اقتصاد

أوروبا توجه بوصلتها نحو إفريقيا

‏في رحلة البحث عن إمدادات جديدة بالغاز

أخلطت التوترات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة شرق أوروبا أوراق الأسواق الطاقوية، وتضاعفت معها أسعار الغاز بشكل كبير، ما جعل عدة دول تستشعر خطورة الوضع وتتخوف من شح في الإمدادات خلال الأشهر القليلة القادمة.

أضحى تأمين الإحتياطات من الغاز الشغل الشاغل لعدة دول أوروبية، نظرا لما أفرزته جائحة فيروس كورونا خلال السنتين الأخيرتين من آثار، ليضاف لها تداعيات العمليات العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية، خاصة وأن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.

 أزمة تلوح في الأفق..

 أصدرت دول الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، ردا على تنفيذها لعمليات عسكرية على الأراضي الأوكرانية، وفي المقابل أصدرت موسكو قرارا يقضي بإجبارية الدفع بالعملة الروسية الروبل للراغبين في شراء شحنات من الغاز أو توقيع اتفاقيات جديدة، محذرة بقطع الإمدادات في حال عدم الإستجابة لقرارها.

بات الخوف السمة البارزة على الأسواق الطاقوية، إذ عبرت عدة دول من داخل الإتحاد الأوروبي عن توجسها، من إقدام روسيا على قطع امداداتها من الغاز، في الوقت الذي تغطي الإمدادات الروسية حوالي 40 بالمئة من احتياجات السوق الأوروبية.

توقعت بعض التقارير أن تواجه أوروبا شتاء قاسيا، جراء نقص إمدادات الغاز المسال، ما سيتسبب في تفاقم أزمة الطاقة الحالية، مع سعي دول الاتحاد الأوروبي للاستغناء عن الواردات الروسية، وهو الوضع الذي سيتسبب في زعزعة استقرار إمدادات الغاز المسال العالمية، بعد الاضطرابات التي شهدها العام 2021.

وقالت شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي في أحدثتقرير لها، بأن الدول الأوروبية بصفة خاصة معرضة لتفاقم أزمة الطاقة الحالية في الشتاء المقبل، مع تجاوز الطلب إمدادات الغاز المسال بحلول نهاية العام، وتتوقع أن تصل إمدادات الغاز المسال إلى 410 ملايين طن في العام الجاري، لتكون أقل من الطلب العالمي المتوقع عند 436 مليون طن، في الوقت الذي تسعى فيه عدة دول من داخل الإتحاد الأوروبي للحد من استيراد الغاز الروسي، إذا سطرت هدف التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي بنسبة 66 بالمئة خلال العام الجاري، وهو الوضع الذي ترى فيه شركة الأبحاث، بأنه سيؤدي إلى زيادة حادة في الطلب الأوروبي، وهو ما لن تقدر إمدادات الغاز المسال الحالية والمشروعات القائمة على تلبيته.

 يشار إلى أن الإمدادات الروسية من الغاز إلى أوروبا، خلال العام الماضي 2021 قدرت ب 155 مليار متر مكعب من الغاز، ما يغطي ما نسبته 40 بالمئة من إجمالي إحتياجات القارة العجوز.

 افريقيا محطة لزيارات الأوروبيين..

 كثف القادة الأوروبيين من زياراتهم لمختلف الدول الافريقية وعلى رأسها الجزائر، للفوز بصفقات جديدة تسهم في تخفيف الضغط، الذي تسببت فيه التوترات الجيوسياسية الحاصلة شرق أوروبا وردود الأفعال المتخذة من قبل دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، على حد سواء.

 أبرمت ايطاليا مؤخرا اتفاقيات جديدة مع الجزائر لرفع مشترياتها من الغاز الجزائري، عقب زيارة لوزير الخارجية، إذا ينتظر أن يشهد العام الجاري ارتفاع إمدادات الغاز الجزائري نحو ايطاليا بنحو 8 مليارات متر مكعب، بالمقارنة مع ما كانت تستفيد منه في وقت سابق.

 وفي السياق ذاته، تحركت اسبانيا، التي تقدر حصتها من الغاز الجزائري بأكثر من 10 مليار متر مكعب، خاصة وأن الأوضاع المتقلبة والتخوف من شح الإمدادات قد ألقى بظلاله على الأسواق العالمية، إذ تملك إسبانيا عقود طويلة الأمد، وأكدت تفتحها لمراجعة الأسعار، في ظل تأكيدتها بأن الجزائر تعتبر بلدا موثوقا.

 وعلى غرار الجزائر، فإن دول افريقية أخرى على غرار مصر، ليبيا وأنغولا، تحت أنظار عدة دول للاستفادة من الغاز، وشرعت في مفاوضات لتأمين احتياجاتها الطاقوية، بالموازاة مع الضغط الكبير، الذي فرضته التحديات الجديدة بالسوق الأوروبية.

 وفي الإتجاه الأخر، حط نهاية الأسبوع المنقضي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رحاله في الجزائر وتصدر الملف الطاقوي الاجتماعات التي عقدت بين الجانبين، إذ أكدت السلطات الروسية، بأن الجزائر تبقى شريك اقتصادي هام.

 الغاز الجزائري والافريقي الحل..

 تسابق عديد الدول الأوروبية الزمن لتجنب حصول أزمة طاقوية خلال فصل الشتاء، من خلال البحث عن مصادر جديدة أو توقيع اتفاقيات مع الدول المنتجة الغاز لرفع حصصها من الإمدادات.

عادة ما يكون فصل الصيف الوقت الأمثل للدول الأوروبية لملأ مخزوناتها الطاقوية الاستراتيجية استعدادا لفصل الشتاء، خاصة وأن الاستهلاك يعرف ارتفاعا كبيرا مع انخفاض درجات الحرارة، وغيرت عدة دول أوروبية من استراتيجتها سعيا للحصول إمدادات اضافية وتجنب حدوث اضطرابات.

وفي هذا الصدد، أكد الخبير السعودي في استراتيجيات الطاقة وعضو المجلس الاستشاري لهندسة البترول والغاز في جامعة الملك سعود نايف الدندني، بأن الجزائر هي ملجأ عدة دول أوروبية لمواجهة أزمة الغاز، التي طفت للسطح، مع شروع روسيا في شن عمليات عسكرية على الأراضي الأوكرانية، منذ نهاية شهر فيفري الماضي.

 وقال الدندني، في تغريدة له على حسابه الشخصي على "توتير"، بأن "أمواج أسواق الطاقة العاتية تدفع بلافروف وزير الخارجية الروسي إلى الجزائر، التي تخطب ودها عواصم أوروبا لإمدادها بالغاز".

وأضاف، بأن "الجزائر لا تعول عليها أوروبا فقط بل حتى إفريقيا التي تسعى لوصول الغاز النيجيري إلى خطوط الأنابيب في الجزائر، ومنها إلى سواحل أوروبا المتعطشة للغاز والنفط.

ومن جانب أخر وصف نهاية الأسبوع المنقضي رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، في كلمة ألقاها بمنتدى “نحو الجنوب: الاستراتيجية الأوروبية لموسم جيوسياسي واقتصادي واجتماعي ثقافي جديد في منطقة البحر الأبيض المتوسط”، أن الاتفاقية التي جرى توقيعها لزيادة إمدادات الغاز  خلال زيارته للجزائر الشهر الماضي بالنموذج الذي يحتذى به.

وأضاف ماريو دراغي، بأنه ومن أجل تعزيز هذه الشراكات يجب العمل من أجل ضمان الاستقرار السياسي في حوض البحر الأبيض المتوسط​​، وليبيا على وجه الخصوص، محذرا من تداعيات محتملة للعمليات الروسية على الأرضي الأوكرانية على استقرار إفريقيا والشرق الأوسط بسبب مخاوف من انفجار أزمة غذائية، حسب ما نقلته وكالة آكي الإيطالية الأنبياء.

وأشار رئيس الوزراء الإيطالي، بأن بلادهم قد تحركت بأقصى سرعة لتنويع إمدادات الغاز وتعتزم الاستمرار في ذلك، مشددا على أن الجنوب مركزي في كل هذا، في إشارة إلى الجزائر، ليبيا ومصر وكذا أنغولا ونيجيريا.

وبموجب الاتفاقية التي وقعه مجمعا سوناطراك وإيني، على هامش زيارة ماريو دراغي للجزائر، فإن ايطاليا ستستفيد من نحو 3 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي، وستصل بالتدرج خلا عام 2023 إلى 9 مليارات.

ويسود الإعتقاد، على أن دول شمال أفريقيا بامكانها المساعدة في تنويع إمدادات الغاز إلى أوروبا، ما سيساهم في تخفيف العبئ الذي أفرزه الوضع الراهن، إذ أن دول شمال أفريقيا لوحدها تضخ نحو 15 بالمئة من احتياجات الغاز الأوروبي، في حين تغطي روسيا السوق الأوروبية بنحو 40 بالمئة.

 لماذا تعتبر الجزائر وافريقيا الحل...

 وجهت عدة دول أوروبية أنظارها نحو الأسواق الأفريقية لتعزيز امداداتها الطاقوية وتأمين احتياجاتها المتزايدة، لاسيما عقت انحسار المخاوف بشأن الوضع الصحي المرتبط بتفشي فيروس كورونا، وعودة عجلة الاقتصاد العالمي للدوران مجددا.

ترى عدة عواصم أوروبية، بأن الخروج من عباءة الغاز الروسي، يفرض عليهم التوجه نحو السوق الجزائرية والافريقية ككل، من أجل ضمان تغطية احتياجاتها من الغاز الطبيعي أو المسال، خاصة في ظل توفر البنية التحتية وسهولة الوصول إلى الضفة الأخرى، خاصة بالنسبة للإمدادات، التي تنطلق من الجزائر، ليبيا وكذا مصر.

وتمكنت كل من الجزائر، نيجيريا، مصر وأنغولا، وكذا غينيا الاستوائية من ضخ أزيد من 21 مليون طن من الغاز المسال خلال عام 2021، حسب بيانات منصة الطاقة.

وجاءت الجزائر في المرتبة الأولى افريقيا والرابعة عالميا من حيث إمدادات الغاز المسال للسوق الأوروبية، خلف كل من الولايات المتحدة الأمريكية، قطر وروسيا بشحنات بلغت 10,2 مليون طن، لتأتي خلفها نيجيريا ب 9 مليون طن، ثم مصر ب 1,7 مليون طن، لتليها كل من غينيا الاستوائية ب 0,7 مليون طن وأنغولا ب 0,6 مليون طن، ما يبرز أهمية الغاز الافريقي.

كما أن توفر دول شمال افريقيا على أنابيب نقل للغاز نحو دول الاتحاد الأوروبي، يجعل منها أفضل حل في الوقت الراهن، من خلال مضاعفة إمدادات الغاز الطبيعي، إذ أن الجزائر لوحدها وفق الاتفاقيات الجديدة مع ايطاليا واسبانيا ستتمكن من ضخ حوالي 40 مليار متر مكعب سنويا، مع نهاية العام الجاري.

وفي ذات الاتجاه، تعول الدول الأوروبية على ما تملكه كل من مصر وليبيا من احتياطات، والتي تعتبر الشركة الإيطالية ايني شريك هام بها، بالإضافة إلى توفر احتياطات جديدة، في ظل الاستكشافات المتواصلة.

كما يعتبر الغاز النيجيري، والذي ينتظر أن يبدأ بالتدفق للأراضي الأوروبية العام القادم من خلال مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء "تي. اس. جي. بي"، بارقة أمل لأوروبا، في ظل ما سيوفره من كميات جديدة.

 

وسيمكن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء "تي.اس.جي.بي" الذي يربط نيجيريا بأوروبا عبر الجزائر،  من تزويد الدول الأوروبية ب 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

من نفس القسم اقتصاد