الوطن

"كورونا" أثر على النمو الاقتصادي ولابد من مجابهة الفيروس بإجراءات ملموسة

"الحجر الصحي" وإغلاق المصانع أدى إلى انخفاض كبير في استهلاك النفط، مهماه :

 

يرى الخبير الطاقوي، مهماه بوزيان، أن التراجع القياسي في أسعار النفط يهدد تراجع مداخيل كلّ الدول المصدرة للمحروقات، كما سيؤدي إلى تراجع مداخيلها، وقال في حوار مع" الرائد " إن ذلك سيلقي بظلاله على الاقتصاد الوطني، ودعا بالمناسبة لغلق منافذ الذعر والفوضى حتى لا يتسللان إلى الفضاء الوطني والكيان الاجتماعي، مشددا على أهمية اتخاذ إجراءات فعالة وحاسمة على مستوى العديد من القطاعات الحيوية.

 

ما هي تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني؟

فيروس كرونا تسبب في انتشار الذعر العالمي، وبالتالي انتشار حالات الإغلاق (المصانع، المساحات التجارية، الرحالات، المطارات، الحدود، المدن، ..) وبالتالي تراجع الإنتاج، وتقلص مستوى نمو الإقتصاد العالمي، وبالتالي تراجع قياسي في أسعار النفط، وهذا أدى إلى تراجع كبير في أسعار برميل خام النفط، وهذا ما يهدد تراجع مداخيل كلّ الدول المصدر للمحروقات، بنا سيؤدي إلى تراجع مداخيلها خلال هذه السنة بما يزيد عن 30 في المائة، وهذا بالتأكيد سيلقي بظلال الصعوبات على اقتصادنا الوطني كذلك.

 

ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها؟

أهم الإجراءات التي ينبغي اتخاذها هي تلك التي تستهدف غلق منافذ الذعر والفوضى حتى لا يتسللان إلى فضائنا الوطني وكياننا الاجتماعي وذاتنا الفردية، لأن ما يقتل هو الهلع والتسيب والتساهل وليس فيروس "كوفيد-19" في حدّ ذاته فقط. وأيضا اتخاذ إجراءات فعالة وحاسمة على مستوى العديد من القطاعات الحيوية، لأنه عند النظر إلى ديناميكية انتشار الفيروس سنجد بأنها ترتبط بديناميكية التجمعات البشرية وبنشاط الحياة اليومية في المجتمعات، ولذلك أجد أنه يتوجب على السلطات مباشرة منع الازدحام والاكتظاظ وتكديس المواطنين في وسائل النقل وخطوطه، كذلك اتخاذ إجراءات ملموسة ومحسوسة في الإقامات الجامعية والمدارس وأماكن التظاهرات العامة والجماهيرية، وأيضا التكفل بالوضع العملي والمهني للمتدخلين في قطاع الصحة، بل هي الفرصة لتحسين الإدارة الصحية وتحسين ظروف أداء الممارسين وتوفير شروط حمايتهم لأنهم العنصر المتعامل مباشرة مع الفيروس والمصابين به، كما ينبغي تحسين ظروف الحجر الصحي، فالحجر الصحي ينبغي أن يكون أكثر إنسانية وليس سجنا انفراديا، هذا جزء يسير مما ينبغي القيام به، في انتظار إقامة منظومة متكاملة للحماية والتدخل والتكفل في حالة تمدد انتشار الوباء لا قدر الله، ونسأل الله السلامة والعافية لنا ولكل المواطنين ولبلدنا وللإنسانية جمعاء.

وتبقى اليقظة هي مفتاح كل الحلول، مع بروز تيار اجتماعي قوي يؤمن بالتطوع كقيمة حياتية نبيلة، ويحمل "الخدمة الاجتماعية" في فكره وقناعاته كقيمة رسالية سامية، كطريق للتغلب على كل الآفات والجائحات، فكل تجارب العالم في مثل هذه الأوضاع علمتنا بأن حركات "نساء ورجال التضحية" والجمعيات المدنية والأهلية وتيارات الخدمة الإجتماعية، والأطباء المتطوعين وأعمال المبادرين هي التي خلقت دوما الفارق الايجابي ومكّنت من تجاوز أصعب الظروف والمراحل الحرجة حين انتشار الأوبئة.

 

كيف ترون مصير قطاع الطاقة في ظل اتشار كورونا؟

تبقى المشكلة معقدة وتتطلب في النهاية حلًا طبيًا وليس حلاً نقديًا أو نفطيا.

 

ما هي تأثيرات الفيروس على قطاع الطاقة؟

الحجر الصحي على نطاق واسع، وإغلاق المصانع والقيود المفروضة على السفر أدت إلى انخفاض كبير في استهلاك النفط. حيث أن التقييمات حاليا تؤكد أن الطلب على النفط سينخفض خلال هذا الربع الأول بحجم مهول يعدّ هو الأكبر في التاريخ خلال موسم كامل، حتى أنه سيتجاوز حجم الانخفاضات التي حدثت خلال الأزمة المالية "2008-2009"، حتى أن التقديرات ذهبت إلى أن الطلب على النفط سينكمش بمقدار 3,8 مليون برميل في اليوم أثناء هذا الربع الأول من السنة، وبذلك سيكون هذا الإنخفاض في الطلب على النفط هو الأكبر والأعلى من كل تلك الإنخافضات الموسمية التي حدثت منذ 40 عامًا، خاصة إذا استحضرنا المرات الأربعة التي حدثت فيها هذه الإنهيارات الكبيرة في الطلب على خام النفط. إذا أن انخفض الطلب على النفط في هذا العام 2020 بـ 3,8 مليون برميل يوميا، لم يحدث من قبل تسجيل مثله كإنخفاض فصلي متصل.

 

اجتماع أوبك وحتمية خض الانتاج . ما تعليكم؟

للأسف البالغ، خرج إجتماع "أوبك +" مساء الجمعة الماضية، بسعر نفط لـ"خام برنت القياسي العالمي" عند مستوى الـ 45 دولار، وهو أسوء سيناريو كان متوقعاً، وهذه هي الصورة المبسطة لنتائج لقاء كان الجميع ينتظر مخرجاته، خاصة مع تعاظم التفاؤل بنتائجه، مع تطور المسار. ففي مساء يوم الأربعاء (7 مارس) كان الحديث على مقترحات لجنة المتابعة الفنية وتوصياتها بضرورة تعميق خفض الإنتاج من 600 ألف إلى 1 مليون برميل يوميا، رغم تحفظات ليبيا، و عدم حسم روسيا لموقفها، وفي منتصف نهار يوم الخميس، كان الإتفاق داخل "أوبك" هو تمديد العمل بإتفاق خفض الإنتاج إلى غاية نهاية سنة 2020، مع تعميق خفض الإنتاج بـ 1,5 مليون برميل خلال الربع الثاني من هذه السنة (أفريل، ماي، جوان) أي إلى غاية بداية فصل الصيف، وهو ما أعتبر مفاجئا جدا، وإتفاقا جريئا وغير مسبوق وغير متوقع، الأمر الذي بعث التفاؤل بإمكانية تحقيق اتفاق تاريخي باهر، سيعيد بعث الثقة في الأسواق، وسيدعم "نفسية برميل النفط المنهارة" وسيساعده بقوة للتماسك فوق مستوى الـ 50 دولار خلال هذه الفترة الحرجة لإنتشار وباء كورونا، ليغادر بعد ذلك وزير الطاقة الروسي فيينا عائد إلى موسكو. لكن في مساء يوم الخميس تعود أوبك للإجتماع مجددا لتعمق في مقترحها لشركائها وهو مقترح يتضمن تعميق خفض الإنتاج بـ 1,5 مليون برميل إلى غاية نهاية سنة 2020، وليس فقط خلال الربع الثاني من هذه السنة، على شرط مشاركة روسيا وبقية الأعضاء المستقلين في "أوبك +" حيث يتعين عليهم تحمّل تخفيض بـ 500 ألف برميل من مجموع الـ 1,5 مليون برميل، بما سيرفع من مستوى "التخفيض التراكمي إلى 3,6 مليون برميل، وإذا أضفنا الواحد مليون برميل والذي يمثل حجم تراجع الإنتاج الليبي حاليا، بسبب إغلاق الموانئ، سنجد أنفسنا مع بداية الشهر القادم في مستوى من التخفيض الطوعي والقسري بما يقارب الـ 4,6 مليون برميل، وهو حجم يتجاوز حجم التقديرات الحالية في مقدار التراجع في الطلب على النفط والذي يجري تقديره بين 2,7 إلى 3,8 مليون برميل، بمعنى أن قرار أوبك وشركائها المستقلين في حالة إقراره سيمثل الأسفنجة الحقيقية الفعالة والقوية التي ستمتص سريعا كميات النفط العائمة في الأسواق وتلك المتواجد لدى المضاربين، بما سيدفع الأسواق إلى التوازن وسيمكن الأسعار من التماسك، في انتظار بداية السداسي الثاني من هذه السنة، أين يتوقع بداية التعافي الحقيقي للمجتمع العالمي من وباء كورونا، ومباشرة الإقتصاد العالمي لفترة تعافيه، وبذلك سنشهد تماثل أسعار النفط للشفاء. لكنه في صبيحة يوم الجمعة عادة وزير الخارجية الروسي إلى فيينا، وبدأت مفاوضات حرجة، اتسمت بالتعنت، لينفض الجمع على "اللاإتفاق" بل الأخطر ما وقع وهو تحلل روسيا من الإتفاق التاريخي والإستراتيجي مع نهاية العمل به في نهاية هذا الشهر، وإعلانها أنه لا أحد ملزم، مع بدابة شهر أفريل القادم، بأي تسقيف، وبذلك دقت روسيا إسفين الغرق في "برميل النفط" الهش والمتهالك، وفرضت منطقها الذي أعطى الإذن بنهاية عهد الحصص والمحاصصة، والعودة إلى عهد "النظرة الوطنية القطرية بدلا من الروح الجماعية" حيث ستعمل كل دولة بحرية مع مؤسساتها الوطنية للدفاع عن قدراتها الإنتاجية ولتعزيز حضورها في الأسواق النفطية. وهذا ما دفع بالنفط ليهوي في يوم واحد بـ 10 في المائة، في أسوأ أداء يومي منذ تخمة معروض النفط عام 2015. حتى أن الأمين العام لأوبك "محمد باركيندو" أشار في تصريح مقتضب له بأن نهاية الاجتماع جاءت مؤلمة.

من نفس القسم الوطن