دولي

"حارة المشارقة الفوقا" في الخليل.. حياة محاصرة وطفولة معذبة

رغم الحواجز الإلكترونية والبوابات الحديدية التي تزرع الموت في كل زاوية

يأسرك عبق التراث والتاريخ وأنت تتنقل بين الأزقة والقناطر والأقواس؛ حيث العشرات من الأسر الفلسطينية التي تصر على الرباط والبقاء في تلك المنازل الآيلة للسقوط والانهيار في حارة "المشارقة الوفقا" رغم الحواجز الإلكترونية والبوابات الحديدية التي تزرع الموت في كل زاوية.. "المشارقة الفوقا" إحدى أهم الحارات الملاصقة للمسجد الإبراهيمي والتي مر على بنائها نحو خمسة آلاف عام. 

جزء كبير من حارة المشارقة الفوقا، مهدم بفعل تقلبات الزمن، والجزء الآخر بفعل الاحتلال، بعد احتلال المدينة عام 1967م من سلطات الاحتلال الصهيوني، إلا أن العشرات من المنازل لا تزال صامدة شامخة تتحدى صلف الاحتلال صباح مساء.

"لا بد في كل صباح أن أتوقف لساعات على ثلاثة حواجز حتى أصل الى عملي في منطقة وادي الهرية".. هكذا وصف أبو عزمي "عزام الجعبري" (37 عامًا)، حياته كل صباح؛ حيث يخرج من منزله في حارة المشارقة الفوقا متوجهًا لعمله في منطقة وادي الهرية.

ويضيف أبو عزمي قائلاً، في حديث لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "والله يا عمي احنا عايشين من قلة الموت.. هي هادي عيشة؟! الله بقول أصل شغلي بعد ساعتين عذاب وأنا على كل حاجز لازم أدخل البوابه الإلكترونية، وأشلح ملابسي، وأخلع حذائي حتى يفحصوه على الماكنة.. والشتاء والمطر بكون أتفتش تحت المطر والجنود والمستوطنين بضحكوا وبتفرجوا علينا.. حسبنا الله ونعم الوكيل على الزعما العرب اللي تركونا لوحدنا وما حرروا فلسطين من اليهود!".

الحياة في حارة المشارقة الفوقا في البلدة القديمة من الخليل بائسة محاصرة بالبوابات الإلكترونية؛ فالمعاناة قائمة في الأفراح والأتراح والخروج للعمل والمدارس.. هي أشبه بالمعتقلات النازية.

لم تفرح الطفلة سارة جابر (9 سنوات) يومًا في طفولتها وهي تعاني كل صباح عند خروجها من بوابات منزل أهلها لتلعب مع صديقاتها أمام المنزل وسرعان ما تعود مرعوبة تصرخ عند مرور قطعان المستوطنين من أمام المنزل وهم يصرخون ويهتفون: "الموت للعرب، وأحيانًا يعتدون على الأطفال ويدمونهم".

تقول سارة، في حديث يشدوه البراءة لمراسلنا: "أنا كنت حابة أروح على الروضة واللعب مع الأطفال ونرقص ونغني مع بعض.. لكن اليهود والجيش منعوا باص الروضه يصل إلى بيتنا، ولطخوه مرة بالحجارة، وطخوا عليه، وكان الشوفير بدوا يموت يا حرام!، عشان هيك خافت ماما علي وقالتلي ما بدنا روضة! وهاي أنا بلعب من الأطفال في الحارة ولما بمر الجيش والمستوطنين بنشرد جوا الدار واحنا خايفين بنعيط"!.

ويصف لنا خالد حسن جابر (56 عامًا)، وهو أب لسبعة أبناء، تلك الحياة البائسة في حارة المشارقة الفوقا فيقول: "لا يسمح لنا بإدخال السيارات لنقل أغراضنا وموادنا التموينية إلى المنزل؛ فحياتنا أشبه بالإنسان الأول.. ننقل أمتعتنا وموادنا التموينية من طحين وأرز وزيت ومواد تنظيف على الحمار!، وأحيانًا كثيرة بوقفوا الحمار وبفتشوه.. يعني بفتشوا الخرج تبعه، وبيفحصوه على الماكنة الإلكترونية، ولما الحمار بنهق بصوت عالي الجنود بخافوا وبيسحبوا أقسام أسلحتهم!.. وباستهزاء بقولي الجندي: "وين هوية الحمار؟! بقله يا خواجا هذا حمار ما بفهم.. فيصرخ الجندي وبقلي: "هذا بيفهم أكثر منك.. والله يا عمي لولا حرصنا على بيوتنا وأرضنا خوف ما يصادرها اليهود ويستوطنوها ما بقينا ساعة في هذا العذاب والذل.. لكن سنبقى صامدين .. ويا جبل ما يهزك ريح".

 

من نفس القسم دولي