دولي

حماس في الذكرى الـ31 .. من المحلية إلى العالمية

القلم الفلسطيني

....عبرت الوثيقة السياسية التي أصدرتها قيادة حماس عام 2016 عن عمق الوعي السياسي الذي بلغته الحركة، ومدى قدرتها على مواكبة حركة الواقع السياسي المحيط 

وعبرت الوثيقة السياسية التي أصدرتها قيادة حماس عام 2016 عن عمق الوعي السياسي الذي بلغته الحركة، ومدى قدرتها على مواكبة حركة الواقع السياسي المحيط، فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا، وبراعتها في امتصاص حدة الضغوط وتجاوز الأعاصير التي حاولت اقتلاعها أو المساس بها في مراحل زمنية مختلفة.

فقد اشتملت الوثيقة على رؤية شاملة تناولت العديد من المبادئ والمفاهيم والمنطلقات ذات العلاقة بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وصراعه مع الاحتلال، فضلا عن نظرة الحركة للقضايا العربية والإسلامية والدولية، وعلاقاتها الداخلية والخارجية في ظل المتغيرات العاصفة التي تعصف بالإقليم والعالم.

إن تطور الفكر السياسي لحماس وحكمتها ومرونتها في إدارة دفة العمل السياسي وإعمالها فقه الأولويات والموازنات ضمن مواقفها وسياساتها العامة، استطاع الانتقال بها بسلاسة وانسيابية ويسر بين المراحل الزمنية المختلفة، وتكييف حالها وأوضاعها ومسارها وفق مقتضيات الواقع، ما حقق أفضل المنافع والمكاسب لشعبنا وقضيتنا، ومنحها القدرة على الالتفاف على المؤامرات والمخططات المتعاقبة التي ما انفكت في محاولاتها المسعورة لوأد القضية الفلسطينية وطمس وجودها وقضاياها الكبرى.

وعلى مستوى تجربة الحكم، استطاعت حماس رغم تعقيدات الحصار وموجات الحروب والعدوان التي شنها الاحتلال على شعبنا، وخصوصا في قطاع غزة، ومجمل الظروف الاستثنائية التي عاشتها القضية الفلسطينية، أن تقدم تجربة حاكمة فعالة تمكنت خلالها من الحفاظ على برنامجها المقاوم وتطوره اللافت في قطاع غزة وأثبتت قدرة واضحة على إدارة مصالح وشؤون شعبنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتوفير حدود معقولة من مقومات الصمود واحتياجات الناس والجماهير.

وعلى المستوى الوطني والعلاقات الفصائلية، انخرطت حماس في صلب النظام السياسي الفلسطيني، وخاضت التجربة الديمقراطية عبر الانتخابات التشريعية عام 2006 وفازت بالأغلبية البرلمانية، وتمكنت من تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة وحكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة، إلا أن خصومها انقلبوا عليها وحاولوا إقصاءها عن مشهد الحكم، ليحدث ما يحدث في غزة من أحداث الانقسام البغيض عام 2007 وتبدأ بعده سلسلة طويلة من الحوارات الوطنية التي فشلت في تحقيق أهدافها حتى اليوم رغم الاتفاقات المتعددة التي تم توقيعها في القاهرة والدوحة وغزة.

وما زالت حماس تمد يدها لإخوانها في حركة فتح من أجل تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والتفرغ لمواجهة الاحتلال الصهيوني وتغوله على القدس والمقدسات وابتلاعه للأرض الفلسطينية بصف فلسطيني موحد واستراتيجية وطنية جامعة، إلا أن حركة فتح تنقلب في كل مرة على ما تم الاتفاق عليه، ولا تبدي أي اتجاه أو موقف إيجابي لتحقيق التوافق والوحدة على أساس الشراكة الوطنية، وتستمر في فرض عقوباتها اللاإنسانية على غزة وأهلها الصامدين.

على المستوى الخارجي، انسجمت حماس مع مواقفها المبدئية ومبادئها الأخلاقية، ودفعت أثمانا مضاعفة نتيجة وقوفها الطبيعي كحركة مقاومة وكحركة شعبية مع حق شعوب المنطقة في الحرية، والتعبير عن نفسها من خلال نظام سياسي يعكس إرادتها الحقيقية، بعيدا عن التدخل الخارجي والاستبداد السياسي.

لقد واجهت حماس –وما زالت- حروبا شرسة ومخططات غاشمة تحاول حصار جهادها ومشروعها السياسي والوطني التحرري من طرف الأبعدين والأقربين على السواء، لكنها تجاوزت ذلك بفضل الله كما تجاوزت الحروب والمخططات الماضية، ولن تتمكن عواصف الضغط والحصار من كسر عزيمتها وتوهين يقينها وثنيها عن مواصلة التمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية والدفاع عن مصالح ومكتسبات شعبها مهما كانت الظروف ومهما بلغت التحديات.

تجاوزت حماس -التي باتت اليوم أكثر نضجا وتطورا في مختلف المجالات أكثر من أي وقت مضى- الحدود المحلية والإقليمية لتبلغ آفاق العالمية وتتحول إلى رقم صعب ضمن المعادلة السياسية الراهنة بما تمثله من قوة صلبة وراسخة على الساحة الفلسطينية ودرعا متينة في وجه محاولات استهداف وتصفية وتذويب القضية الفلسطينية. 

وبالرغم من خطابها الإسلامي المعتدل وسلوكها الوطني القويم ومرونتها السياسية العالية والنأي بنفسها عن أي عمل خارج الدائرة الجغرافية الفلسطينية فقد قامت الإدارة الأمريكية بوضعها جهارا ضمن "قائمة المنظمات الإرهابية"، وحاولت إدانتها وتجريم مقاومتها عبر استصدار قرار من الجمعية العامة الأمم المتحدة الخميس الماضي، إلا أن محاولتها باءت بالفشل الذريع، وهذا ما يوحي بعدالة القضية الفلسطينية وانتصار الإرادة الفلسطينية المقاتلة، ويبرز الوجه الفاشي والعنصري للسياسة الأمريكية تجاه شعبنا الفلسطيني وشراكتها المباشرة في جرائم الاحتلال ودعم عدوانه واستيطانه وتهويده لأرضنا ومقدساتنا، ويميط اللثام عن زيف الكثير من وجوه النفاق والكذب والتضليل في أوروبا ودول الإقليم على وجه الخصوص، وهذا ما يؤكد على الأثر الدولي للحركة.

وختاما. لقد تجاوزت حماس -التي باتت اليوم أكثر نضجا وتطورا في مختلف المجالات أكثر من أي وقت مضى- الحدود المحلية والإقليمية لتبلغ آفاق العالمية وتتحول إلى رقم صعب ضمن المعادلة السياسية الراهنة بما تمثله من قوة صلبة وراسخة على الساحة الفلسطينية ودرعا متينة في وجه محاولات استهداف وتصفية وتذويب القضية الفلسطينية.

ولن يطول الوقت طويلا حتى ينجلي ليل الحصار بإذن الله وتتقدم فيه جحافل المؤمنين الصادقين نحو القدس، فاتحين مهللين مكبرين، ويسوؤوا وجوه الصهاينة ويتبّروا ما علوا تتبيرا، ويعود اللاجئون الفلسطينيون المهجرون إلى ديارهم العزيزة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الحكيم.

أحمد بحر

 

من نفس القسم دولي