الوطن

الرقمنة.. رهان الجزائر لتحقيق رهان الإقلاع الاقتصادي

الخبير الاقتصادي الهواري تيغرسي في حوار لـجريدة

يرى الخبير الاقتصادي والعضو السابق بلجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، الهواري تيغرسي، أن 2022 لا بد أن تكون سنة إصلاح القطاع الاقتصادي، من أجل تحقيق الإقلاع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، مشددا في هذا الحوار الذي خص به "الرائد"، أن هذا الإصلاح لن يتحقق إلا من خلال إجراء "رقمنة دقيقة وشاملة" لجميع مؤسسات القطاع، للقضاء على البيروقراطية والتهرب الضريبي وتحقيق الشفافية في مختلف التعاملات، ويؤكد محدثنا، فيما يتعلق بارتفاع أسعار المواد الغذائية أن حل هذه الازمة لا بد أن يتم "بطريقة اقتصادية وليس باتخاذ إجراءات إدارية"، مثمنا في سياق مغاير، التدابير التحفيزية التي تضمنها قانون المالية للسنة الجارية في شقه المتعلق بدعم تشغيل الشباب والمؤسسات الصغيرة، والتي لفت إلى أن الجزائر بحاجة، خلال الخماسي الحالي، إلى خلق مليون مؤسسة اقتصادية من أجل تحقيق الوثبة الاقتصادية المنشودة.

*يجب معالجة أزمة ندرة المواد الأساسية اقتصاديا

*نحن بحاجة لخلق مليون مؤسسة اقتصادية لتحقيق الوثبة الاقتصادية

* نحتاج إلى منظومة احصائية رقمية دقيقة لمنح الدعم لمستحقيه

 

1/تشهد السوق الوطنية، ندرة في بعض المواد الأساسية، يصاحبها ارتفاع كبير في الأسعار، ما هي قراءتكم لهذا الوضع، وما الحلول التي تقترحونها للخروج من هذه الأزمة؟

بالنسبة لارتفاع الأسعار هناك عدة نقاط وأطراف مرتبطة ببعضها البعض، تشكل سببا في هذه الندرة وارتفاع الأسعار، أولها الطريقة غير المنتظمة وغياب استراتيجية للاستيراد، ما يخلق اشكال فيما يخص هذه العملية، فليست هناك عملية دقيقة على مستوى الوزارة الوصية إضافة إلى غياب الاستشراف حول المواد الواجب استيرادها، كل هذه العوامل تسببت في الندرة، نقطة أخرى تعتبر سببا في ارتفاع الأسعار ويتعلق الأمر بالفرق ين السعر المقنن والقيمة الزائدة في السعر السوقي، والإشكالية هنا تعود إلى عدم دفع الفارق للمستوردين منذ مدة طويلة، ناهيك عن اشكالية الفوترة لأن تسقيف السعر يتطلب من التاجر الفوترة وهذا ما يعرضه للخسارة وبذلك يتخطى هذا الإجراء، وعلى هذا لا بد من توضيح وإعطاء قاعدة ضريبية بين التاجر ووزارة التجارة والمالية، ويجب أن تعالج القضايا والمشاكل الاقتصادية بطريقة اقتصادية وليست عن طريق اتخاذ إجراءات إدارية كما جرت عليه العادة دوما.

نذكر أيضا فيما يتعلق بهذه المسألة، تجار الجملة الذي يمتنعون في كثير من الحالات عن بيع بعض المواد بسبب انخفاض هامش الربح ما يطرح أزمة في بعض المواد، دون أن ننسى المستهلك الذي يعتبر أيضا جزءا من المشكل بسبب عدم رشادته وسوء تعامله مع مثل هذه الأزمات، ففي الوقت الذي كان يفترض على المواطنين إعلان مقاطعة للمواد التي سجلت ارتفاعا في أسعارها لحين استقرار الأسعار، نجدهم يسارعون لاقتنائها.

بالنسبة للحلول وبصفة عامة، يعتبر من الضروري اللجوء إلى رقمنة حقيقية للقطاع الاقتصادي، وهو ما سبق لي المطالبة به منذ 2017، من أجل التمكن من تطبيق عديد القوانين والتدابير التي تم اتخاذها من قبل على غرار تعميم استعمال البطاقات الاليكترونية .

2/ أعلن رئيس الجمهورية أن 2022، ستكون سنة الإقلاع الاقتصادي، في رأيكم كيف يكون ذلك؟

قبل الحديث عن الإقلاع الاقتصادي، لا بد أن تكون سنة 2022 سنة الإصلاحات، خاصة وأنها تشهد وضع 11 قانونا يشمل عديد القطاعات والمجالات المهمة، على غرار قانون البلدية والولاية، قانون الصفقات العمومية، قانون الاستثمار وقانون المناجم وغيرها من النصوص الهامة، التي لا يمكننا تطبيقها في ظل غياب منظومة اقتصادية إصلاحية بميكانيزمات شفافة، فرئيس الجمهورية حرص على تفعيل هذه القوانين ما يستوجب حماية الاقتصاد الوطني بكل فعالية وشفافية، كما يجب تحضير ترسانة من القوانين وتطبيقها بكل فعالية.

كما يجب أن أشدد في هذا المقام، أن الإصلاحات لا بد أن تكون فعالة ومرقمنة على غرار القرار المتعلق بخلق بوابة اليكترونية للصفقات العمومية، التي من شأنها إضفاء الشفافية على طريقة تسيير هذه النفقات، وبذلك إذا قمنا برقمنة كل القطاع الاقتصادي سننجح في إضفاء الشفافية في هذا القطاع، لتعمم العملية وتشمل جميع القطاعات الموجودة.

3/ بعد ضمان إجراء الإصلاحات التي تحدثتم عليها، ما هي أهم الورشات والمحاور الواجب التركيز عليها لبلوغ هدف إعادة بعث الاقتصاد الوطني؟

بالنسبة للإقلاع الاقتصادي والورشات التي تكتسي طابع الأولوية، لا بد في المقام الأول من إصلاح المنظومة الفلاحية بصفة عامة، حيث تعد هذه أهم نقطة بالنظر إلى صمود القطاع الفلاحي خلال الأزمة الصحية التي تعيشها البلاد على غرار دول العالم، وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، فيمكننا القول لقد كانت لدينا ثورة فلاحية قوية، والاستثمار في هذا القطاع يأتي لا محالة بنتيجة مباشرة، لكن نعود ونؤكد ضرورة ضمان قطاع مهيكل من خلال إصلاح عديد المشاكل أولها مشكل العقار الفلاحي، فعلى سبيل المثال لو تحدثنا عن انتاج مادة القمح في الجنوب، لا بد من وجود سياسة فلاحية تدعم القطاع وتدعم انتاج القمح في هذه المناطق من الوطن، مع ضرورة ضمان مراقبة للعملية، حتى نتجنب أخطاء الماضي، خاصة ما تعلق بالمخطط الوطني للتنمية الفلاحية، ففي ظل استمرار غياب متابعة ومراقبة وعدم وجود خارطة وطنية للإنتاج الفلاحي، لن يكون بإمكاننا تحديد المناطق الواجب دعمها وفق حجم الانتاج الذي يمكنها أن توفره.

ورشة أخرى لابد من إطلاقها، وهي الصناعات التحويلية، فمن المعيب ونحن في 2022 لا تزال الجزائر تبيع المواد خام ما يحتم إعطاء أهمية قصوى لقطاع الصناعات التحويلية.

4/تضمن قانون المالية لسنة 2022، تدابير جديدة لضمان توازنات الدولة وتقليص الاعتماد على عائدات المحروقات، إلى أي مدى تمكن هذه التدابير الدولة من تحقيق الوثبة الاقتصادية الحقيقية؟

هناك بعض النقاط المهمة، أولها فكرة دعم المؤسسات الصغيرة، فقد خصصت الدولة حوالي 58 مليار أي ما يعادل تقريبا مليار لكل ولاية، لمرافقة المؤسسات الشبانية، كما منحتهم امتيازات جبائية وغير جبائية، وامتيازات جمركية وعقارية أيضا، وهي نقطة مهمة في قانون المالية 2022.

أيضا فيما يتعلق بدعم المؤسسات الناشئة، هناك تحول فيما يخص خلق المؤسسات الوطنية، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة الحفاظ على المؤسسات الموجودة وخلق نسيج جديد من المؤسسات الوطنية، فنحن بحاجة إلى خلق مليون مؤسسة اقتصادية خلال الخماسي الحالي، ولتحقيق ذلك لابد من التخلص من عقلية التخوف التي تدفع بالعديد من الشباب إلى التوجه نحو قطاع الوظيف العمومية عوض خلق مؤسسته الخاصة.

وأثمّن في هذه النقطة ما نص عليه المرسوم التنفيذي رقم 22_46 المؤرّخ في 16 جمادى الثانية عام 1443 الموافق 19 جانفي سنة 2022، المعــدل للمرســوم التنفيــذي رقم 03_290 المؤرخ في 9 رجـب عـــام 1424 الموافـق 6 سبتمبـــر سنـــة 2003، الــذي يحـــدد شــــروط الإعانـــــة المقدمـــة للشبـــــاب ذوي المشاريع ومستواها، الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، والذي رفع في مادته الثانية، شرط سن الحصول على إعانة من الصندوق الوطني لدعم تشغيل الشباب إلى 55 سنة .

4/ ما هي قراءتكم للتدابير الجديدة التي يتضمنها قانون المالية لسنة 2022، خاصة في الشق الذي يؤكد فيه الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية؟

هناك نقاط إيجابية في قانون المالية لسنة 2022، لأنه أتى بنقطة إضافية بالنسبة للدخل في الوظيف العمومي فيما يتعلق بمنحة المردودية على الدخل الإجمالي، فمنذ أزيد من 50 سنة شهد منحنى الدخل انخفاضا متواصلا، ما يجعل من إقرار زيادة في الأجور أمرا ضروريا، أيضا نقطة أخرى تؤكد تأكيد قانون المالية للسنة الجارية على الطابع الاجتماعي للدولة، وتتعلق بمنحة البطالة، وعلى الرغم من أن الدولة لم تحدد لحد الآن قيمتها، غير أننا ننتظر أن تكون حافزا لهذه الفئة خلال الأيام المقبلة، إضافة إلى عديد الأمور المرتبطة بالدخل على غرار ما تضمنته المادة 188 من القانون والمرتبطة بالدعم المباشر.

5/ بحديثكم عن الدعم الاجتماعي، أثار قرار وضع جهاز وطني للتعويضات النقدية المباشرة للأسر المعنية، الكثير من الجدل، برأيكم ما هي آليات تجسيد هذه النقطة؟

بالنسبة للدعم، المادة 188 من قانون المالية 2022 تؤكد إجراء احصاء اليكتروني عام للسكان، للحصول على الأرقام والمعلومات بكل دقة، فلو نجحنا في وضع منظومة احصائية رقمية سيكون بإمكاننا منح الدعم لمن يستحقه، فبدون منظومة احصائية لا يمكننا الحديث عن الدعم الاجتماعي لذا لا بد أن تكون لدينا معلومات رقمية دقيقة تمكننا من ردع كل من يقدم معلومات خاطئة.

وبالنسبة للمادة المذكورة أعلاه لا يمكن لنا تطبيقها إلا إذا وفرنا منظومة إحصائية لكل الأسر، حتى لا تكون هناك أخطاء فالقيمة المالية المخصصة للدعم  المقدرة بـ 17 مليار دولار كبيرة، بغض النظر عن باقي الدعم الاجمالي الذي يفوق 40 مليار دولار بالنسبة للصادرات والواردات وقطاع الصناعة سواء كان دعم مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى النفقات الجبائية التي تعتبر بدورها دعما للمستثمرين.

لو عدنا للـ17 مليار دولار الموجهة للدعم الاجتماعي، هذه القيمة لا تصل للمواطن إلا في حدود 20 بالمائة، لكن لو نتحكم في الجانب الاحصائي بدقة يمكن توزيعها ومنح دعم مباشر لهذه العائلات، فالإحصاء العام للسكان المرتقب نهاية مارس المقبل، مع ضرورة اجراء احصاء  لكل القطاعات الاقتصادية ومعرفة المنظومة الاقتصادية سواء من الجانب البشري أو من حيث مدخلات الانتاج الوطني، بعدها يفترض يكون هناك تنسيق بين باقي القطاعات المعنية، للحصول على عمل تقني، وألفت هنا أنه قد نسجل خلال أول سنة بعض الأخطاء وهذا أمر وارد بحكم أن التجربة فتية في الجزائر فبعض الدول على غرار دول امريكا الجنوبية بدأت هذه التجربة منذ سنوات ولا تزال تسجل بعض الأخطاء في حين استغرقت العملية حوالي 10 سنوات في دول أخرى للوصول إلى رقمنة اقتصادية دقيقية.

في حال تمكنا من تحقيق ارتباط رقمي بين جميع القطاعات، يمكننا في ذلك الوقت اكتشاف الكثير من المخالفات ومحاسبة كل من يقدم معلومات خاطئة للحصول على الدعم، لنتمكن بعدها من الحديث عن البطاقية الوطنية، وفي هذا المقام أأكد مجددا أننا نحتاج لرقمنة جميع القطاعات فالرهان المقبل هو كيفية توفير الامكانيات اللازمة لرقمنة جميع القطاعات الاقتصادية، فمن غير المعقول أن نسجل تفاوتا في عملية رقمنة الوزارات، فعلى سبيل المثال في الوقت الذي وصلت فيه نسبة رقمنة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي 80 بالمائة، نجد أن وزارة الرقمنة غير مرقمنة، ولا تتوفر حتى على موقع اليكتروني مكتفية بالتعامل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا غير معقول.

لا بد من وجود نية لدى السلطة لرقمنة جميع الاحصائيات في جميع القطاعات، وذلك لتتمكن من كشف المخالفين وأصحاب المعلومات الخاطئة، لتتمكن من محاسبتهم والحفاظ على المال العام، ولتحقيق ذلك لا بد من وضع خطة واستراتيجية لرقمنة جميع القطاعات، واختم بالقول إنه وبدون رقمنة لا يمكننا الحديث عن أي إصلاحات.

من نفس القسم الوطن