الوطن

ما حدث في الجزائر منذ 24 سنة كان انطلاقة الربيع العربي

الخامس من أكتوبر 1988

 

 

البلدان العربية تعيش ارتدادات ربيع الجزائر

تعيش الجزائر غدا الجمعة ذكرى ما عرف بأحداث الخامس من أكتوبر 1988، هذه الأحداث كان لها كبير الأثر على الحياة السياسية في البلاد، برغم من كان المحرك الفعلي لها، حيث نجم عنها ميلاد تعددية سياسية وإعلامية أفضت إلى ربيع ديمقراطي الأول من نوعه عربيا، وهي بذلك في نظر مراقبين جزائريين، بداية الحراك العربي الحقيقي لما يعرف حاليا بـ  "الربيع العربي" الذي تشهده أكثر من دولة عربية، وما هذا "الربيع" في الحقيقة، إلا ارتدادات ربيع الجزائر منذ 24 سنة. ولو أن الوعود بالإصلاحات استكلمت، لكانت الجزائر بحق نموذجا يحتذى به في العالم العربي من حيث الديمقراطية.  

 

مرت أربع وعشرون سنة على أحداث أكتوبر 1988، هذه الأخيرة التي ثار فيها الشعب عبر مختلف ربوع الوطن، لما كان الرئيس الشاذلي بن جديد يحكم البلاد لعهدة ثانية، حملت معها رياح التغيير المنشودة، وأسست لجزائر جديدة شهدت فجرا من التعددية الحزبية والإعلامية لم تعرفه دولة عربية من قبل، كما لم تشهده الجزائر طيلة الاستقلال حتى تاريخ تلك الأحداث. 

يوم خمسة أكتوبر 1988، خرج الجزائريون في العاصمة في انتفاضة على كل ما يرمز للدولة، وكانت مؤسسات حزب جبهة التحرير الوطني الأكثر عرضة للتخريب، تلتها عمليات تكسير وتخريب وحرق مست مختلف المنشآت والمؤسسات العمومية، وبالرغم عن ما قيل في تلك الفترة عن الأطراف التي كانت من ورائها، وما نجم بعدها من سنوات عرفت "بالعشرية السوداء" خلال التسعينيات، إلا أنها كانت في الحقيقة ربيعا جزائريا أتى على العديد من مناحي الحياة العامة التي كان الجزائريون قد عاشوها خلال فترة حكم الحزب الواحد.

أولى نتائج هذه الأحداث، كانت الإعلان عن إصلاحات عميقة من طرف الرئيس الشاذلي بن جديد قبل أن يستقيل، حيث بدأها بتعديل الدستور الذي كرس مبدأ التعددية السياسية والإعلامية، وأدى ذلك إلى ظهور أحزاب سياسية كالفطريات وصل عددها إلى 62 حزبا سياسيا، وبرزت عدة عناوين صحفية مستقلة وحزبية وخاصة، وساهمت إصلاحات الرئيس الشاذلي في ظهور الجمعيات والنقابات التي تحول بعضها إلى السياسة وناضل البعض الآخر من أجل ضمان العيش الكريم، كل هذا كان نتاج أحداث أكتوبر 1988.

وبعد عامين على الأحداث، شهدت الجزائر تنظيم انتخابات محلية شارك فيها العديد من الأحزاب السياسية، أبرزها كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ - الفيس (المحلة)، حزب جبهة التحرير الوطني، وأحزاب أخرى على اختلاف مشاربها السياسية من ديمقراطيين، وعلمانيين، وتروتسكيين، وأحزاب ذات التوجه الإسلامي (النهضة، حمس)، وكان من نتائج المحليات في 1990 فوز ساحق للفيس (المحل) بأغلبية البلديات عبر الوطن، ما اعتبر انتكاسة كبيرة للحزب العتيد (الأفالان)، حيث قرئ على أنه قطيعة شعبية مع الحزب الواحد، وبعدها، تم تنظيم انتخابات برلمانية ثم ألغيت نتائجها في الدور الأول وتم توقيف المسار الانتخابي منتصف 1991، بعد فوز الجبهة الإسلامية بأغلبية المقاعد في الدور الأول.

 بعد استقالة الشاذلي، تدخل الجيش إثر ظهور العصيان المدني للفيس الذي قرر الصعود للجبال والعمل العسكري ضد كل ما يرمز للنظام، وقد دخلت الجزائر في أزمة أمنية وأعلنت حالة الطوارئ، وتمكنت الجزائر شيئا فشيئا من استرجاع أمنها بعد عشرية دامية، حيث أعلن آلاف المسلحين تخليهم عن العمل الإرهابي واستفادوا من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية التي جاء بها الرئيس بوتفليقة.

خلال الأربع والعشرين سنة الماضية، قيل الكثير عن هذه الأحداث التي بدأت بخروج الشعب إلى الشوارع ثم تغير النظام من أحادية حزبية (حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم آنذاك)، إلى تعددية سياسية سمحت بوصول أحزاب مختلفة التوجه إلى البرلمان، وحتى إلى الحكومة، كانت أحداث 5 أكتوبر 1988 في منظور البعض مخططا لها من قبل أطراف في النظام لقلب الحكم، غير أنها اعتبرت من قبل العديد من المحللين السياسيين الجزائريين، على أنها كانت، بالرغم من سلبياتها وإيجابياتها، ربيعا جزائريا بحق، لا سيما وأنها جاءت برياح التغيير المنشودة، حيث لم يخرج الشعب حينها إلا لكونه كان طامحا في رؤية انفتاح في مختلف مناحي الحياة السياسية، والإعلامية، والاجتماعية، وحتى الاقتصادية، خاصة وأن الاقتصاد كان موجها مركزيا، بينما أحداث أكتوبر 1988 حررته وخلقت ما عرف لاحقا باقتصاد السوق، والأهم من كل ذلك، أن الجزائريين، عرفوا ربيعا عربيا لم يسبقهم إليه أحد من الشعوب العربية الأخرى، وحاليا، يجمع العديد من المراقبين الجزائريين، على أن أحداث 1988 كانت الممهد الحقيقي لما يعرف حاليا بـ "الربيع العربي"، والذي تشهده كل من مصر، تونس، سوريا، واليمن، وبذلك، فالحراك العربي الحقيقي انطلق فعلا من الجزائر منذ نحو 24 سنة، وما يحدث الآن هو ارتدادات لهذا الربيع الجزائري، حيث من المتوقع أن تشهد هذه الدول نوعا من الأحداث كالتي عاشتها الجزائر في فترة التسعينيات، وخير دليل على ذلك، ما تعرفه تونس اليوم من أحداث.

كانت الأحداث وكانت الإصلاحات، ووعدت الحكومة والرئيس في ذلك الوقت بالتغيير، وغير ما غير، لكن القدر الذي نفذ من تلك الوعود كان غير كافيا لدفع الجزائر نحو تبوء المرتبة الأولى من حيث الدول الأكثر ديمقراطية، فالكثير من الإصلاحات لم تتم ولم تستكمل الوعود بتوحيل البلاد إلى دولة ديمقراطية حقيقية، يكون نموذجا فريدا من نوعه وشعاعا للتغيير.

مصطفى.ح

 

من نفس القسم الوطن