دولي

حماس في الذكرى الـ31 .. من المحلية إلى العالمية

القلم الفلسطيني

إن الحديث عن حركة المقاومة الإسلامية حماس في ذكرى انطلاقتها الـ31 أشبه ما يكون بالحديث عن بحر زاخر بدرر الجهاد والتضحية والعطاء ويواقيت العمل الدؤوب لخدمة الدين والوطن والقضية، كونه يحوي في أعماقه سفرا متكاملا من الأحداث والقضايا العظام التي حفل بها تاريخ الحركة وسيرتها العطرة التي مثلت فتحا نوعيا في تاريخ شعبنا الفلسطيني وتحولا هائلا في مسار القضية الفلسطينية والعمل الوطني الفلسطيني.

بين يدي الذكرى العطرة لانطلاقة حماس وقفة لازمة وضرورية للوقوف على الرحيق العذب الذي بثته ونشرت شذاه حماس في عمق وثنايا وتفاصيل واقعنا الفلسطيني طيلة الأعوام الـ31 الماضية، والعروج على أهم المحطات والتحديات التي تواجه الحركة في مشوارها الوطني العريق وسعيها الميمون نحو تكريس الحقوق والثوابت الفلسطينية في ظل مشاريع التصفية والاستهداف التي تتولى كبرها الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني وحلفاؤهما الإقليميون والدوليون.

قدمت حماس خطابا إسلاميا معتدلا وجد صداه الواسع لدى الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية، وشيّدت تزاوجا رائعا وحالة رفيعة من الانسجام والتكامل بين المفاهيم الدينية والمفاهيم الوطنية

لقد انطلقت حركة حماس كحركة تحرر وطني فلسطيني ذات مرجعية إسلامية، وقدمت حماس خطابا إسلاميا معتدلا وجد صداه الواسع لدى الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية، وشيّدت تزاوجا رائعا وحالة رفيعة من الانسجام والتكامل بين المفاهيم الدينية والمفاهيم الوطنية ما أوجد أرضية صلبة وقاعدة راسخة مكّنت الحركة من بناء جيل فريد يحمل الفكر العقائدي والروح الإيمانية مع الروح الوطنية والنَّفَس الثوري، وهو ما تجلى في الاضطلاع بعبء الوطن والقضية وتحمّل المشاق والمكاره وبذل التضحيات في مشوار الجهاد والمقاومة والعمل الوطني.

وحين نتحدث عن حماس فإننا نطرق بابا يفضي إلى دوائر واسعة من العمل الجهادي المقاوم، والعمل السياسي الرصين، والعمل التربوي والدعوي، والعمل الاجتماعي المنظم، والعمل الوطني الشعبي الواسع، فقد أبدعت في المجال العسكري كما الميدان السياسي والميدان التربوي والدعوي والاجتماعي، وكان لها بصمة فاعلة في حركة ومسارات الأحداث السياسية من خلال تجربتها الحاكمة في إطار مشروع التحرير الشامل للأرض والمقدسات.

إن الحقيقة الأولى التي ينبغي توخيها في هذا المضمار أن حماس لم تكن وليدة الانتفاضة المباركة الأولى التي سميت "انتفاضة الحجارة"، وإنما كانت نتاجا طبيعيا لمراحل العمل الدعوي والجهادي الإسلامي الذي اضطلعت به جماعة الإخوان المسلمين منذ أربعينيات القرن الماضي، وامتدادا حقيقيا لكل الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية، المخلصة والصادقة، التي رفعت راية الجهاد والمقاومة وذادت عن حياض شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة منذ مطلع القرن الماضي وحتى اليوم.

منذ البداية حملت حماس العبء الأساس لانتفاضة الحجارة، وترافق نزولها للميدان وصدور بيانها الأول مع اللحظات الأولى للانتفاضة وتصعيد فعالياتها وإشعال جذوة الاحتجاجات في الشارع الفلسطيني، حيث خرج إلى الواقع ذلك الجيل المتميز من أبناء وكوادر الحركة الذين أعدتهم تربويا ودعويا ومعنويا لهذه اللحظة التاريخية الفارقة من كفاح وجهاد شعبنا، فكانوا عنوان الانتفاضة ووقودها الدافع وسدنتها الميامين.

أحدث العمل العسكري المقاوم لحماس دويًّا هائلًا في المجتمع الصهيوني، وحطّم النظرية الأمنية للاحتلال، وأربك حساباته السياسية والعسكرية والأمنية في كل مراحل العمل الكفاحي الفلسطيني

على المستوى الجهادي، لقد أحدث العمل العسكري المقاوم لحماس دويًّا هائلًا في المجتمع الصهيوني، وحطّم النظرية الأمنية للاحتلال، وأربك حساباته السياسية والعسكرية والأمنية في كل مراحل العمل الكفاحي الفلسطيني.

بدأ جهاد حماس برشق الحجارة وإشعال الإطارات والفعاليات الشعبية المختلفة إبان الانتفاضة الأولى، ثم تطور أيما تطور في إثر تأسيس كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، وشهدت ساحة الكفاح والمقاومة أساليب وأدوات جديدة من أدوات المقاومة مثل الضرب بالسكاكين ومن ثم العمليات الاستشهادية وخطف الجنود وعمليات الدهس وإطلاق الصواريخ، وخصوصا في إثر اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 وانتفاضة القدس عام 2015، وصولا إلى الضربات الموجعة عبر استخدام صواريخ الكورنيت إبان جولة التصعيد الأخيرة التي أذلت ناصية الاحتلال، وبثت الرعب في المجتمع الصهيوني، وليس آخرا تفعيل المخزون الثوري والطاقات الجماهيرية من خلال مسيرات العودة وفك الحصار التي انطلقت نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، والتي شكلت رافعة للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي ووحدت الشعب الفلسطيني وأربكت الكيان الصهيوني أمنيا وسياسيا، إقليميا ودوليا.

وبالرغم من شدة القمع والبطش الصهيوني وقسوة الضربات وأشكال العدوان التي تلقتها الحركة على يد الاحتلال طيلة الأعوام الـ31 الماضية إلا أنها تجاوزت كل المحن والصعوبات التي واجهتها بكثير من الجلد والعزم والمصابرة التي حمل لواءها طراز خاص من القيادات والرجال الأفذاذ الذين أفنوا ذواتهم وضحوا بحياتهم في سبيل تحرير وطنهم ومقدساتهم ورفعة شعبهم وقضيتهم، وعلى رأسهم الشيخ الشهيد الإمام أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي والمهندس إسماعيل أبو شنب والدكتور إبراهيم المقادمة والشيخان جمال سليم وجمال منصور والشيخان سعيد صيام ونزار ريان والشهيد أحمد الجعبري وغيرهم الكثير من قادة وأبناء هذه الحركة العظيمة المجاهدة.

على المستوى السياسي، قدمت الحركة نموذجا راقيا من العمل السياسي الملتزم بالقيم والضوابط الوطنية، والمحافظ على حقوق وثوابت شعبنا، وكانت المرونة والدينامية السياسية التي تمتعت بها حماس موضع إشادة وإعجاب وتقدير الكثيرين الذي رأوا في الحركة أمل شعبنا وأمتنا بعد الانهيارات المتلاحقة التي أصابت الساحة الفلسطينية من جراء توقيع اتفاق أوسلو وملحقاته الأمنية والاقتصادية، ونشأة السلطة الفلسطينية كأداة فلسطينية وظيفية لحفظ الأمن الصهيوني وملاحقة المقاومة واعتقال واغتيال كوادرها وضرب وتفكيك بناها التحتية عبر التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال.

... يتبع

أحمد بحرد

 

من نفس القسم دولي