محلي
البنايات القديمة.. خطر يهدد آلاف العائلات بالعاصمة
بين خيار الهدم والترحيل أو إعادة الترميم
- بقلم ف م
- نشر في 12 ديسمبر 2021
لا ينقضي عام إلا ويتم تسجيل العديد من ولايات الوطن انهيار عديد البنايات العتيقة، مخلفة ورائها خسائر في الأرواح والممتلكات، وشوهت معها المنظر الجمالي للمدن.
شهدت العديد من الأحياء بالعاصمة، على غرار القصبة وحسين داي وحتى الجزائر الوسطى العديد من الحوادث لانهيار بنايات وشرفات في الآونة الأخيرة، وهو نفس الوضع بأحياء ولايات أخرى كعنابة، سكيكدة وقسنطينة وغيرها.
40 ألف بناية مهددة بالانهيار
وكشفت علوان زكية رئيسة لجنة الاعلام والاتصال بنقابة المهندسين المعتمدين في الهندسة المدنية والبناء، في حديثها لجريدة "الرائد"، بأن الجزائر تحصي عددا كبيرا من البنايات الهشة والآيلة للسقوط، والتي تشكل خطرا حقيقيا على قاطنيها وذلك بفعل هشاشتها وقلة تحملها للعوامل المناخية، كما أن طريقة بنائها تجعل خطر انهيارها على رؤوس ساكنيها وضع يستدعي اتخاذ تدابير استعجالية، مشيرة إلى أن الاحصائيات تكشف عن وجود أزيد من 40 ألف بناية مهددة بالانهيار.
وأوضحت بأن الخطر لا يقتصر على البنايات القديمة، بل تعداه للحديثة منها، والتي لم تسلم من الانهيار جراء هشاشتها وعدم مطابقتها للمعايير، الأمر يجعلها لا تصمد لسنوات قليلة، فما تم تسجيله في بعض الحالات لبنايات بدأت تتصدع بعدها تسليمها ودخول قاطنيها إليها، يجعل الوضع خطير جدا.
ونددت بسياسة اقصاء المهندسين المدنين، مشيرة إلى أن ما يحدث نتيجة اقصائهم عن المشاركة في الميدان، مشددة على ضرورة الحرص على للتحقق من مطابقة البنايات للمعايير التقنية وجودة البناء لاستغلالها لوقت أطول، مع تفعيل العقوبات وردع التجاوزات الحاصلة في مجال البناء.
وبخصوص العمر الافتراضي للبنايات، وخاصة التي بنيت من في الفترة الاستعمارية، في كل من العاصمة، سكيكدة وعنابة، أوضحت بأن عمر البناء الخرساني المبني على المعايير الصحيحة لا يتجاوز حوالي 70 إلى 80 سنة بالمناطق الداخلية، أما بالمناطق الساحلية ذات التأثير الجيولوجي والرطوبة العالية فلا يتجاوز فيها عمر البناء في أحسن الحالات 50 سنة، في حين تحصي بلادنا بنايات أعمارها بين 200 و150 سنة.
وأضافت المتحدثة بأن المشرع الجزائري لم يحدد العمر الافتراضي للبناء عبر الوثائق التقنية القانونية، عكس ما يتم العمل به في العديد من دول العالم، ما ينجر عنه بنايات هشة تشكلخطرا على ساكنتها، مضيفة بأن المناطق الزلزالية لا يتعدى عمر البنايات بها 50 سنة لتصبح بعدها عرضة للانهيار وتنتهي بعدها صلاحيتة وصلابة وأمن واستقرار البناء مهما كانت جودة مواد بناءه ومطابقته للمعايير.
التحقيق الجاد مطلب ملح..
ووصفت محدثتنا، عمليات البناء التي تتم دون إشراف هندسي، بالجريمة والكارثة، مشيرة إلى أن عواقبها وخيمة على المدى المتوسط و البعيد، وتساءلت زكية علوان عن كيفية منح تراخيص البناء دون اشتراط عقود الاشراف على الإنجاز، مضيفة بأن السلطات مطالبة بفرض شروط على الخواص لبناء سكناتهم وفقا للمعايير التقنية والهندسية، حفاظا على الأرواح والتأكد من خلو مساكنهم من العيوب، غير أن ما يجب الحرص عليه اليوم اطلاق عمليات حادة لتصنيف السكنات والشروع في عمليات استعجالية.
ويجري تصنيف البنابات، حسب درجة الخطورة بالألوان الثلاث الأخضر والبرتقالي والأحمر، اللون الأخضر تعد البناية آمنة وغير مهددة بالسقوط، بينما اللون البرتقالي يعتبر انذارا بوجود علامات ضعف في الهيكل لكنها غير كافية لانهيارها تحت الشروط النظامية، وفي لأخير اللون الأحمر والذي يعتبر الإشارة الى ضرورة اخلاء المبنى الفوري.
وتابعت قائلة "نطالب السلطات بالصرامة في حماية المواطنين والساكنة وتوفير البدائل في حالات القوة القاهرة، كما نطالب السكان بالانصياع للإخلاء في حالات الخطورة المعلنة والإسراع في اتخاذ تدابير الهدم او التدعيم وهذا لا يكون بقرارات جزافية بل بوضع الحالات محل دراسة تدعيم وتقوية وموازنة بين التدعيم المكلف والهدم الكلي وإعادة البناء".
وأضافت بأن عدد السكنات يتحاوز 2 مليون وحدة سكنية موزعة على عدد من ولايات الوطن، خاصة المدن الساحلية مثل العاصمة وعنابة وقسنطينة ووهران، وتتميّز بطابعها الهندسي الأوروبي، وتحتفظ بهويّتها التي تعود إلى المرحلة الاستعمارية، مؤكدة بأنه من غير المعقول أن نحافظ على كل ما تبقى من بنايات خدمة لسياسات معينة، إذا يجب أن نطلق تحقيقات جادة بهدم العمارات التي تشكل خطرا والاحتفاظ فقط بالتي لا تزال سليمة.
التوجه نحو سياسة جديدة..
وأوضحت المكلفة بالإعلام بنقابة المهندسين، بأن مساوئ سياسة الجزائر في الترميم ابقائها للمباني وهياكلها المتآكلة عقودا، مما استلزم أيضا الحفاظ على نفس البنى التحتية من قنوات صرف للمياه سواء للأمطار أو المياه المستعملة، كما تمت المحفاظة على التهيئة العمرانية القديمة، وفي المقابل توسعت المدن حتى أصبحت كل تلك المنشآت الأرضية عاجزة عن الاستيعاب ولم تتمكن من التكيف مع مستجدات هذا العصر من توصيلات وشبكات جديدة.
يجدر بنا تغير سياسة الترميم، التي يجري الاعتماد عليها في الوقت الراهن، عبر التوجه نحو اعادة بناء هياكل اغلب البنايات حسب درجات ضعفها، مع الاحتفاظ بنفس الهندسة المعمارية القديمة، لأن الهيكل تضعف بمرور الزمن وكثرة الهزات الارضية، ما يجعل من المستحيل اعادتها إلى أصلها، تؤكد زكية علوان.
وأضافت، بأن السلطات مطالبة بتصفية الموروث الهش، مع العمل على بناءه بنفس الهندسة الاوروبية العتيقة تو الذهاب للعصرنة والتغيير الجذري لبناء عمران جديد وطي صفحة هذا البناء تاريخيا ومعماريا، خاصة وأن مساعي إعادة ترميم الموروث الاستعماري والعثماني بأغلفة مالية ثقيلة وبدراسات غير جادة في أغلبها، أكدت فشلها الذريع، فالعديد من الانهيارات تمت في بنايات خضعت للترميم واستنزفت مبالغ ضخمة.
وأكدت محدثتنا، بأن الوضع الراهن يعود إلى اتباع السلطات لسياسة المحافظة على العقارات القديمة، سعيا لحماية المباني وابقائها في حالتها الاصلية ومنع مزيد من الضرر والتدهور، في المقابل فإنه لا يمكن التمسك بها كلية، في ظل ما يحدث من تطور في العالم وتسابق في البنيان.
وقالت زكية علوان، بأن العديد من الدول انتهجت سياسات جديدة في مجال الترميم عن طريق إعادة البناء أو إعادة الاستخدام المتكيف، من خلال الاعتماد على هياكل جديدة من الأساسات لتحل محل البنايات القديمة مع الحفاظ على نفس الوظيفة ونفس الشكل المعماري، أو بتعديل المنشأت القديمة وتحويل وظيفتها والإبقاء على البعض منها فقط للسياحة، حيث يتم عزل الواجهات لتبق كما هي مع ترميم الشكل الخارجي فقط وإعادة تشيدهاكليا واستخدام مواد بناء حديثة وأكثر مقاومة، كما أنشأت بعض الدول مباني عصرية أو مزيجا بين المعاصر والتاريخي محل هذه البنايات المتشابهة، لذا فمن الواجب الخروج عن النمط الحالي حفاظا على الأرواح.
وأعابت رئيسة لجنة الاعلام والاتصال بنقابة المهندسين المعتمدين في الهندسة المدنية والبناء، سياسة الترميم المعتمدة، مشيرة إلى أننا نتجرع نتائجها بعدم تجديد البنى التحتية وفشل العديد من الشبكات في استيعاب قطرات أمطار الخريف، كما أكدت بأن الدراسات غير الجادة والتنفيذ غير المطابق للمعايير ومنح الدراسات لغير أهلها، يظهر في الوضع الذي نشهده العديد من المدن ببناياتها وشبكاتها.