الوطن

التطوع مدفوع الأجر يحول الأحزاب لشركاء في الفساد

الانتخابات الجزائرية بين الرقابة والمراقبة

 

 

يعتبر الانتخاب وفق الدساتير في العالم حقا وواجبا حتى لو تخلى الناخبون عن واجبهم أو تنازل الناخبون عن حقهم في اختيار من يمثلهم في مجالس يفترض أنها تسير الشؤون العامة للحياة اليومية العادية. 

وإذا كان الفعل الانتخابي ممارسة ديمقراطية يفترض أن كل ما يتعلق بالعملية أن يعبر، خارج الدعم اللوجيستي للإدارة، عن سلسلة عمليات ديمقراطية منوطة بالأحزاب المشاركة في الاستحقاق الانتخابي على مدى المواسم الانتخابية وذلك منذ خوض غمار المنافسة لغاية النتائج المعلن عنها. 

وبين دخول المعترك الانتخابي ونتائجه، يبذل المترشحون، سواء كانوا مستقلين أو منخرطين في قائمة حزبية، جهودا مضنية وثمن أتعاب تدفع لتغطية الحملة الانتخابية من إشهار، نقل، إيواء، إطعام وكراء مقرات المداومات أو قاعات وفضاءات التجمعات وكل ما تعلق بالمسار الانتخابي. ثمن يمثل سقف الطموحات ويترجم مدى قدرة المترشحين على الإقناع والقوة على تحويل الأخير إلى أرقام وأفكار مربحة، ناجحة.

وإذا كانت العملية في حد ذاتها تديرها الإدارة من تجنيد لأعوانها ورصد أموال لإنجاح العملية التي تقف مسؤولية إدارتها على الإدارة وأعوانها في حياد مبدئي يضمن عدم توجيه الانتخابات أو التلاعب بنتائجها في اتجاه محدد. ومن حق الإدارة أن تدفع أتعاب أعوانها المجندين في عملية ذات أعباء إضافية عن ساعات العمل القانونية أجرا محددا ومتواضعا بالنسبة لما يتقاضاه العون مقابل راتبه الشهري، بل نقل منحة جزافية يتقاضاها العون، وفق المركز الذي يوجد فيه، أثناء العملية الانتخابية.

لكن الأحزاب تعتبر العملية عرسا انتخابيا تسهر عناصر القوائم على تأطيرها موازاة لتسيير الإدارة. والغرض هو الوقوف على نزاهة العملية من خلال انخراط الأحزاب في لجان المراقبة الانتخابية التي يجلس فيها ممثلو الأحزاب المشاركة. ومن المنطق أن تتكفل الأحزاب بأجر مراقبيها مثلما تتحمل أعباء وأتعاب مرشحين سواء من خزائنها أو اعتماد تطوع هؤلاء المراقبين خدمة لقوائمها وليس للدولة أن تتحمل تبعات التأطير السياسي عبر 1541 مجلس بلدي. ومادام الترشح فعلا تطوعا يدفع صاحبه اشتراكا لدعم قائمته كما تقتضي الضرورة ذلك، فكيف بالتطوع لمراقبة العملية الانتخابية يدخل خانة التطوع المدفوع الأجر. 

ومن التناقضات أن يدخل الحلبة القضاة للإشراف على الانتخابات، وإقحام القضاة في العملية الانتخابية أثار حفيظة الطبقة السياسية أسابيع فقط بعد الترحيب بهذا الإجراء الذي ثمنته كل الأحزاب قبل نتائج تشريعيات 10 ماي الماضي. 

ومما أثار حفيظة السياسيين تقاضي القضاة منحة خيالية مقابل إشراف عدة أيام على العملية الانتخابية. وتقاضى كل قاضي 150 مليون دج مقابل عشرة أيام خدمة مع كل الامتيازات المرافقة.

وتطلب اللجنة التي ترافق لجنة القضاة في الإشراف الرقابي على الانتخابات مقابل ذلك أضعاف ما تقاضته في تشريعيات ماي الماضي وذلك من منطلق المعاملة بالمثل. رئيس اللجنة الذي هدد، باسم زملائه، بالدخول في إضراب، قال إننا نريد تقاضي ما يتقاضاه القضاة، "إذا تقاضوا تقاضينا وإن تنازلوا تطوعنا"، قال محمد صديقي الثلاثاء الماضي مهددا بدخول اللجنة الوطنية للانتخابات ولمراقبة الانتخابات وفروعها في إضراب.

ما يعني أن العمل الرقابي والترشح يدخل في دائرة النضال وما يوجبه من عمل تطوعي، حولته السلطة إلى تطوع مدفوع الأجر. الأمر الذي حول العملية لبورصة مناسباتية لتحقيق أرباح طائلة لدى أحزاب مجهرية لا ناقة لها ولا جمل سياسي ولكن تحقق أرباحا سهلة من خلال بيع الغطاء السياسي لقوائم متنكرة وبيع مناصب التمثيل في اللجان الولائية والبلدية للانتخابات، فمتى تنتهي مهازل الريع السياسي الذي تدفعه السلطة هباء منثورا.

 طارق مروان


 

من نفس القسم الوطن