الوطن

هل تحتاج المصالحة الوطنية إلى عفو شامل؟

مرت سبع سنوات على تطبيق مسار وقانون السلم

أكد الحقوقي فاروق قسنطيني عن إمكانية لجوء السلطة إلى إقرار العفو الشامل كقرار مكمل ومكلل لمسار المصالحة الوطنية الذي تقرر بموجب استفتاء وطني في 2005. وجاء تأكيد رئيس الهيئة الاستشارية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان بناء على قيام دوائر خارجية على تحريك ملف المفقودين وضغط المحافظة السامية الأممية لحقوق الإنسان التي زارت الجزائر قبل أيام. 

ويعد تصريح السيد قسنطيني مرافعة من أجل استكمال تدابير المصالحة الوطنية لغاية استيفاء جميع المراحل وتعويض ذوي الحقوق من مخلفات المأساة الوطنية التي لازال ضحاياها وخاصة أولياء المفقودين يأملون رفع السرية عن الملف العالق والشائك ومعرفة مصير أبنائهم ضحايا الاختفاء القسري، فضلا عن نداءات جمعيات ضحايا الإرهاب للاقتصاص من الإرهابيين، الذين كفاهم قانون المصالحة الوطنية شر الانتقام وألزمهم التوبة عن ما فعلوه وألا يعودوا لذلك.

وتحدث فاروق قسنطيني عن إيجابية مسار السلم والمصالحة معتبرا أنه حقق 95% من أهدافه، وفق حصيلة هيئة المتحدث، في انتظار دمج حالات بعض المهمشين والمنسيين أو أولئك من فضلوا القطيعة مع المسار التصالحي لحين طي ملف الأزمة الوطنية نهائيا وتطبيع حياة من كانوا أداة للظلم أو ضحايا قسوة وضع طارئ نجم عن إيقاف المسار الانتخابي بداية تسعينيات القرن الماضي وذهاب فئة من الإسلاميين لحمل السلاح في وجه النظام والمجتمع راح ضحية المواجهة شرائح عريضة من الأبرياء.

وقد قامت الدولة، حسب الحقوقي قسنطيني، ببذل كل ما في وسعها من أجل تخفيف معاناة المتضررين وعائلاتهم ولم تدخر جهدا في إعطاء كل ذي حق حقه. كما ذكر بفحوى خطاب رئيس الجمهورية في 8 ماي الماضي والذي جاء فيه إعلان تدابير إضافية مكملة تعنى بفئات "المنسيين" الذين لم يشملهم قانون السلم والمصالحة. 

ويذكر تقرير فاروق قسنطيني أن هيئته تمكنت من معالجة 32 ألف ملف قضية تظلم من أصل 60 ألف ملف مقدم للجان الولائية متابعة تطبيق تدابير قانون السلم والمصالحة وذلك لغاية منتصف جوان 2012. ما يعني أنه تمت معالجة 50% من مجموع الملفات المودعة لدى فروع اللجنة الوطنية لمتابعة تطبيق القانون المذكور التي يشرف عليها الوزير الأول شخصيا. 

أما بخصوص ملف المفقودين، قال قسنطيني إن الجزائر ليس لديها ما تخفيه وأن الدولة لم تتوان في فتح الملف بموجب القانون سنة 2006 وعملت ما يجب فعله لتهدئة النفوس والبحث عن السبل الكفيلة بمعالجته والذهاب إلى نهاية مرضية لهذا الملف، ودعوته رئيس الجمهورية لاتخاذ تدابير مكملة تقرب من إنهاء الأزمة وغلق الملف اعتمادا على المادة 47 من ذات القانون التي تسمح له تقرير ما يجب إقراره من إجراءات وقرارات تصب في تطبيع الحياة السياسية والاجتماعية مع مستجدات المرحلة. 

هذا وكان للوقت يد في تعبيد طريق المصالحة الوطنية التي أعاقتها معارضة شرسة من ما كان يعرف بالاستئصاليين الرافضين لإعادة إدماج التائبين اجتماعيا وغلق باب التوبة ومحاربة الإرهابيين أينما كانوا وحيثما وجدوا من خلال تغليب سياسة "الكل الأمني" التي أطالت في عمر الأزمة دون غالب ولا مغلوب. 

وفي ظل نضج المبادرة وظهور نتائجها الإيجابية، إضافة إلى تذليل العقبات التي كانت حجر عثرة أمام مسار السلم والمصالحة الوطنيين، حان الوقت، كما أكده رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان لاستكمال المسار بعفو شامل ينهي مأساة تعدت العقدين من الزمن إذا ما أخذنا في الاعتبار سنوات المماطلة والممانعة.

ومن بين الموانع دعوات لإعادة الاعتبار لقيادات الحزب المُحل سياسيا من خلال مراجعة بعض بنود القانون الذي جاء فيه منع الإسلاميين المسلحين وكل الذين تسببوا في إراقة الدماء والتصادم مع الدولة من تعاطي السياسة. وتم تجريدهم من حقوقهم المدنية كالترشح أو تقلد مسؤوليات انتخابية في مؤسسات الدولة. ويرى ملاحظون أن الأزمة في شقها السياسي يجب أن تحل سياسيا وذلك بالسماح لكل المتورطين بالعودة للحقل السياسي بموجب العفو الشامل المنتظر أن يرفع الظلم عن فئة طلقت السلاح ونبذت العنف واسترداد جميع الحقوق المدنية كاملة غير منقوصة.

وأمام ضعف تيار الممانعة المنادي بالاستئصال واستعمال سيف الحجاج أمام بقايا فلول الإرهاب وتراجع الأخير تراجعا لافتا أمام يقظة المؤسسات الأمنية وعودة الوعي بخطورة الآفة وسط المجتمع، أصبح لزاما أخذ التدابير الضرورية من أجل طي الملف نهائيا وعودة الحياة إلى طبيعتها والساحة السياسية تعود لسابق عهدها باعتماد 70 حزبا سياسيا في غضون أشهر تسع كل الفئات والشرائح والأفكار. 

طارق مروان

 

من نفس القسم الوطن