبر خدمة الدردشة مع منصّات للذكاء الاصطناعي، كما أن مفهوم الفروع المصرفية الكبيرة التي يعمل بها عدد كبير من الموظفين سيختفي ليحل محلّه الفروع المتنقلة و التي يمكن استدعاؤها لتقديم خدمات للموظفين في شركة ما أو في تجمّعات سكنية، حيث تتيح هذه الفروع أداء الخدمات المصرفية عبر أجهزة الصراف الآلي وغيره.
وفي الأخير وبغض النظر عن المستوى الذي وصلته البنوك والمؤسسات المصرفية في الجزائر فيما يتعلق بتحولها الرقمي يمكن القول ان هذه الأخيرة خطت خطوة أولى نحو عالم الرقمنة التذي بات رهان ومفتاح إصلاح المنظومة البنكية في الجزائر ومن الضروري أن تسعي مختلف المؤسسات المصرفية في البلاد نحو التقدم للأمام في هذا التحول الذي تسهم عناصره في تحسين تقديم الخدمات المصرفية والمالية، من خلال تيسير إقامة البني التحتية التأسيسية، وتعزيز فرص الاستفادة منها، وبتكلفة أقل، بالإضافة إلى تعزيز المنافسة، وتوفير سوق تنافسية، لضمان بيئة تحقق تكافؤ الفرص، كما يُسهم التحول الرقمي ودعم التكنولوجيا المالية في الوصول إلى الشرائح المجتمعية، التي لا يوجد لها تعاملات بنكية، والتي تواجه تحديات كبيرة، للوصول إلى الأنظمة المصرفية التقليدية، عبر حلول التكنولوجيا المالية، والتي تستطيع معالجة هذه التحديات من خلال توفير حلول أكثر سهولة وسرعة، بأسعار مناسبة للجميع، مما يعيد هيكلة انية ومتجددة لقطاع الخدمات المالية والمصرفية في الجزائر.