دولي

2018... العام الأسوأ على القدس منذ احتلالها

كانت ساحة انتقام صهيونية عنوانها التطهير والقمع

لم تحمل الوقائع والأحداث المتراكمة والمتصاعدة التي مرت على "زهرة المدائن"، خلال 12 شهراً الماضية، معها إلا المزيد من الويلات على سكانها، الذين عانوا أخطر المخططات الإسرائيلية التي تستهدف وجودهم ومكانة مدينتهم المقدسة.

"قتلٌ وتهجير واستيطان وتدنيس وسرقة واعتداءات"، عناوين متفرقة كانت المتصدرة على صفحات وسائل الإعلام طوال 2018، الذي غلفته دولة الاحتلال منذ يومه الأول حتى الأيام الأخيرة باعتداءات وحشية وممنهجة ضد سكان المدينة ومقدساتها.

مدينة القدس المحتلة تدخل عام 2019 وهي لا تزال تعاني، مثقلة بويلات تصعيد العامين الماضيين التي لم تنتهِ آثارها الحادة والعميقة بعد، وكان آخرها قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".

ورغم أن معاناة الفلسطينيين داخل القدس بدأت منذ احتلالها عام 1967، فإن لغة الوقائع والأرقام التي كشفت عنها المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية، تؤكد أن 2018 كان مغايراً عن الـ51 عاماً الماضية.

 

الأسوأ والأخطر

 

الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة على المقدسيين شملت طرد عائلاتهم وتهجيرهم وهدم بيوتهم، وفرض الغرامات وإغلاق المحال التجارية والاعتقال والقتل بدم بارد، وتدنيس المقدسات وسرقة الأملاك والأراضي، وشد حبل الخناق الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك عانت المدينة من تصعيد أمريكي على صعيد القرارات التي فتحت الأبواب أمام نقل السفارات الغربية للمدينة المقدسة، وكلها كان لها واقع قاسٍ في تفاصيله على سكان المدينة.

ويقول الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى المبارك: إن "سلطات الاحتلال باتت تستغل الظروف العربية والإسلامية المتفرقة والمتدهورة جيداً لتنفيذ مخططاتها العنصرية والتهويدية بحق المدينة وسكانها".

ويؤكد صبري، في تصريح إعلامية أن 2018 قد يكون الأسوأ في تاريخ القدس، حيث شهد تصعيداً ممنهجاً وخطيراً من قبل الاحتلال والإدارة الأمريكية، باتت تستهدف بشكل مباشر المكانة الدينية والإسلامية المرموقة.

ويضيف: "في هذا العام وصلت معدلات الاستيطان لأرقام جنونية تجاوزت 300%، والاعتقالات تعدت ألفي معتقل في صفوف المقدسيين، والقتل بدم بارد لعشرات المواطنين، إضافة للحفريات ومخططات التهويد المسعورة التي تجري أسفل المسجد الأقصى وأعلاه، وكذلك التهجير والتشريد وتسريب العقارات، التي تسير على قدم وساق وأمام العالم أجمع".

وبحسب خطيب المسجد الأقصى فإن "البشر والحجر، وحتى الشجر، لم يسلموا من الاعتداءات الإسرائيلية خلال 2018، فكل شيء كان مستهدفاً وبات ضمن المخطط الأكبر للاستيلاء على المدينة وتغليفها بالطابع اليهودي الخالص، ومحو الطابع الإسلامي المتوارث منذ آلاف السنوات".

واعتبر أن ما يجري بمنزلة حرب مفتوحة تشنها "إسرائيل" بتوجيه من الإدارة الأمريكية التي انتهكت خصوصيات المدينة بقراراتها المجحفة والظالمة، مشدداً على أن القدس تعرضت خلال العام لأبشع وأخطر المخططات الإسرائيلية.

ولفت صبري إلى أن العام المقبل 2019 سيكون أشد خطورة وأكثر مساساً بالمقدسيين، إن لم تخلق الدول العربية والإسلامية تحركاً جاداً وسريعاً يوقف جرائم الاحتلال ومن يعاونه.

وخلال العام، الذي شارف على نهايته، هدم الاحتلال أكثر من 145 مبنى فلسطينياً في القدس، بدعاوى "زائفة"، ما أدى لتشريد سكانها، وفق ما أفاد مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا".

كما أشارت جمعية "عير عاميم" الإسرائيلية (حقوقية غير حكومية) إلى أن حكومة الاحتلال صدقت على مخططات لبناء 5820 وحدة استيطانية جديدة في المدينة، ونشرت مناقصة لبناء 603 وحدات استيطانية إضافية، مضيفة أن جماعات استيطانية استولت على 6 منازل بالبلدة القديمة.

وخلال العام ذاته زادت الجماعات الاستيطانية من اقتحاماتها للمسجد الأقصى، فقد اقتحم نحو 28 ألف مستوطن المسجد الأقصى، مقارنة مع 26 ألفاً في العام الماضي، كما سجلت اعتداءات إسرائيلية جسيمة أخرى ضد المسجد، من ضمنها إغلاقه مرتين بشكل كامل أمام المصلين.

وبالتوازي مع زيادة الاقتحامات، رصد الفلسطينيون زيادة أيضاً في أعداد المعتقلين من أبناء المدينة، فيقول مدير نادي الأسير الفلسطيني، ناصر قوس، إن أعداد المعتقلين تجاوزت 2000 معتقل قبل نهاية العام الجاري، من ضمنهم 500 طفل و13 سيدة، واحتجاز 4 جثامين لشهداء من القدس.

وأوضح قوس، في بيان وصل "الخليج أونلاين"، أن الاعتقالات تركزت على عناصر حركة فتح وحماس، باعتبارهم يقودون النشاطات في المدينة، لافتاً إلى أن هناك أكثر من 20 حالة إبعاد دائم عن المدينة للأطفال والشباب.

 

القدس.. ساحة انتقام إسرائيلية عنوانها التطهير والقمع

 

من جانبه حمّل كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل عام 1948، دولاً عربية بالتواطؤ والتخاذل، وتسهيل ما يجري بالقدس من اعتداءات إسرائيلية وأمريكية خطيرة ومتصاعدة.

وأكد الخطيب أن الصمت العربي والإسلامي الحاصل كان بمنزلة ضوء أخضر وغطاء لحكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية لتنفيذ أخطر وأكبر المشاريع التهويدية والتصفوية التي تستهدف المدنية، واشتدت خلال العام 2018.

وتساءل الخطيب خلال حديثه: "ما الدور الذي تلعبه مصر والإمارات والسعودية وباقي الدول العربية لنصرة القدس ومواجهة ما تتعرض له؟"، مضيفاً: "أعداء القدس ليسوا إسرائيل وأمريكا فقط، بل أصبح هناك أنظمة عربية تتكاتف مع العدو للقضاء على المدينة وتشريد سكانها".

ولفت إلى أن المدينة المقدسة بسبب هذا الظلم الكبير الواقع عليها تعيش أظلم وأخطر مراحلها، والقادم والمخبأ سيكون أشد خطورة وقسوة بكثير من الذي رأيناه في 2018، محملاً الجميع المسؤولية ما يحاك داخل الغرف المغلقة ضد المدينة المقدسة وسكانها.

وضمن الحرب الاقتصادية الممنهجة والقوية التي تقودها "إسرائيل" ضد القدس، حذر فادي الهدمي، المختص في الشؤون الاقتصادية المقدسية، من مغبة انهيار الاقتصاد في المدينة من جراء الهجمة السياسية والعملية لأجهزة الاحتلال المختلفة، ما يشكل خطورة محدقة على الاقتصاد المقدسي المحاصر والمخنوق أصلاً.

وأشار بشكل خاص إلى تجار القدس في البلدة القديمة، ومحاولة تفريغ محالهم وتهجيرهم إلى الأسواق الخارجية، كي يحكم الاحتلال سيطرته على كل المفاصل الاقتصادية، من خلال السعي إلى تهويدها وأسرلتها وتحويلها إلى "غيتو" صغير ومعزول فيما يسمى بالقدس الكبرى.

ولفت، في تصريحات لصحيفة "القدس"، إلى أن المرحلة المقبلة سوف تشهد المزيد من سياسة إفقار التجار المقدسيين كي يتنازلوا عن محالهم التجارية، وعددها ينوف على 1200 محل تجاري، موضحاً أن سلطات الاحتلال تخطط لعملية طويلة المدى تؤدي لانهيار المجتمع المقدسي بكل مكوناته.

وتقول إحصاءات إسرائيلية رسمية إن "80% من الفلسطينيين في شرق القدس فقراء، ونسبة البطالة هناك تصل إلى 25%، أما معدل الدخل فيبلغ للفلسطيني نحو ألف دولار، وهو أقل من نصف تكلفة المعيشة بالمدينة".

ويعيش في شرق القدس 320 ألف فلسطيني يشكلون 36%

 من مجمل سكان القدس بشطريها، في المقابل يعيش نحو مئتي ألف مستوطن شرق القدس.

 

ماذا تريد "إسرائيل" من القدس؟

 

حالة التوتر القائمة في مدينة القدس واستكمال "إسرائيل" مخططات التهويد والتهجير وتضييق الخناق على سكانها بصورة متصاعدة، يُجمع خبراء وشخصيات مقدسية على أنها انتهاك صارخ لحرمة وقدسية المدينة التي باتت تواجه كل المخططات القمعية والعنصرية والتهويدية وحدها، مؤكدين أن استمرار هذا التصعيد سيؤهل المدينة للدخول في مرحلة خطيرة عنوانها "الحرب المفتوحة".

ويقول حاتم عبد القادر، وزير شؤون القدس السابق، ومسؤول ملف القدس في حركة "فتح": إن "حكومة "إسرائيل" قد استباحت فعلياً حرمة المدينة المقدسة، والقرار الأمريكي الذي صدر بحقها مؤخراً قد شجعها على تجاوز كل الخطوط الحمراء في الاعتداء والقمع والتهجير والتهويد دون أي مساءلة".

ويشير عبد القادر، في تصريحات إعلامية إلى أن "ما جرى في مدينة القدس خلال الساعات الأخيرة يعد حرباً على الوجود المقدسي في المدينة لم ترحم بشراً ولا حتى حجراً وشجراً، وباتت تستهدف المدينة وسكانها بشكل مباشر للضغط عليهم لتهجيرهم قسراً".

مسؤول لجنة القدس في حركة "فتح" يعتبر أن مثل هذا الهجوم الشرس على المدينة بمخيماتها وأحيائها ومقدساتها ومحلاتها وسكانها، يندرج ضمن المخطط الصهيوني الأكبر للاستيلاء على المدينة بأكملها، وإعطائها الطابع اليهودي بعد سلخ الطابع الفلسطيني والمقدسي عنها.

 

من نفس القسم دولي