الوطن

الرئيس الذي استقال لتستمر الجمهورية

الرئيس الشاذلي بن جديد في ذمة الله

 

 

انتقل إلى رحمة الله أمس بعد الظهر الرئيس الثالث للجزائر بعد الاستقلال، الشاذلي بن جديد، عن عمر يناهز 83 سنة، وبعد أن نقل إلى مستشفى عين النعجة، حيث مكث أكثر من ثلاثة أيام في العناية المركزة. ونقلت مصادر أنه كان مصابا بسرطان الكلى والبروستات. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الراحل كان يعالج في أوروبا، متنقلا بين باريس وبروكسل إلى أن وفاه الأجل البارحة بعد عمل مليء بالنضال والجهاد وتضحيات ستذكرها له الأجيال القادمة.

ولد الرئيس بن جديد في 14 أفريل 1929 بقرية بوثلجة بولاية الطارف لأسرة متواضعة، والتحق في وقت مبكر من حياته بالتنظيم السياسي العسكري لجبهة التحرير الوطني، ثم بجيش التحرير، حيث عين قائدا لإحدى المناطق. 

ومنذ 1958 وحتى 1969 تدرج في مناصب عسكرية انتهت بتوليه سنة 1978 وفي شهر نوفمبر، وزيرا للدفاع الوطني، وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين، اختير كرئيس للجمهورية بعد ما كانت كل التوقعات تشير ساعتها إلى تولي محمد الصالح يحياوي أو عبد العزيز بوتفليقة للمنصب. 

وبمجرد تعيينه رئيسا للدولة، قرر بن جديد وأصحاب النفوذ الجدد الذين كانوا خلفه أن يتحولوا بمسيرة الجزائر واختياراتها الأولى في ظل حكم بومدين من خلال التوجه غربا بدل الاستمرار في المعسكر الاشتراكي، ونمت مصطلحات جديدة كعدم الانحياز الإيجابي والخصخصة وغيرها من المصطلحات التي كانت غائبة في المرحلة السابقة.

وقد قام أيضا بإلغاء مشاريع بومدين الكبيرة، فقد أرجع الأراضي المؤممة إلى أصحابها، وقام بعملية التحول الاقتصادي من خلال التوجه إلى القطاع الخاص، وبدل مشروع التصنيع، حيث قرر الشاذلي بن جديد استيراد حاجيات الجزائر من عواصم الغرب، وكل هذا كان تحت الشعار المرفوع للمرحلة من أجل حياة أفضل. 

كما عرفت مرحلة حكمه ببداية الانفتاح السياسي، وكانت أول قراراته إطلاق سراح قيادات الحركة الإسلامية التي عرفت انتشارا واسعا في مرحلة حكمه. 

وعمل الشاذلي على القضاء على خصومه الإيديولوجيين وخاصة التيار اليساري والاشتراكي بدعم الحركة الإسلامية ورموزها وتشجيع المؤسسات التعليمية الجامعية كالجامعة الإسلامية في قسنطينة وولايات أخرى وقبول قدوم علماء من أمثال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ويوسف القرضاوي الذين كان لهم كبير الأثر في انتشار الصحوة الإسلامية، إضافة إلى دعم مؤتمرات الفكر الإسلامي ومعرض الكتاب الإسلامي الذي عرف رواجا كبيرا في مرحلته.

وعرفت الجزائر في مرحلته أزمة اقتصادية خانقة بعد تراجع أسعار النفط، مما تسبب في انتشار البطالة وارتفاع القدرة الشرائية، إضافة إلى استمرار حكم الحزب الواحد وعدم الانفتاح في الحريات، مما تسبب في بروز غليان شعبي كبير ترجمته أحداث 5 أكتوبر 1988 بانفجار شعبي كان مترجما للصراع وجدل كبير بين المحافظين والإصلاحيين داخل جبهة التحرير الوطني، مما دفع بالشاذلي بن جديد ساعتها وفي سبتمبر 1988 في خطابه المشهور، حيث طلب من الشعب الجزائري الثورة على حاكميه، ويبدو أنّه كان يريد التحرر من ضغوط مراكز القوة، وكانت أحداث 5 أكتوبر انطلاقة نحو مرحلة جديدة قادها الشاذلي بن جديد من خلال البدء بتغيير الدستور الجزائري ثم قام بإبعاد الراديكاليين داخل حزب جبهة التحرير الوطني وحتى بعض العسكريين، ففي 29 أكتوبر 1988 أبعد الشاذلي الرجل العتيد في حزب جبهة التحرير الوطني محمد شريف مساعديّة، مسؤول الأمانة العامة في حزب جبهة التحرير الوطني، كما أقال مدير الاستخبارات العسكرية الأكحل عيّاط.

وفي فيفري 1989 صوتّ الشعب الجزائري لصالح الدستور الجزائري والذي أقرّ مبدأ التعددية السياسية والإعلاميّة. وفور المصادقة على الدستور الجديد والإقرار بمبدأ التعددية السياسية والحزبية، بدأ رموز المعارضة يعودون من الخارج كأحمد بن بلة وحسين آيت أحمد وغيرهما.

كما عرفت تلك المرحلة بنشأة أحزاب سياسية جديدة، وبدأ الانفتاح الإعلامي، ونظمت أول انتخابات بلدية في 12 جوان 1990 ثم انتخابات برلمانية في 26 ديسمبر 1991 إلى أن قدم استقالته في 11 جانفي 1992.

كما استطاع الشاذلي في مرحلة حكمه أن يعيد رسم السياسة الخارجية للجزائر، حيث كان أول رئيس يتوجه إلى فرنسا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، لينهي مرحلة البقاء تحت سيطرة الاتحاد السوفياتي.

اليوم يغادرنا هذا الرجل المجاهد الذي كان أحد قادة الثورة الجزائرية في الشرق الجزائري والرئيس الذي قدم استقالته ليحافظ على ضميره رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.

سليمان شنين

 

 

 

من نفس القسم الوطن