دولي
نحو آليات مشروع وطني فلسطيني مقاوم .. تعقيباً على معين الطاهر
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 18 أفريل 2020
قدّم الكاتب معين الطاهر تصورا مهما لـ "مشروع وطني فلسطيني مقاوم"، في مقالته المطولة بهذا العنوان في "العربي الجديد" (1 إبريل/ نيسان الجاري)، يتقاطع فيه مع كتابات وتصورات كثيرة وضعت في هذا الشأن، ومنها "رؤية وطنية فلسطينية" ومشروع "إعادة بناء منظمة التحرير"، والتي قدمها "ملتقى فلسطين" الذي يضم مجموعة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين. وليست هذه المقالة/ الورقة للرد على معين الطاهر، أو على تصورات الملتقى، وإنما هي للبناء على ما تم تقديمه بمحاولة للانتقال من الرؤى والتصورات إلى الآليات التي يحتاجها المشروع الوطني، حيث لا يختلف الكثيرون على الأهداف الوطنية العامة المتمثلة بالتحرير ودحر الاحتلال وتفكيك نظام الأبارتايد الإسرائيلي، ولكن الصعوبة والخلاف في الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية قيام الشعب الفلسطيني بذلك، من حيث تحديد الآليات والاستراتيجيات العامة للعمل الوطني.
يكاد لا يختلف اثنان، بمن فيهم أقطاب الانقسام الفلسطيني، على أن الآلية المناسبة ل "لمّ الشمل الفلسطيني المقاوم" تتمثل بإعادة منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية جديدة، وذلك بعد سنوات من التهميش ونقل الصلاحيات التاريخية منها إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.
أولاً، إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية: إعادة بناء منظمة التحرير هي الآلية الأنسب لترجمة رؤى المشروع الوطني الفلسطيني، وتكمن أهمية هذا الأمر في الشرعية التاريخية لمنظمة التحرير، وفي الاعتراف الدولي الذي تحقق للمنظمة نتيجة نضالات وطنية فلسطينية على مدى عقود. ومنظمة التحرير الفلسطينية، باختصار، هي الإطار الذي يمكن من خلاله إنهاء الإنقسام الأسود وتجميع العمل الوطني ضمن إطار محدّد وهيكلية واضحة، ناهيك عن أن المنظمة تتجاوز عقبة "السيادة" التي تقيد السلطة الفلسطينية، باعتبارها (السلطة) عاملة تحت سقف الاحتلال، حيث يمكن للمنظمة العمل من الخارج، من دون الحاجة إلى تصاريح إسرائيلية للمغادرة والعودة إلى الوطن. وهناك على الأقل ثلاث مدارس رئيسية تتناول الكيفية التي يمكن من خلالها إعادة بناء منظمة التحرير:
1- المحادثات المباشرة بين الأحزاب الفاعلة على الساحة الفلسطينية. جرت محادثات كثيرة في
"إعادة بناء منظمة التحرير الآلية الأنسب لترجمة رؤى المشروع الوطني الفلسطيني" العقدين الماضيين، سواء بين الفصيلين الرئيسيين، حركتي فتح وحماس أو باشتراك الأحزاب والحركات السياسية الأخرى. وتم التوصل إلى تفاهمات عديدة، نتيجة لهذه المحادثات، وللأسف بقيت كلها حبرا على ورق. والمشكلة في هذه المدرسة أن المحادثات بين الأحزاب السياسية تخضع لقواعد المحاصصة والصفقات السياسية، وليس بالضرورة بمحدّدات المشروع الوطني، فكثيراً ما كان النقاش يغرق في عدد مقاعد كل فصيل سياسي، وأي اللجان يتولى مسؤوليتها أي حزب، وعدد المقاعد في المجلس الوطني ومجلسه المركزي، وإلى غير ذلك من حصص الفصائل السياسية في منظمة التحرير.
2 - مبادرات فردية ومؤسساتية تقوم بها جهات حريصة على الوحدة وإنهاء الانقسام، وهي مبادرات مهمة، خصوصاً أنها تأتي عادة من قياداتٍ ذات تاريخ نضالي، وتربطهم بقيادات الفصائل علاقات شخصية، وأيضاً علاقات عمل وطني، ما يُحدِث مجالا للتأثير في القرارات السياسية للفصائل، خصوصاً فيما يتعلق بإنهاء الانقسام أو إعادة بناء منظمة التحرير. وُجد كثيرون من هذه المبادرات في السنوات السابقة، ولكن هناك ثلاثة تحديات رئيسية لهذا النوع من المدرسة: أولاً، نقص عامل الديمومة والمنهجية في هذه المبادرات، فبعضها ينتهي بعد الجلسة الأولى أو الثانية، ومنها ما ربما تصطدم بمراوغة الفصائل التي تدّعي كل منها حرصها على إنهاء الانقسام، وكأن هؤلاء الوسطاء أو المبادرين هم من يقفون عقبة أمام الوحدة. ثانياً: عدم وجود التنسيق ما بين هذه المبادرات، وهذا مفهوم على اعتبار أن مصادرها متعدّدة، فالمحصلة تصبح إعادة ما قام به الآخرون وتكراره. ثالثاً: عدم وجود تراكمية في العمل، حيث لا تبنى المبادرات التي تقوم في المستقبل على ما تم إنجازه سابقاً، ولو الشيء البسيط، بل تستنسخ التجربة السابقة، أو ما يطلق عليه "إعادة اكتشاف العجلة".
3 - الضغط الشعبي على الفصائل الرئيسية لإنهاء انقسامها، بحيث يكون هناك تحرّك واسع، ليس فقط من المستقلين، ولكن أيضا من قواعد الأحزاب نفسها للضغط على القيادة. نظرياً هذا الطرح جائز، ولكن عملياً لا يعدو كونه تفكير تمنٍّ، فقد تعايش "الضغط الشعبي" مع أكثر من 13 عاماً سوداء من الانقسام وما زال، لا بل اعتادت القواعد على الانقسام، واستفاد منه كثيرون، سواء على المستوى الشخصي أو الحزبي، ولربما يوقِف الأفراد أو قيادات الوسط أنفسهم من يريد إعادة بناء منظمة التحرير، على اعتبار أن ذلك يعني خسارة بعض امتيازاتهم، عندما ينتقل القرار الوطني من سلطةٍ تحت الاحتلال إلى الخارج، وكذلك، ببساطة، لأن بعضهم سيخسر مقعده في مؤسسات منظمة التحرير، عندما تدخل الفصائل الأخرى ويمكن رؤية دخولها هذا "اقتساما للغنائم"، فمن سيبادر إذا، وينظم ضغطا شعبيا على القيادات، إذا كانت القيادات الميدانية نفسها مستفيدة.
وقد أمكن، عبر مفاوضات المحاصصة السياسية بين الفصائل، أو من خلال المبادرات الفردية والمؤسساتية، ملاحظة الوصول إلى تفاهمات واتفاقات عديدة بشأن إعادة بناء منظمة التحرير، ولكنها جميعها ذهبت أدراج الرياح، لا بل رفعت من مستوى اليأس والإحباط من إمكانية تنفيذ اتفاق على إعادة بناء المنظمة. من هنا، أصبحت آلية تنفيذ المشروع الوطني، المتمثلة بإعادة بناء منظمة التحرير، أيضا، بحاجة إلى آليةٍ لتنفيذها، ما يقود إلى النقطة الثانية في عملية البحث عن آليات النهوض بالمشروع الوطني.
ثانياً، الحوار الوطني: أساس الانقسام الفلسطيني وتعطيل مؤسسات المشروع الوطني مثل "إعادة بناء منظمة التحرير" هو الاختلاف في الرؤى حول البرنامج السياسي، للتعامل مع مرحلة ما بعد فشل أوسلو. هناك كثيرون ممن يحمّلون الفساد في قيادة الفصائل مسؤولية الانقسام، وهذا ليس صحيحا كلياً، ولا خاطئا كليا. ما هو واضحٌ أن الفساد موجود بحدود معينة، ولكن ليس بالفساد وحده يحيا الانقسام، إذ لا بد من وجود شروط موضوعية له، حتى يستطيع "الفاسدون" تبرير فسادهم.
جذور المشكلة في تعطيل المشروع الوطني الفلسطيني، وفي بناء مؤسساته، إذاً تكمن في عدم الاتفاق على رؤية وطنية وانقسام على البرنامج السياسي، وهذا يصعب حله من دون الدخول في حوار وطني ذي منهجية واضحة، وممثل جميع القوى السياسية الفاعلة على الساحة الفلسطينية. والغريب أن تاريخ العمل الوطني الفلسطيني حافل بالتجارب السياسية، ولكنه يخلو، أقله منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل (اتفاق أوسلو) في العام 1993، من حوار وطني ممثل، يستطيع صياغة رؤية للعمل الوطني بعد فشل "برنامج أوسلو".