دولي

الاستيطان .. تمدد سرطاني يمزق الأحياء الفلسطينية

أريحا والأغوار تواجهان مخططات صهيونية لتهجير الأهالي

عبر سلسلة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية أوجد الاحتلال الصهيونية بيئة جغرافية معقدة مزقت الأحياء والقرى الفلسطينية في أريحا والأغوار شرق الضفة وحولتها إلى جزر معزولة.

وتواجه محافظة أريحا والأغوار الواقعة في الطرف الغربي لغور الأردن، العديد من المخططات الاستيطانية والأمنية، وباتت مؤخرًا في بؤرة استهداف سلطات الاحتلال، ضمن محاولات فرض الأمر الواقع وتكريس الهيمنة الاستيطانية وتهجير أصحاب الأرض والحق.

وفي أرجاء المحافظة تنغرس غصبًا 16 مستوطنة، و12 بؤرة استيطانية، و11 معسكرًا، و5 حواجز عسكرية ثابتة، و20 مكبًّا للنفايات الصلبة والسائلة، ما أوجد بيئة جغرافية معقدة، مزقت الأحياء والقرى الفلسطينية، وحولتها إلى جزر معزولة، يسهل التحكم بها.

وأريحا هي أقدم المدن المبنية عبر التاريخ، وتبلغ مساحة محافظة أريحا مع الأغوار 593 كيلومترًا مربعًا، أي حوالي 10.5٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وتضم 14 تجمعًا سكنيًا ما بين المدينة والقرى والمخيمات، وفقًا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.

 وبحسب مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، معتز بشارات، "فقد بلغ عدد المستوطنات في محافظة أريحا والأغوار 16 مستوطنة، وتقدر مساحة الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات بنحو 7863 دونمًا.

وتمتد سيطرة المستوطنات إلى جانب الأراضي المقاومة عليها إلى المناطق المحيطة والتي يُمنع الفلسطينيون من الوصول إليها أو استغلالها، ويطلق عليها "مناطق نفوذ أمني"، أو "مناطق عسكرية مغلقة"، وتقدر بآلاف الدونمات، وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير.

ويشير بشارات إلى أن سلطات الاحتلال أقامت 12 بؤرة استيطانية في أريحا والأغوار، في منطقة الجفتلك والعوجا والنبي موسى وفصايل.

وهذه البؤر غير معترف بها على أنها مستوطنات شرعية من حكومة الاحتلال، لكنها تخضع لحماية جيش الاحتلال.

لم تخضع محافظة أريحا والأغوار لخطة الفصل العنصري، الممثلة بالجدار الفاصل، الذي بدأ الاحتلال بإقامته حول الضفة الغربية منذ عام 2004 بهدف إقامة "منطقة العزل الغربية" فيها، وذلك بسبب موقعها في الطرف الشرقي للضفة.

لكن هذه المحافظة خضعت قبل ذلك بعقود، لسياسة فصل من نوع آخر، وعدّها الاحتلال منطقة إستراتيجية، وشكلت مع محافظة طوباس "منطقة العزل الشرقية"، وأخضعت معظم أراضيها لسيطرة الاحتلال، وقد أقيم على طول حدودها الشرقية سياج فاصل مع الحدود الأردنية بالقرب من نهر الأردن بطول 50 كم تقريبًا، ويعزلها من الشرق بحدود دولية، ومناطق عسكرية، وألغام.

أما من الجهة الغربية، فيفصلها عن محافظات القدس ورام الله ونابلس، سلسلة من القواعد العسكرية، على امتداد المحافظة، لتشكل ما يشبه منطقة عازلة محاصرة من الشرق والغرب، وفقًا لدراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية 2021.

وتتمتع منطقة الأغوار كذلك بموقع استراتيجي، لكونها تشكل امتدادًا طبيعيًّا لتوسع مدينة القدس المحاذية لها، وهذا يعني أن السيطرة على منطقة الأغوار سيسمح للاحتلال بتنفيذ مخططاته الاستيطانية الكبرى، وأهمها مشروع القدس الكبرى.

ومنذ عام 1967 عدت حكومات الاحتلال المتعاقبة الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والاقتصاد الصهيوني، وقد انتهجت هذه الحكومات خططًا متعددة لتهويد الأغوار، بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال.

بدأ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية عام 1967 وذلك بعد احتلال فلسطين كاملة، لكن في منطقة أريحا والأغوار خصوصا بدأت الحركة الصهيونية مبكرًا وقبل حرب عام 1948 بالعمل على إنشاء نواة للمشروع الاستيطاني فيها، على عدّ أنها منطقة استراتيجية تاريخيًّا، وجغرافيًّا، وأمنيًّا، فوضعت ضمن أولويتها السيطرة على منطقة البحر الميت الاستراتيجية.

منذ العام 1967 سلبت سلطات الاحتلال آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين في محافظة أريحا والأغوار لتقيم فيها قواعد عسكرية، من أجل إحكام القبضة العسكرية على المحافظة، وخدمة المستوطنين وحمايتهم أثناء تنقلهم على الطرق والشوارع الالتفافية.

ويتمثل خطر هذه القواعد في التدريبات العسكرية المنتظمة التي تجريها قوات الاحتلال على مدار العام بين منازل وخيام المواطنين، إذ توزع أوامر بإخلاء البيوت، والخيام من السكان قبل البدء بالمناورات، التي تستخدم فيها الذخيرة الحية، وهي إحدى الوسائل القمعية التي تستخدمها سلطات الاحتلال، من أجل تهجير السكان.

ولا يتوقف خطر المناورات العسكرية عند انتهائها، بل يتعداها إلى ما بعد ذلك، من خلال ما تخلفه وراءها من ذخائر حية، وقنابل وقذائف وألغام غير منفجرة، وعادة ما تنفجر إذا لمست.

وخلال السنوات الماضية أقامت سلطات الاحتلال العديد من الحواجز العسكرية في جميع أنحاء المحافظة، وصل عددها في الانتفاضة الثانية إلى أكثر من 10 حواجز.

ويشير معنز بشارات إلى أن محافظة أريحا والأغوار تتأثر من حواجز عسكرية دائمة تحيط بالمحافظة وتعد بوابات لها، ويضيف: حفرت سلطات الاحتلال خندقًا حول مدينة أريحا، وتمنع الدخول والخروج إلى المدينة، إلا عبر بوابتين يسيطر عليها جيش الاحتلال، وحفرت خندقًا آخر يمتد من شرق طمون وحتى منطقة فروش بيت دجن.

ويقترف جنود الاحتلال شتى أنواع القهر في حق المواطنين الفلسطينيين، من خلال ملاحقة رعاة الأغنام والمزارعين في المنطقة، والاستيلاء على جرارات زراعية وتنكات المياه الخاصة بالسكان، والاستيلاء على الأبقار، والمواشي، والحمير، التي يستخدمونها للتنقل، في منطقة لا يوجد بها بنى تحتية، تسهل على المواطنين حياتهم اليومية.

وقد خصصت سلطات الاحتلال مناطق في أريحا والأغوار كمناطق ألغام، بنسبة 42٪ من المساحة الإجمالية لمحافظة أريحا والأغوار، حيث تمتد على طول الحدود الشرقية من محافظة أريحا والأغوار، بدءًا من مستوطنة أرجمان في أقصى شمال المحافظة، وحتى الشواطئ الشمالية للبحر الميت.

وتتعرض محافظة أريحا والأغوار إلى اعتداءات خطيرة من خلال تلويث الأرض والبيئة من المستوطنين وقوات الاحتلال من خلال إلقاء النفايات الصلبة والسائلة في أراضي الفلسطينيين، ما أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتلويث المياه، بالإضافة إلى تسببها في انتشار لأوبئة والأمراض بين المواطنين والحيوانات والمزروعات.

وبحسب بشارات، يوجد في محافظة أريحا والأغوار 19 مكبًّا للنفايات السائلة، ومكب واحد للنفايات الصلبة، ومعظم هذه المكبات معلنة مناطق عسكرية مغلقة.

هدمت قوات الاحتلال في محافظة أريحا والأغوار منذ عام 2007 وحتى 2020 حوالي 257 بيتًا، ويوضح بشارات وجود هجمة مسعورة حاليًّا من سلطات الاحتلال لهدم منازل الفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم في منطقة الأغوار شمالها وجنوبها ووسطها، سواء كانت في مناطق (ج) أو (ب) أو (أ). وتسعى قوات الاحتلال من خلال سياسة هدم البيوت إلى تهجير السكان، وإجبارهم على ترك أراضيهم، لمصلحة التوسع الاستيطاني.

من نفس القسم دولي