اقتصاد
قطاع التأمينات بالجزائر .. سوق منشّطة للاستثمار، لكن !؟
يعرف نسب نمو مشجعة إلا أنه يحتاج لإصلاحات عميقة
- بقلم سارة زموش
- نشر في 24 مارس 2022
لا تزال سوق التأمينات في الجزائر، من بين أكثر القطاعات غير المستغلة كما يجب، فالإمكانيات التي تملكها هذه السوق تبقي غير مفعلة بشكل يخدم الحركية الإقتصادية، حيث يشير المتعاملون في هذه السوق أنفسهم أنّ هذا القطاع لا يزال يتسم بالهشاشة، رغم أنه يمكن أن يكون آلة منشّطة للاستثمار لو جرى توظيفها على النحو الأكمل، ما يتطلب إصلاحات عميقة.
و يعتبر قطاع التأمينات من بين أكثر القطاعات الخدماتية الاقتصادية هشاشة بالجزائر، وعلى الرغم من الإمكانات الاقتصادية المتوافرة في البلاد، إلّا أنه لا يزال سوقاً غير مستغلا كما يجب، و مع ذلك يشهد في الآونة الأخيرة نمواً مطّرداً، إذ ارتفع رقم أعماله السنوات الأخيرة بشكل ملفت حيث بلغت نسبة نمو هذا القطاع خلال سنة 2021 حسب أرقام رسمية الـ4 بالمائة و رغم أن هذا المعدل يعتبر معدل مبشر غير ان ذلك يبقي غير كافي في ظل استمرار الهيمنة التامة لتأمينات الأضرار على تأمينات الأشخاص، و سيطرة التأمينات الإجبارية على التأمينات الاختيارية و ضعف مؤشراته الأساسية لتبقى الجزائر في ذيل ترتيب دول العالم في هذا المجال. و يرجع ناشطو قطاع التأمين واقع هذا الاخير إلى عدة عوامل، أبرزها ما يسمونها "الفوضى التنظيمية" بيد أنّ متعاملين يبدون تفاؤلا بآفاق سوق التأمينات، و قابليتها للتطوير، شريطة تدارك السلطات و عملها على تذليل العقبات و إذكاء التنافسية أمام شركات التأمين، دون ممايزة بين المؤسسات العامة و الخاصة.
- دعوة لإصلاح "الفوضى التنظيمية" التي تعيشها السوق
و يشدد متعاملون على أنّ القوانين السارية المفعول أكبر عائق لتطوير سوق التأمينات في الجزائر و أنّ الحل يكمن في إصلاح النصوص التي تفرمل أي تطوير، و ذلك مرهون بوضع الامكانات اللازمة للتحكم في تطور السوق عبر جهاز مستقل و يخضع لمعايير اقتصاد السوق، فضلا عن حتمية تطبيق القوانين على الجميع و عدم الكيل بمكيالين. كما يطالب المتعاملون بإزالة التعقيدات و الحواجز الإدارية في صورة العدد الهائل من النصوص التي تعرقل نشاط شركات التأمين، معتبرين أن تعويض الدولة للمواطنين تحت غطاء التضامن الاجتماعي يسهم بقسط ما في عدم تحفيز السكان على تأمين أنفسهم و ممتلكاتهم، متوقعين أن تصل السوق الجزائرية إلى مرحلة التشبّع، لذا من الضروري التفكير في فتح أسواق جديد.
- هذه الأزمة كانت ضربة قوية للقطاع
بالمقابل فقد مثلت ازمة كورونا و قبلها ازمة سوق السيارات الجديدة ضربة قوية لقطاع التأمينات في الجزائر حيث خسرت شركات التامين في الجزائر ثقة زبائنها من المؤسسات بسبب عدم بإمكانها تعويض الشركات و الخواص عن خسائر الاستغلال المترتبة عن وباء كوفيد-19 لكون هذه الخسائر لم تنجر بصفة مباشرة عن الجائحة و لكنها احدى مخلفاتها"، كما انه لا يوجد تأمين على أضرار ناتجة عن الكوارث الصحي فبوليصات التأمين لا تتوقع هكذا مخاطر و لا يوجد اي عرض او منتج تامين او اعادة تامين يشمل الكوارث الصحية حتى لدى شركات التأمين العالمية. كما ان شركات التأمين عبر العالم وجدت صعوبات في ايجاد مصادر مالية فورية لتغطية هذه الأزمة، لا سيما بالنظر للطابع المستعجل للأمر". وامام هذا الوضع الاستثنائي الذي اثقل كاهل الاقتصاد العالمي يرى المتعاملون في مجال التأمينات ان الحكومات هي المسؤولة عن وضع آليات و مخططات لإنقاذ اقتصاداتها و مؤسساتها. و تجنب إفلاس الشركات الصناعية و التجارية لا سيما المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و المصغرة.
- عامل الثقة أكبر معرقل
من جهة أخرى ورغم أن سوق التأمين في الجزائر في تطوّر مستمر، ولكن نسبة إقبال المواطنين على التأمين ضعيفة جداً، إلا ما تعلق بتأمين السيارات الذي يتجاوز الـ 57% من حجم أعمال القطاع، عكس التأمين على الحياة الذي لا تتعدى نسبته الـ 6%. ويرجع متعاملون الأمر إلى ثقافة المواطن الجزائري الذي يرى أن التأمينات فعل مخالف للشرع، بخاصة التأمين على الحياة، فضلاً عن انعدام الثقة بشركات التأمين، الخاصة تحديداً، حيث تجد هذه الأخيرة صعوبات كبيرة في إقناع الأشخاص الطبيعيين بالتأمين، عكس المؤسسات والشركات. كما أن غياب ثقافة التأمين على الممتلكات، سببها اتّكال المواطن على تعويضات الدولة في حالة الكوارث الطبيعية الكبرى كالزلازل والفيضانات. ومع ذلك يرى متعاملون أن هناك عوامل إيجابية تعمل حالياً على تطوير القطاع، بخاصة التوجّه نحو الدعاية المستمرة لمختلف صيغ التأمين، مشيرين إلى أن المشاريع الاقتصادية الكبرى التي انطلقت بالبلاد ، من هياكل ومنشآت قاعدية، ومؤسسات صناعية جديدة، كلّها أسهمت في إنعاش سوق التأمينات
- التأمين على الممتلكات... الأضعف
وتقول التقارير الأخيرة الصادرة عن شركات التأمين في الجزائر إن عدد عقود التأمين ضد الكوارث الطبيعية للثلاث سنوات الأخيرة بلغ نصف مليون عقد، أغلبها تم تحريرُه في إطار معاملات عقارية أو قروض بنكية، وهي نسبة بسيطة مقابل حجم الحظيرة السكنية والمباني الاقتصادية والتجارية في الجزائر والتي تفوق الـ6 ملايين وحدة سكنية، كذلك فإن حجم الأموال الناتجة عن التأمين ضد الكوارث الطبيعية لا تشكل سوى 1.5 بالمائة من التحصيل السنوي لمختلف التأمينات التي بلغت 100 مليار دينار، خاصة وأن قيمة التأمين ضد الكوارث الطبيعية لا تمثل سوى نسبة بسيطة من قيمة العقار، وهي أسعار ثابتة لدى كل الشركات بموجب القرار المؤرخ في 31 أكتوبر 2004. فالشقة في الجزائر العاصمة التي قيمتها 4 ملايين دينار يبلغ التأمين عليها بحوالي 3000 دينار سنويا، أي أقل من التأمين على أبسط سيارة رغم ذلك فان الاقبال على تامين الممتلكات يبقي شبه منعدم سوى للأشخاص الذين يحتاجون عقود التامين لإبرام عقود بيع أو هبة أو غيرها.
- إقبال ضعيف على التأمينات الفلاحية رغم تعدد المخاطر
من جانب اخر تشهد التأمينات الفلاحية في الجزائر اقبالا ضعيفا من قبل الفلاحين رغم وجود عدد كبير من المنتوجات المقترحة في السوق وهذا لعدة اسباب يرجعها الفلاحون لأسعار اقساط التامين المرتفعة تارة و لعدم انسجام مختلف انواع التأمينات مع طبيعة النشاط الفلاحي تارة اخرى. وتشير الارقام المتوفرة عن القطاع إلى ان عدد المؤمنين في قطاع الفلاحة يقارب 75 الف في سوق يتراوح عدد الفلاحين فيه ما بين 800 و 900 الف فلاح مسجل لدى الغرفة الوطنية للفلاحة اي ما يمثل نسبة بين 8 و 10 في المائة فقط. وسجل فرع الفلاحة في قطاع التأمينات نسبة ضئيلة من رقم الاعمال الاجمالي قدرت من طرف المجلس الوطني للتأمينات باقل من 2 في المائة خلال السنوات الاخيرة. و تعيد خسائر القطاع الفلاحي في الجزائر التي تسبب بها التقلبات الجوية ومشكلة الجفاف المطروحة حاليا طرح اشكالية ضعف نسبة التامين على النشاطات الفلاحية خصوصا و أن الجزائر تعد حسب الخبراء من الدول المعرضة للتغيرات المناخية فالتأمينات الفلاحية حتى وان كانت غير اجبارية فإنها تعد ضرورة لحماية الانشطة الفلاحية ضد العديد من الاخطار على غرار الفيضانات و البرد و الجليد والحرائق و العواصف والجفاف وغيرها و وسيلة لضمان ديموميتها واستمرارها.