الوطن
جزائريون متمسكون بصلة الرحم وإدخال الفرحة على الفقراء
من أهم ميزاتهم الإكثار من الصدقات
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 أكتوبر 2012
رغم التغيرات الكثيرة التي طرأت خلال السنوات الأخيرة على مجتمعنا، إلا أنهم ما زالوا متمسكين بتقاليد أجدادهم، فتراهم يحبذون إحياء سنة النحر بشكل جماعي والإكثار من الصدقات، ومحافظتهم على زيارة المقابر وتوطيد صلة الأرحام في العيد وإدخال البهجة على قلوب العائلات المحرومة والفقراء.
تختلف الأعراف والتقاليد من منطقة إلى أخرى وتتوزع المشاهد الاحتفالية، ولكن يبقى السكان موحدون يجمعهم الدين الحنيف دين الإسلام وسنة رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) ينهلون من سننه متشبثين بهذه الذكرى العظيمة المؤصلة من حياة سيدنا إبراهيم، حينما هم بذبح ابنه إسماعيل تطبيقا للرؤيا التي رآها في نومه، ورؤيا الأنبياء حق. فالجزائريون بعاداتهم وتقاليدهم التي يؤطرها هذا الجو يحتفل بعيد الأضحى أو (العيد الكبير، فهو عيد التضحية، حيث تكتظ الأسواق والساحات العمومية بالناس حين يقترب موعده للبحث عن خروف جيد بثمن رخيص، فيتم الاختيار والمساومة، حيث لا يتحرج الكثير من الأولياء على جلب أضاح حتى لو اضطروا إلى تمزيق جيوبهم أكثر، وتختلط الرغبة في الحرص على إحياء السنة وضمان فرحة الأطفال، وكذا التفاخر بين الجيران والأقرباء، لتجسيد مسعى اقتناء كبش أقرن يبهج الناظرين. وحتى الذي لم يستطع شراء أضحية، يلجأ إلى شراء بضع كيلوغرامات من اللحم رغم تكلفته الغالية، المهم معايشة أجواء العيد وإن كانت مكلفة، حتى وإن لزم الأمر الادخار والاقتراض لتمرّ المناسبة في أحسن الظروف، ومن النادر جدًا أن تجد عائلة تفرّط في الاحتفال بالعيد، إلا لظرف قاهر..
الذبح جماعيًا وتناول طعام الغداء في مجالس عامرة أعادت شيئًا من الحميمية لأيام زمان
وفي الصباح الباكر يخرج الجميع رجالا ونساء أطفالا وشيوخا لأداء صلاة العيد بالمساجد، في أجواء دينية وروحانية، وقبيل الصلاة تمتلئ الساحات بالناس في ملابسهم الزاهية الجميلة وهم في طريقهم إلى المسجد، فالعيد يمثل الفرحة بلقاء الأهل وبأكل ما لذ وطاب من الطعام، وبالنسبة للأطفال فرصة للإشباع من مادة لم تكن لتتوفر في الموائد باستمرار وتبعًا لقداسة المناسبة في أعين الجميع. ومن العادة أن يطلى الكباش بـالحنة التقليدية ليلة العيد، في وقت جرى إحياء سنة من خلال التقاء الأشقاء والأقارب والجيران وحتى الأصدقاء في ساحة كبيرة، وشروعهم في الذبح جماعيًا وتناول طعام الغداء في مجالس عامرة أعادت شيئًا من الحميمية لأيام زمان. وعادة ما تستمر الاحتفالات بالعيد ثلاثة أيام، وتتسم بعادات راسخة كزيارة الأهل والأقارب وتخصيص الفخذ لكل منهما، كما يحرص الجزائريون على وجه الخصوص على أعمال الخير، من خلال توزيع الأضاحي على الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة،وما يميز العيد لدى الكثير هو كثرة مظاهر الكرم العفوي التي كانت سائدة في الماضي مثل تقاسم لحم الأضحية، وتمكين الكادحين من نصيب منها.
اغتنام المناسبة لتبديد الكآبة ورسم السعادة
ومن العادات المحبذة في نفوس السكان أيضا اغتنام المناسبة لتبديد الكآبة ورسم السعادة، إضافة إلى التقارب وتوثيق العلاقات الاجتماعية وفك النزاعات وإقامة الصلح بين المتخاصمين، ما يحوّل العيد إلى محفل يغمر الكبير والصغير بالبهجة. ومن جهة أخرى يفضل الكثير من الشباب خاصة على مستوى المدن الكبرى الاحتفال بعيد الأضحى على طريقتهم، من خلال تنظيم مجالس الشواء على الجمر أو على" الباربكيو" اللفظ الشائع محليا، حيث ينهمك كثيرون في طهي قطع اللحم على الجمر وتناولها ساخنة وحدها أو مع سندوتشات، فيما تملأ ألسنة النيران والروائح الزكية المكان من تناول الدوّارة والبوزلوف وغيرها من الأطباق الشعبية. ومن جهة أخرى تتفنن النساء في تحضير أطباق تقليدية يشتهر بها المطبخ الجزائري في هذا العيد ويتذوق جميع أفراد الأسر أطباقًا تبرع النسوة في طهيها وتزيينها بمختلف بهارات الذبيحة على غرار العصبان، ناهيك عن شطيطحة بوزلوف والرشتة والكسكسي باللحم وغيرها من الأطباق اللذيذة التي تسيل لعاب الكثير..
مهارة الرجال في الطهي حاضرة
يلجأ الرجال الذي يمتهنون الطهي في هذه المناسبة إلى إبراز مهارتهم عن طريق تحضير أطباق خفيفة بلحم الخروف لإضفاء اجواء خاصة للعيد، حيث يفضلون شوي اللحم على الحطب، وهذا الأمر رائع كثيرا لمن يملكون ساحات بمنازلهم. وفي اليوم الموالي يتم تقطيع الأضحية إلى قطع يحتفظ ببعضها وتوزع جلها على الأهل وعلى الفقراء والمساكين، وتعد هذه الظاهرة أهم ما يميز عيد الأضحى لدى سكان منطقة القبائل، والذين يعملون جاهدين على إشراك الكثير من المحرومين فرحة العيد معه ويحاول رسم البسمة على وجوههم.