الوطن

التعليم التحضيري.. أساتذة يتهربون ووزارة تريد التخلي عنه

غياب السندات زاد الطين بلة

    • كتابان فقط في ظرف 10 سنوات ومحتويات تفتقر للمنهاجية

    • 4  مشاريع تنتظر الضوء الأخضر من وزارة التربية

 

اشتكى أساتذة التعليم الابتدائي من المشاكل التي أضحوا يتلقونها في الطور التحضيري، بسبب نقص السندات، ما يجعلهم يتهربون من تدريس هذا الطور الذي لم تخصص لهم وزارة التربية سوى كتابين على مدار 10 سنوات الماضية، ناهيك عن نقص الإمكانيات المادية والبيداغوجية في عدة مناطق خاصة النائية، من أجهزة تلفاز وغيرها من الوسائل التي تعيق دور الأستاذ، في وقت تستعد وزارة التربية الوطنية لإلغاء فتح أقسام عدة ببعض الولايات كحل للقضاء على إشكالية الاكتظاظ في بعض الأطوار والأقسام التعليمية.

قدمت اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، التي أنشئت في ماي 2000، تقريرها في مارس 2001 عارضة أهمية التعليم التحضيري بالمقارنة مع الطلب الاجتماعي ومع الوثيرة العالمية، فإنه يسجل التطور المهم لهذا القطاع الذي لا يمكن تعميمه إلا على المدى المتوسط، فالنصوص التنظيمية عليها أن تؤكد الوصاية البيداغوجية للدولة على كل قطاع تربية الطفولة المبكرة، شروط الافتتاح، التسيير والتمويل خاصة بالنسبة للخواص، كذلك البرامج البيداغوجية ومقاييس تصنيف طاقم التأطير.

وبناء على هدف وزارة التربية، فإن التقارب المؤسساتي بالمدرسة الإجبارية يهدف إلى تحقيقه من خلال تعميم التربية التحضيرية لفائدة الأطفال في سن الخامسة، أي فكرة متضمنة في طرق استمرارية طرق التعلّم، كما يشكل نمط الخروج مما قبل المدرسي نمط الالتحاق بسنة أولى ابتدائي. هذه الوضعية هي بمثابة قطيعة مع التأكيد التقليدي للخصوصيات البيداغوجية لمرحلة ما قبل المدرسي والابتدائي. فالتواصل في طرق التعلّم مبني على فكرة التحضير الجيّد للمستقبل الدراسي.

وتوقعت وزارة التربية الوطنية تشجيع الحركة الجمعوية لتطوير التربية التحضيرية، وأكدت أنها حرصت على تكافؤ الفرص عن طريق وضع شبكة من رياض الأطفال. ومن أجل تحقيق هذا الأمر تم إعداد وتوزيع مناهج على نطاق واسع في المناطق المحرومة، إلا أنه بعد 20 سنة من طرح الفكرة وتطبيقها، يجد الأساتذة صعوبة في التعامل مع المناهج التي أقرتها وزارة التربية.

 

    • كتابان فقط في ظرف 10 سنوات ومحتويات تفتقر للمنهاجية

 

ووفق الشكاوى التي صدرت عن أساتذة التعليم الابتدائي بناء على سبر آراء قامت به "الجريدة" عبر بعض صفحات الأساتذة عبر منصة التواصل الاجتماعي "الفايس بوك"، فإن محتوى الكتب المدرجة في التربية التحضيرية "تفتقر للمنهجية" لأنها لا تعمل على إعداد الوضعيات التعلمية التي يكون فيها الطفل صانعا لتعلماته ومكتشفا للمساعي التي اعتمدها في بناء فعل التعلم، ما جعل الأستاذ يلجأ إلى كتب خارجية ومواقع إلكترونية من أجل إيصال المعلومة للأطفال، والذي يخلق فوارق في قدرة استيعاب التلاميذ ليصلوا إلى السنة الأولى ابتدائي بقدرات مختلفة.

وأجمع الأساتذة على أن كتاب التربية التحضيرية وخاصة في هذه المرحلة من العمر يجب أن يكون همزة وصل بين الطفل والمربي من جهة وبين المربي والولي من جهة أخرى.

وبناء على ما تناقله الأساتذة فإنه في ظل التطورات السريعة التي يشهدها حقل التربية والتعليم، فقد عرفت التربية التحضيرية في الجزائر صدور 3 وثائق رسمية توجيهية على مدار 30 سنة تقريبا، والوثيقة التوجيهية المرجعية سنة 1990، ووثيقة منهجية سنة 1996 تحت عنوان الدليل المنهجي للتعليم ما قبل المدرسي، والمنهاج والدليل التطبيقي سنة 2004. وكل هذه الوثائق لم تثمر عن منتوج مدرسي حتى سنة 2008، حيث أصدرت الوزارة كتابين "تعلماتي الأولى في التخطيط والقراءة" و"تعلماتي الأولى في الرياضيات والتربية العلمية والتكنولوجية"، وتم إسقاط المنهاج على 4 أنشطة فقط بينما يحوي المنهاج 12 نشاطا مقررا فيه.

وأضافت مصادرنا أنه بالنسبة للكتب الوزارية لم تكن ترقى لحاجات الطفل، لا من حيث الشكل ولا المضمون وكذا الصور التي لم تكن من واقع الطفل ومحيطه، ولم تعمل الوزارة على توحيد الأقسام التحضيرية والجمعيات والمساجد، رغم التدابير المتخذة لتوحيد المناهج على مستوى هذه الأخيرة وصدور قرارات من قبل الوزارة لتوحيد البرنامج المدرسي.

واشار الأساتذة أن غياب الرقابة أدى إلى ظهور اختلاف كبير في التعلمات التي تقدم لأطفال التربية التحضيرية، بين من يعتمد على المنهاج الوزاري كمرجع وحيد وبين من يفضل تقديم الأناشيد والموسيقى كحد أدنى كي لا يرهق الطفل، وبين من يرى في تحفيظ سور من القرآن الكريم أحسن طريقة، وبين من يفضل تدريس اللغات الأجنبية، الفرنسية والإنجليزية، وبين من يعتمد على اللعب كمحرك أساسي في نمو شخصية الطفل.

 

    • أولياء خاب أملهم

 

وتباينت الأفكار والاجتهادات واختلف مستوى الأطفال بشهادة الأولياء الذين خاب أملهم في بعض الجمعيات ودور المساجد، وحتى الأساتذة الذين يكلفون بأقسام التربية التحضيرية أصبحوا يمتنعون عن تدريس هذا المستوى لانعدام المراجع والمستندات والبرامج التي تخدم طفل التربية التحضيرية من جهة، وانعدام التكوين الجيد من جهة أخرى، باعتراف هؤلاء الأساتذة أنفسهم.

وفي هذا الشأن، قال رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ إنه بالنسبة للتحضيري ليس هناك قانون يلزم إنشاء الصف التحضري لحد الآن، ولم يسن قانون لكي يكون على مستوى المؤسسات التربوية، ما جعل الوزارة تلجأ إلى غلق أقسام على غرار ما سيعتمد مثلا في الموسم الدراسي المقبل بولاية غليزان، حيث سيتم غلق أقسام تحضيرية من أجل القضاء على الاكتظاظ في بعض الأقسام للأطوار الأخرى، مشيرا أن الأقسام التحضيرية ستخصص كأقسام إما للطور الثانوي أو المتوسط على حسب درجات الاكتظاظ في بعض المناطق، علما أن عدة مديريات تربية رفضت نهاية الموسم الدراسي 2018-2019 فتح التسجيل للتعليم للتحضيري وقررت تأجيله إلى غاية شهر سبتمبر المقبل، على اعتبار أنه لم يتم الفصل فيها بعد إن كان سيتم فتحها أو استغلالها حسب الحاجة.

وكانت وزارة التربية قد لجأت في أكثر من مرة لإلغاء أقسام التحضيري في عدة مناطق بناء على تعليمات قدمتها لإلغاء الأقسام التحضيرية لمواجهة مشكل الاكتظاظ الذي لم يعد حبيس بعض الثانويات أو المتوسطات، بعد قرار تحويل عدد من أقسام بعض الابتدائيات إلى ملاحق للثانويات، وهو ما أثار حفيظة الأولياء..

وانتقد رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ اللجوء إلى إلغاء التعليم التحضيري في بعض الولايات، وأكد أنه سيتسبب في فوارق في مستوى التلاميذ، ناهيك عن وجود مشاكل عديدة تواجه هذا الطور في عدة مدارس عبر الوطن. يأتي هذا في ظل عدم إشراك معاهد علم النفس والاجتماع وعلوم الاتصال وخريجي معاهد الفنون الجميلة في تشكيل تعليم متلائم ومتناسق من المعارف والتنشيط، وإدراج برنامج وزاري وحيد لم يتغير منذ سنة 2008، حيث لا يتماشى مع قدرات الطفل ومتطلباته ويفتقر للتنويع، كما يعتمد على التلقين ولا يتماشى مع محاور وأنشطة التربية التحضيرية، وهي غير ملائمة لطبيعة الكفاءات المستهدفة وخصائص سيرورة التعلم، ولا تعتمد على العمل بالمشروع كمسعى ووسيلة لإكساب الطفل الكفاءات بطريقة نشطة.

 

    • حلول

 

من أجل تدارك الوضع، ترى يمينة العمري، التي لها تجربة 20 سنة في التعليم التحضيري وصاحبة دراسة شاملة للمنهاج والدليل التطبيقي منذ صدوره في 2004، وعكفت على تطبيقه نظريا وتطبيقيا وتمكنت من وضع منهجية عمل تخدم طفل التربية التحضيرية، أنه على وزارة التربية الوطنية بناء برامج خاصة بهذه المرحلة وتوفير ظروف التكفل النوعي بالطفولة الصغرى في مختلف الفضاءات المتخصصة في التربية التحضيرية، وذلك بضمان تنمية كفاءات وإعداد برنامج ووسائل عمل ملائمة استجابة لاحتياجات الطفل ومتطلبات نموه، وتحقيق الانسجام بين مختلف هياكل ومؤسسات النظام التربوي.

كما اقترحت ضرورة التنسيق بين وزارة التربية ووزارة الشؤون الدينية لوضع نظام برمجي تعليمي وصحي وترفيهي وفرض التطور الاجتماعي والاقتصادي والعلمي الذي يشهده العالم واقعا جديدا على الجزائر، ما يتطلب مراجعة مكونات النظام التربوي في وضع مناهج وبرامج تتماشى وهذه التغيرات والمستجدات، سعيا نحو إقرار مدرسة جزائرية متطورة ومتفتحة تتكفل بالإعداد الأمثل للأجيال، لأن سياق التجديد في بناء المناهج والبرامج وتطويرها لا يمكن أن تكون له دلالة إلا بالتكفل بمختلف مراحل النظام التربوي، بما في ذلك المرحلة التحضيرية كونها مدعمة للتربية الأسرية من جهة، ومعدة للتعلمات المدرسية من جهة أخرى.

هذا ووقفت محدثتنا على اختلاط البعد التربوي بالبعد التجاري، وتساءلت كيف نوجد توازنا بين ما هو تجاري ربحي وبين ما هو تربوي تعليمي ؟ قبل أن تطرح مفهوم الجودة وتقصير الفضاءات في القيام بدور تنمية المهارات الجسدية والمعرفية (بعضها، وخاصة في الخواص، موجود في المنازل) مع انحراف عدد كبير إن لم أقل الكل عن البرنامج الرسمي الوزاري وتجاوزه للقانون فيما بخص التسعيرة وطاقة الاستيعاب، في ظل تواصل عدم توفر العدد الكافي للأجهزة.

 

    • 4  مشاريع تنتظر الضوء الأخضر من وزارة التربية

 

وتمكنت يمينة العمري، التي لها خبرة 32 سنة في التعليم، من إعداد 4 مشاريع وظفت فيها جميع الأنشطة المقررة في المنهاج ودليل أسمته "دليل المربي في تنفيذ منهجية العمل بالمشروع"، يحتوي على كيفية العمل بالمشروع والتقويم، وتناول الأنشطة عن طريق اللعب الذي يعتبر المحور الأساسي في نمو الطفل، تماشيا مع التطورات التي يشهدها حقل التربية، دفتر الأنشطة: يحوي أنشطة مختلفة وهو عبارة عن عملية إسقاط للمشاريع الأربعة، وكتاب يتناول التربية التحضيرية في الجزائر واقعها / أهدافها / آفاقها.

ويندرج وضع هذا السند التربوي، حسب ذات المتحدثة، لتقريب وتوحيد الاختيارات لدى فئة المربين التي تنشط في فضاءات التربية التحضيرية، والتأكيد من خلاله على ضرورة انسجام الممارسات التربوية في هذا الحقل التربوي الهام، ولمساعدة المربين العاملين في مختلف الفضاءات على قراءة المنهجية المدرجة للعمل بالمشروع بما يتضمنه من خطوات منهجية وتوجيهات تربوية تروم تحقيق الاستثمار الأمثل للمنهاج بكل مكوناته ومحتوياته.

من نفس القسم الوطن