دولي

2019 سنة مهمة في مستقبل قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

تقدير استراتيجي

دخلت قضية الوجود الفلسطيني في لبنان دائرة الخطر السياسي والأمني مجدداً بعد التوترات الأمنية المتلاحقة في أكثر من مخيم، وعقب ارتفاع مستوى التعاون الأمريكي الإسرائيلي الذي أدى لإعلان القدس عاصمة للاحتلال، ووقف الدعم الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وبرزت مخاوف على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مرتبطة بتصفية أهم عناوين القضية الفلسطينية، وتتمحور المخاوف حول اشتعال الأوضاع الأمنية في المخيمات، بشكل يؤدي إلى عمليات تدمير للمخيمات وتهجير للاجئين، ومحاولة فرض حلول مرتبطة بالتوطين.

إن السيناريوهات حول الانفجار الأمني وتداعياتها، هي سيناريوهات ستؤثر سلباً على مستقبل اللاجئين وعلى الدولة اللبنانية. لذلك، فإن الحلول الأفضل تكمن في المعالجة السياسية العاجلة، وإطلاق حوار فلسطيني لبناني، والتمسك بحق العودة ورفض التوطين، وإزالة الإجراءات الأمنية حول المخيمات، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولياته.

شهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان في سنة 2018 توترات أمنية واشتباكات مسلحة، أدت إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة، فتحت الباب واسعاً أمام مخاطر قادمة تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان، وطرحت أكثر من سؤال عن ارتباط هذه الأحداث بالتطورات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وعلاقة ذلك مباشرة بمستقبل القضية الفلسطينية وعناوينها الرئيسية مثل اللاجئين وحق العودة، ودور أكثر من طرف سياسي في المشاركة العملية في إنهاء هذه القضايا.

خلال الأشهر القليلة الماضية، في صيف وخريف سنة 2018، اندلعت اشتباكات مسلحة في مخيم المية ومية شرق مدينة صيدا في جنوب لبنان، بين "الأمن الوطني الفلسطيني" التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، وبين جماعة "أنصار الله" التي يتزعمها جمال سليمان، وأدت هذه الاشتباكات إلى تدمير عدد من المنازل والممتلكات، وإلى مقتل عدد من عناصر الأمن الوطني، وإلى تهجير الغالبية العظمى من أهالي المخيم.

استمرت الاشتباكات أكثر من أسبوعين، وانتهت بوقف لإطلاق النار، وخروج جمال سليمان ومجموعة من عناصره من المخيم. لكن هذه الاشتباكات أعادت التذكير بعمليات التهجير السابقة وتدمير المخيمات، وجددت مخاوف الفلسطينيين واللبنانيين من تكرار أحداث عنف حصلت قبل 30 عاماً.

وقبل الاشتباكات في مخيم المية ومية، شهد مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، الذي يقع قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، اشتباكات مسلحة بين حركة فتح ومجموعة بلال بدر، وهو عنصر متهم بقتل عدد من كوادر حركة فتح، في حي الطيرة، أدت إلى تدمير الحي وتهجير الأهالي.

وشهد مخيم الرشيدية في جنوب لبنان، اشتباكات على قضايا تهريب المخدرات، لكنها رُبطت أيضاً بكل ما يستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان.

هناك أسباب سياسية عززت المخاطر التي تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان، أهمها:

1. عمق التعاون الأمريكي الإسرائيلي بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو، الذي دفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرارات خالفت التفاهمات الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، حيث اعترفت إدارة ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ثم قررت هذه الإدارة وقف الدعم عن وكالة الأونروا، المسؤولة عن إغاثة اللاجئين الفلسطينيين.

2. ارتباط القرار الأمريكي وقف الدعم عن الأونروا بما يستهدف قضية اللاجئين الفلسطينيين من تصفية وإنهاء الوجود، وإزالة المخيمات، بهدف إسقاط حق العودة، وإنهاء خدمات وكالة الأونروا وتصفية قضية اللاجئين.

3. ظهور توجه أمريكي إسرائيلي مشترك لإنهاء القضية الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية، وتسريع عملية التطبيع بين الدول العربية ودولة الاحتلال.

4. الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الصعبة، التي تمر بها بعض الدول العربية، التي تحاول الخروج من أزماتها المختلفة، من خلال مزيد من التقارب مع الحكومة الإسرائيلية، والقبول بإنهاء القضية الفلسطينية. وقد جاء الرد العربي المتخاذل والخجول حول اعتبار القدس عاصمة للاحتلال نموذجاً على ذلك.

هناك عوامل محلية تعزز من المخاطر على مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان، أهمها:

1. قيام فصيلٍ فلسطيني يحظى بغطاء رسمي بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى المخيمات، وهذه الأسلحة النوعية استخدمت في معركة المية ومية.

2. قيام جنرالات أمريكيين بثلاث جولات خلال عام واحد في أعالي مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وسط حديث عن سعي أمريكي لإزالة هذين المخيمين كمقدمة لإزالة باقي المخيمات.

3. ارتفاع موجات الهجرة الجماعية من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عبر قنوات ترحيل منظمة.

4. إعلان لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التابعة للحكومة اللبنانية عن نتائج الإحصاء السكاني الذي قامت به، والذي يرى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان يبلغ 174 ألف لاجئ، مبتعداً بشكل كبير عن أرقام الأونروا (530 ألف لاجئ)، وأرقام جهات لبنانية وفلسطينية أخرى (300 ألف).

5. عملية تقليص الخدمات التي تقوم بها الأونروا في لبنان، والتي قلصت بموجبها خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الاجتماعية.

6. إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أكثر من مرة استعداد السلطة لتسليم سلاح المخيمات، والتعاون في استلام الدولة اللبنانية إدارة المخيمات.

7. الإجراءات الأمنية المشددة التي قامت بها السلطات اللبنانية تجاه المخيمات، والتي تمثلت في بناء جدار عازل حول مخيم عين الحلوة، وإقامة بوابات الكترونية للتفتيش، وإقامة جدار آخر حول مخيم الرشيدية.

8. وصول معلومات لأكثر من طرف فلسطيني عن رغبة الدولة اللبنانية، خلال أشهر قليلة، نشر وحدات من الجيش اللبناني في كل أحياء المخيمات، التي هي خارج المساحة الجغرافية الرسمية المعترف بها.

 

السيناريو الأول: معارك داخل المخيمات:

 

افتعال معارك متنقلة داخل أكثر من مخيم فلسطيني، تؤدي في النهاية إلى تدمير أحياء من هذه المخيمات ودفع الناس (باعتبار النتيجة) نحو الهجرة. والمخيمات المرشحة لذلك هي عين الحلوة والمية ومية والرشيدية والبداوي، عبر افتعال معارك بين الأمن الوطني التابع للسلطة وبين مجموعات موجودة حالياً، أو يتم إنشاؤها لتحقيق هذا الهدف، تحت عناوين "مكافحة الإرهاب"، أو "التطرف". وبغض النظر عن الشعارات أو الرغبات المعلنة للسلطة، فإن أشكال التوتير والتصعيد المختلفة قد تكون مدمرة على صعيد المخيمات والمستقبل الفلسطيني في البلد.

 

السيناريو الثاني: حدوث عمليات تهجير منظمة:

 

تبقى عمليات التهجير المنظمة خطراً كبيراً يواجه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك عبر تنظيم عمليات ترحيل أو تسهيل الهجرة خارج لبنان مجاناً أو بتكاليف مادية، بحيث يؤدي ذلك في النهاية إلى تخفيض عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وقد حصلت عمليات هجرة وتسهيل هجرة طاولت ما يقارب ألفي لاجئ خلال عام واحد.

 

السيناريو الثالث: توطين اللاجئين:

 

وهو سيناريو يقوم على فكرة أنه في نهاية المطاف، وبعد أن يتم التخفف من أكبر قدر من اللاجئين، وتحت ضغوط دولية وإقليمية، تقوم الجهات اللبنانية الرسمية بإصدار قوانين لتوطين ما تبقى من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، تحت ذرائع ودوافع إنسانية واجتماعية مختلفة. وقد استخدم هذا الأسلوب بعد مؤتمر مدريد سنة 1991 مع بعض الشرائح، وهناك حديث عن أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان مع ضغط دولي موازٍ إلى تمرير هذا المشروع.

ما زال السيناريو الأول مرجحاً، حيث ما زالت أطراف محسوبة على السلطة تدفع بقوة باتجاه تأزيم الأوضاع؛ غير أن السيناريو الثاني هو سيناريو مستمر وإن بوتيرة متفاوتة مع زيادة ملحوظة في الأشهر الماضية. أما سيناريو التوطين فما زال مستبعداً في الظروف الحالية، حيث ما زال يشهد معارضة قوية لدى قوى أساسية لبنانية، كما أن الفلسطينيين في لبنان معنيين أساساً بالحصول على حقوقهم المدنية والإنسانية، وليس بالتجنيس أو التوطين.

ومن المتوقع أن تكون سنة 2019 سنة مهمة في مستقبل قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي تعدُّ من أصعب القضايا التي تواجه من يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، وذلك بسبب حرية العمل السياسي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والأوضاع الإنسانية الصعبة للاجئين، وانتشار المخيمات على كامل مساحة الأراضي اللبنانية.

إن المخاطر التي تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان هي مخاطر حقيقية وصعبة، وإن تفجير الوضع الأمني داخل المخيمات هو عمل خطير ومرفوض من غالبية القوى الفلسطينية، كما أن هناك أضراراً كبيرة ستصيب المجتمع اللبناني. إن قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هي قضية سياسية بامتياز. والأفضل التعامل معها من هذه الزاوية، خصوصاً وأن أسلوب المعارك كان خياراً سيئاً لكل من استخدمه، وعاد على الجميع بالخسارة. وعلى القوى الفلسطينية في لبنان العمل مجتمعة من أجل منع الاقتتال بين الفلسطينيين أو بين الفلسطينيين واللبنانيين. وعلى الجهات اللبنانية الرسمية والحزبية العمل لتجنب التوترات الأمنية أيضاً.

1. توحيد الموقف الفلسطيني لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان، وتوفير الأمن والاستقرار، وحماية حق العودة، ورفض التوطين والتهجير.

2. إجراء حوار لبناني فلسطيني عاجل، يهدف إلى الاتفاق على الرؤية السياسية للعلاقة المشتركة، ومنع استخدام العنف بأي شكل.

3. الاتفاق مع الدولة اللبنانية على حق عودة اللاجئين، ورفض عمليات التوطين والتهجير.

4. إقرار تفاهم لبناني فلسطيني حول الحقوق الإنسانية والاجتماعية للاجئين.

5. الضغط على الأونروا والمجتمع الدولي للقيام بواجبهم تجاه مجتمع اللاجئين.

6. إزالة الإجراءات الأمنية حول المخيمات وبدء المعالجة الاجتماعية.

7. تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة لحفظ الأمن داخل المخيمات.

إن إطلاق حوار لبناني فلسطيني شامل وعاجل، يسمح بتفادي التوترات الأمنية، ويبعد خطر التدخل الخارجي ويحفظ الوجود الفلسطيني في لبنان، ولا يحول دون سلطة الدولة، ويضع المسؤولية الاجتماعية عند الجهات الدولية.

 

من نفس القسم دولي