دولي
صفقة الضم تعيد التموضع والمقاومة والقوى تحقق مكاسب (2)
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 14 جولية 2020
... تابع هناك أربعة معالم أو عوامل مساعدة داعمة في مشروع المقاومة والشعب الفلسطيني للتقويض المستقبلي من مشروع الصفقة والضم:
- أولا، الخطأ الاستراتيجي الصهيوني : فالكيان الإسرائيلي راهن على حسابات غير دقيقة وقياس أخطأ فيه، فهو يظن أن الظروف ملائمة مثلما حدث في زمن صفقة بلفور 1917 وإسقاط الدولة العثمانية وإضعاف الأمة، أي أن ظروف الحكام العرب اليوم والأنظمة العربية هي أكثر ملائمة من فترة حكام خانوا القضية كأمثال حسين الشريف، بل اليوم راهنوا على التطبيع وابن سلمان والإمارات والبحرين والسيسي وغيرهم، وراهنوا على خنوع المؤسسات الدولية كالجامعة العربية، وراهنوا على ورقة أشد من بريطانيا وبلفور وفرنسا، وهي أمريكا، فالظروف اليوم مناسبة أكثر من السابق، بل القضية الفلسطينية اليوم جعلتها الأنظمة العربية المستبدة جانبية، وهناك تطبيع واصطفاف كبير، وتقسيم للمقسم وللمنطقة في (ليبيا سوريا واليمن..) أكثر من تقسيم الدولة العثمانية.
فظن المشروع الصهيوني مع هذه الظروف الأكثر مناسبة من فترة بلفور، يمكنه تمرير مشروع "ضم الضفة الغربية" بسهولة لوجود غطاء بل وأغطية تحميه وتعضده، لكن التقدير غير صائب، فهو لم يقدر ويحسب ويرصد قوة الشعب الفلسطيني والمقاومة وقوة مقومات الأمة، التي لم تتوفر في مرحلة إسقاط الدولة العثمانية وتنزيل صفقة بلفور، كانت الظروف غثائية في صف الأمة، لكن الوضع اليوم مختلف جدا.
- ثانيا، القوة الداخلية الفلسطينية: ما دامت هناك قوتان في فلسطين ممثلة في الشارع الفلسطيني الغاضب ومقاومة قوية، فإن موازين القوى ستتغير ولن يمر الضم سهلا، بل إذا كانت المرحلة الأولى من صفقة القرن جوبهت إعلاناتها الترامبية فقط بقوة من مسيرات الشعب الفلسطيني والشارع العربي والإسلامي، فإن المرحلة الثانية من الصفقة قد تعرف موازين أخرى ومربعات جديدة تدخل في سياق المواجهة.
عملية الضم والسرقة للضفة هو الوجه الحقيقي للصفقة، لأن الصفقة تحقيقها لن يتم إلا بتصفية مقومين أساسيين وهما الشعب في الضفة الغربية، والمقاومة في غزة، دون ذلك فلن يمر أي إجراء عملي للصفقة. نعم قد نشهد إعلانات أو تنزيل جزئي للصفقة كما حدث في مرحلة التمهيد التصريحي النصي، لكن "مرحلة الضم" وضرب جزء قوي من قوة مشروع القضية (الضفة وغزة)هو محل العنصرية الإبادية المباشرة التي قد تفضي إلى انتفاضة جديدة، لكن الحسابات الصهيونية راهنت على وجود ظروف إقليمية ودولية مناسبة قد تنفعها وتدعمها، وقدر الله كان قدرا وتقديرا ورحمة لمن اقتفى سنن الله.
ثالثاً: التميز الفعلي والحرص المطلوب: تأجيل الضم أو عدم الإعلان عنه كما وعدوا ليس مؤشرا عن طي صفحة الضم، والوقت في عرف الصهاينة غير مقدس، فقد يكون التأجيل مجرد تدرج لإعادة التموضع إلى أن يتم إيجاد مع أمريكا سبلا لمواجهة ما رصدته القوى الصهيونية من جديد في التحرك الفلسطيني والعربي الإسلامي ضد عملية ما تسمى الضم أو سرقة الضفة.
الأهم في هذه المرحلة أن المقوم الفلسطيني وضع بصمته وتميز حضوره عن المرحلة الأولى وهي الإعلان عن الصفقة رغم كل محاولات ضرب قوى الحضور الفلسطيني، والتكالب على الشعب الفلسطيني لإضعافه والتمهيد لتصفيته في مرحلة ثانية بتهويد الضفة ديمغرافيا وجغرافيا وسياسيا.
رابعاً، المخزون الروحي والفطري: ورغم الانقسام والظروف، فالمخزون الروحي والفطري للشعب الفلسطيني يمكنه أن يتطور ويقلب الموازين ويصدم المشروع الصهيوني وكياناته العربية المستبدة.
التطور في الفعل الفلسطيني ربح كبير.
ونرصد هنا مشاهد لهذا التطور بعد محاولات الضم الصهيوني للضفة فماذا تحقق؟
- توحدت غزة وكانت سباقة كما العادة بمختلف راياتها خلف ألوان العلم الفلسطيني، رفضا لمشاريع الاحتلال في الضم وسرقة الأرض، كانت هذه المرة مختلفة عن صد المرحلة الأولى للصفقة، اليوم كانت حاضنة المقاومة تساند الضفة والقدس، في صورة وطنية موحدة بعيدا عن الانقسام والانفصال.
- المقاومة أرسلت 23 صاروخاً تجريبياً تطلقها غزة في يوم واحد، رسالة يفهمها العدو، وصواريخ غزة سقطت على بعد أميال من قبرص!
- لأول مرة تصنع المقاومة حربا قبل الحرب، وحسمت في القضية، ودخلت في مرحلة الفصل سميت " بفصل الخطاب" حين يصرح القائد العام أبو خالد الضيف أفضل من تحدث عن الضم، بوضوح عبر الناطق باسم القسام أبو عبيدة فقال "الضم إعلان حرب، هذا فصل الخطاب ويحتاج تعزيز هذه الفكرة عبر رؤية فلسطينية متكاملة، غزة والضفة وال٤٨ جميعهم فلسطين، وكل فلسطين تشتاق لفلسطين."
- في مرحلة الإعلانات عن بنود صفقة القرن في المرحلة الأولى، لم يتم خروج المقاومة بهذا الشكل وهذا الخطاب والحسم، وهذا نابع من فقه أعمق للقضية والمرحلة الثانية وخطورة الضم على الشعب الفلسطيني بل على شعوب الأمة التي ستفقد فلسطين إن ضاعت الضفة.
- خطاب المقاومة بهذا الأسلوب نابع أيضا من سياسة "الصمت الرهيب" أي الخروج بالحرب في الصفقة في الوقت الذي تصل فيه الصفقة علوها ومداها، ووقت وصول الشعب الفلسطيني غضبه الحقيقي المتراكم المساعد على الانتفاضة، وأظن أن الكيان الصهيوني تراجع خطوة للوراء، لأنه رصد المربعات والتغيرات الجديدة، لأنه ربما أخطأ وراهن على أنظمة عربية ديكتاتورية طبعت ونشرت أفلاما عن "أم هارون للتأثير على الشعوب" وراهن على حكام وضعوا القضية الفلسطينية جانبا، وراهن على أنظمة قسمت الأمة بالحروب، لكن الرصد كان خاطئا، لأن جبهة السماء وسنة الله مع الذين يعملون بالأسباب دون غفلة عن مسبب الأسباب..
- خلال هذه المرحلة خرجت مسيرات حاشدة في خانيونس جنوبي قطاع غزة رفضًا لخطة الضم الإسرائيلية وهو مما يذكر الكيان الإسرائيلي بمسيرات العودة ومسارها، فضلا عن مسيرات في لبنان وغيرها..
- فضلا عن خطاب المقاومة ودورها فقد توحدت الفصائل الفلسطينية على موقف واحد، بل وتوحدت القوى الفلسطينية السياسة على موقف الرفض دون انقسام لتحقيق وحدة التوجه، ووحدة الفعل، فالمقاومة هي الخيار المتبقي، مما دفع فتح وحماس إلى برمجة لقاء موحد لمدارسة الضم للضفة
- كانت خارج فلسطين قوة ثانية تتحرك وهي الأمة والشعوب العربية والإسلامية والقوى المناصرة وكانت تتأهب لاحتجاجات قوية وهو مربع آخر يحسب له ألف حساب وهو عقبة أمام تنزيل صفقة القرن كما صرح بذلك نتياهو، لأن تحرك الشارع أي زعزعة لأنظمة تشكل أجساما للمشروع الصهيوني، حين تتأثر الأنظمة بموقف الشارع والشعوب ترتبك أرض الكيان الإسرائيلي.