دولي
اللاجئون الفلسطينيون قبل وبعد أوسلو
هدفت خطة ترامب إلى تصفية حق العودة قانونياً
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 جوان 2020
في السيرورة التاريخية للاجئ الفلسطيني نجد أن ذاكرة التحدي تسكنه، أو ما سماه إدوارد سعيد "منطق الأضداد"، بوصفها ذاكرة تنطلق من المكان المؤقت والآني القاسي، مخيم/ موقع اللجوء، لتسافر عبر الحلم إلى المكان الأم والأول. فالحنين المستمر إلى الزمان والمكان الأولين، يأتي عبر التداخل والاختلاط، وعبر النبش في التاريخ، وفي الذاكرة بين مكانين وبين زمنين، بإدامة الهوية المتخيلة للاجئين، وبمعنى آخر "تقديس ما كان" أصبح المصدر لخلق ذهنية عامة ووعي الذات والعلاقة مع الآخر.
استندت اتفاقيات التسوية بين الفلسطينيين والصهاينة إلى قراري مجلس الأمن رقم 242 (22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967) ورقم 338 (22 تشرين الأول/أكتوبر 1973)، اللذين أشارا أساساً إلى "ضرورة تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، ولم تعالج اتفاقات أوسلو قضية اللاجئين بشكل مباشر، كما لم تؤثر على وضعهم. وعلى غرار " قضايا الوضع الدائم" الأخرى، مثل القدس والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع دول مجاورة أخرى و"قضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك".
تم تأجيل قضية اللاجئين إلى مرحلة ثانية من المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية التي كانت ستبدأ خلال السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. وبالتالي بقي الوضع القانوني للاجئين دون تغيير، ما عدا اللاجئين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين حصلوا مع السكان الأصليين لهذه الأراضي على بطاقات هوية جديدة منحتها لهم السلطة الوطنية الفلسطينية التي أنشئت حديثاً (عام 1994). لكن عن طريق البدء بفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، والتي كان من المقرر أن تُحل مع نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – بما في ذلك مسألة اللاجئين، وعملت اتفاقيات التسوية طيلة السنوات الماضية إلي تحويل قضية اللاجئين " وحق العودة والتعويض " داخل التجمعات الفلسطينية المتنوعة إلي نقاش حول المكونات السياسية والإنسانية لقضية اللاجئين.
اتخذت السلطة الفلسطينية عدة إجراءات من جانب واحد كان من شأنها تطبيع وضع اللاجئين في فلسطين، مما أثار الكثير من المخاوف والتوجس بين اللاجئين، ودفع بهم إلى التعبئة من أجل وضع "حق العودة"، وحصلت حملة تعبئة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث اكتسب اللاجئون نفوذاً سياسياً من خلال مشاركتهم في الانتخابات العامة عام 1996.بعدها انطلقت حملات تعبئة واسعة النطاق تحت رعاية العديد من مؤسسات الدفاع عن اللاجئين، بما في ذلك مظاهرات وعرائض، بل وحتى محاولات مؤسساتية لإنشاء هيئة مستقلة تمثل اللاجئين في مفاوضات الوضع الدائم. كما شهدت فترة ما بعد عام 1993 توترات بين مجموعتين في الضفة الغربية (بين جهاز السلطة الوطنية الفلسطينية لاجئي المخيمات) بشأن مثل هذه القضايا، مثل توزيع الخدمات البلدية (الكهرباء والماء) أو حيازة الأسلحة من قبل سكان المخيمات، بصفة عامة. واشتكى لاجئو المخيمات، على غرار لاجئي المخيمات في البلدان المضيفة الأخرى، من أن "السكان الأصليين" مارسوا التمييز الاجتماعي ضدهم. وفي قطاع غزة استاء اللاجئون – سكان المخيمات وغير المخيمات – من حقيقة أن قوّتهم داخل المجتمع مرهونة بوضعهم.
اعترفت القيادة الفلسطينية علناً في أوائل عام 1996، بأهمية حق العودة ودور لاجئي المخيمات داخل حركة المقاومة الفلسطينية. وتخلت عن خططها باندماج مخيمات الضفة الغربية ضمن البلديات المجاورة وتولي بعض مهام الأونروا قبل اتفاق السلام الدائم مع إسرائيل. ومع ذلك استمرت القيادة الفلسطينية في موقفها التوفيقي فيما يتعلق بحق العودة لصالح إقامة دولة فلسطينية.
زاد من قلق اللاجئين أن المفاوض الفلسطيني لم يكشف رسمياً عما تم التوصل إليه من تفاهمات في قمة كامب ديفيد الثانية 2000، بينما سرب الجانب الإسرائيلي معظم هذه التفاهمات التي أكدت وجود نقاشات من حيث المبدأ على تجزئة مسألة اللاجئين بعودة أعداد معينة ومحدودة من اللاجئين إلى داخل الدولة الإسرائيلية في إطار جمع الشمل وليس في إطار اعتراف إسرائيل بحق اللاجئين في العودة، وعبر استيعاب الدولة الفلسطينية لأعداد أخرى، وفي الحالتين ضمن خطة يستغرق تنفيذها سنوات طويلة تتراوح ما بين 10و20 سنة، مقابل إعادة تهجير الباقين أو توطينهم في أماكن إقامتهم الحالية.
انطوت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2019 على تفكيك وضعية اللاجئ الفلسطيني القانونية، وإنهاء جميع المطالبات المتعلّقة بالعودة أو استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في دولة إسرائيل. كما اقترحت الرؤية إطاراً لدمج الغالبية العظمى في البلدان المضيفة الحالية، واستيعاب جزء منهم في دولة فلسطين المستقبلية ضمن قيود محددة، وتوطين 50 ألف لاجئ، على مدى عشر سنوات، في البلدان التي تنتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي.
رفض الطرف الفلسطيني خطة ترامب، لكن ما قام به المفاوض الفلسطيني على مدار ثلاثة عقود ساهم في إضعاف المكانة القانونية للاجئ الفلسطيني. إذ كشفت "أوراق فلسطين" كيف أنّ القيادة الفلسطينية وفريق التفاوض، توصّلوا في مقترحاتهم التفاوضية مع الطرفين الإسرائيلي والأميركي، إلى حلول تقضي بعودة رمزية للاجئين. ففي اجتماع لكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات مع المبعوث الأميركي جورج ميتشل، قال عريقات إنّ "على الفلسطينيين أن يفهموا أن خمسة ملايين لاجئ لن يعودوا جميعهم".
يبدو من الواضح أنّ رؤية ترامب وخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، لن تسمح بإنشاء دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة تستوعب هذا العدد الرمزي أيضاً، الأمر الذي يجعلنا نعود إلى المربع "صفر" وهو التمسك بكون حق العودة والتعويض حقا فرديا وحقا جماعيا ولا يمكن التفاوض عليه أو التنازل عنه ولا يسقط بالتقادم، وعلى القيادة الفلسطينية أن تخرج حق العودة والتعويض من أي مفاوضات أو تسويات مقبلة.